كتاب عربي 21

الدولار الأمريكي: متى يتوقف عن الصعود؟

1300x600
مازال الدولار الأمريكي هو العملة الدولية المسيطرة على أسواق المال والاقتصاد في العالم، فرغبة المستثمرين والمدخرين في الاحتفاظ بالدولار لها بريق خاص، فتسعى كثير من الدول والشركات الكبرى للاحتفاظ بحظ وافر من الدولار باعتباره القرش الأخضر الذي ينفع في الظروف السوداء. 

والسؤال المهم هنا، هل من الممكن أن يتخلى الدولار الأمريكي عن عرشة للعملات الجديدة التي أخذت تسابقة وتزاحمة على عرشه كاليورو الأوروبي أو اليوان الصيني، أو بالأحرى متى يتوقف الدولار
الأمريكي عن الصعود؟

وقد تبدو الإجابة عن السؤال أمر ملتبسا للغاية عند كثير من المحللين الاقتصاديين، نظرا للتشابك في العلاقات الدولية المعقدة بين مختلف دول العالم.

وتفسيرا لظاهرة الدولار لابد أن نرى المسألة فى سياقها التاريخي، فقد أخذ الدولار يحتل مكانا دوليا في أعقاب الحرب العالمية الثانية وخروج الولايات المتحدة منتصرة من الحرب، وتسليم بريطانيا العظمى زمام الإمبراطورية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد مأتم الاتفاق على أن يكون الدولار هو العملة الوحيدة المغطاة بالذهب وفقا لاتفاقية بريتون وودز.

فقد أخذت الولايات المتحدة نصيب الأسد في حجم الإنتاج العالمي في الخمسينيات، ورغم تراجع التمثيل النسبي على المستوى العالمي فما زال الإنتاج الأمريكي يمثل 23% من الإنتاج العالمي، ويحوز 12% من حجم التجارة العالمية، وتقريبا 60% من العملات العالمية المرتبطة به صعودا وهبوطا.

وكذلك الحال بالنسبة للشركات الأمريكية فقد أصبحت نسبة سيطرة الشركات الأمريكية على الإنتاج العالمي 24% حاليا، بعد أن كانت تسيطر على 39% من الإنتاج فى عام 1990 وأمريكا ما زالت هي المصدر الأكبر لـ32 دولة بعد أن كانت 44 دولة في عام 1994، على حين كانت الصين هي المصدر الأكبر لـ3 دول 1994 فأصبحت هي المصدر الأكبر لـ44 دولة في الوقت الراهن.

فوفق التقرير الذى أوردته مجلة الإيكونومست في عددها الأخير فإن الاستثمارات في الأسهم والسندات التي ترتبط بالدولار بلغ حجمها 9 تريليون دولار، وأن الصناديق الأمريكية للاستثمار تدير 55% من الأصول العالمية والتي كانت تقريبا 44% منذ عقد تقريبا. 

بل المدهش في الأمر أن العملات الدولية والبنوك المركزية تتحسب لكل خطوة يجريها بنك الاحتياطي الأمريكي، ففي الأسابيع الماضية كانت البنوك المركزية تتحسب لخطوة البنك الفدرالي لرفع سعر الفائدة على الدولار، وهو ما سوف يؤدي إلى مزيد من تحركات روؤس الأموال تجاة الولايات المتحدة للاستفادة بالفائدة والتي ستجر مزيدا من الطلب على الدولار مما يدفع إلى ارتفاع سعره في مقابل العملات الأخرى.  

وعلى الجانب الآخر، فإن المؤسسات الدولية المشرفة على النظام المالي الدولي مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية أخذ دورها في التدهور في إدارة الشؤون الدولية، فأزمة اليونان التي جعلت أوروبا كلها معرضة لانهيار عملتها، فضلا عن تراكم الديون إلى أرقام لا يمكن حتى أن تستوعبها الاقتصادات الناشئة. كذلك الأمر بالنسبة لأزمة تدهور أسعار البترول في الأسواق العالمية وانهيار الروبل الروسي، وكذلك انهيار البورصة الصينية والتي أدت إلى تلاشى قرابة الناتج المحلي الإجمالي لبلد مثل بريطانيا.

كل ذلك يعكس إلى أى مدى عدم استقرار النظام المالي العالمي، وعدم كفاءة النظم المالية التي تتحكم في الشؤون المالية العالمية. والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم المؤسسات الدولية لبسط سيطرتها السياسية على الدول التى تخالف سياستها، كما حدث مع إيران والعراق وكوبا وليبيا من قبل.

ومع ذلك، فإن توغل الصين وزيادة حصتها في التجارة العالمية والذي بطبيعته يعني ارتفاع معدلات البطالة في كل من أوروبا وأمريكا. وتدهور في حجم الناتج القومي لكليهما.

فلا يمكن أن تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بتدهور في قوتها الاقتصادية فعلى سبيل المثال عبرت المرشحة للرئاسة الأمريكية "أن هناك الكثيرين من كل حدب وصوب يتساءلون: هل أمريكا في طريقها إلى الانهيار؟ وأنا أقول لهم إن أمريكا هي حتمية ضرورية لهذا العالم".

وأوروبا كذلك لا يمكن لها أن تظل مكتوفة الأيدي أمام تردي أوضاع مواطنيها في اليونان وإيطاليا وإسبانيا والتي أصبحت تعاني من معدلات بطالة مرتفعة للغاية والتي أودت إلى تدهور فى قيمة عملتها.

ومن ناحية أخرى فالصين تأبى رفع قيمة عملتها حتى لا تتأثر صادراتها برفع قيمة عملتها، فالصين تجيد اللعب في الخفاء ولا تريد أن تتحمل قيادة النظام العالمي الجديد، ولكن على أيه حال فإننا إزاء بزوغ نظام عالمي جديد سيقضي على مضاجع كثير من اللاعبيين الدوليين، فيبدو أن مسألة صعود الدولار أصبحت محل شك على الأقل في الأجل الطويل.