تعرض تنظيم
القاعدة المركزي منذ تولي أيمن
الظواهري زعامة التنظيم لجملة من التحديات الكبرى على الصعيدين الإيديولوجي والتنظيمي، وإذا كانت إيديولوجية التنظيم التي تشكلت مع نهاية الحرب الباردة وحلول العولمة العسكرية الأمريكية فرضت عولمة الحركة الجهادية وفق منظورات أولوية قتال العدو البعيد، فقد عجز التنظيم عن تطوير إيديولوجيته في سياق التغيرات العميقة التي طالت العولمة عقب دخول العالم العربي حقبة الثورات والثورات المضادة، ورغم محاولات التكيّف الإيديولوجي واجتهادات منظومة "أنصار الشريعة"، بقي تنظيم القاعدة مترددا بين نهجه التقليدي باستهداف الغرب خارجيا من خلال الهجمات الانتقامية النكائية، وبين نهج الأنصار بإعادة التموضع في العالمين العربي والإسلامي ودمج الأبعاد المحلية والعالمية.
لم ينفصل التحدي الإيديولوجي عن المشكل التنظيمي الهيكلي، فقد دخل تنظيم القاعدة منذ مقتل أسامة
بن لادن في أيار/ مايو 2011، في حالة من الارتباك وفقدان السيطرة المركزية على فروعه الإقليمية، ولعل تمرد الفرع العراقي وانفصاله عن القاعدة وتأسيس دولة خلافة، كان كاشفا عن عمق الخلافات التاريخية بين أطراف الجهادية العالمية، التي كانت تتضامن في مواجهة أعداء مختلفين، دون وجود روابط تنظيمية ملزمة وتقتصر ارتباطاتها على بيعات أدبية عامة، الأمر الذي برز من خلال انحياز معظم الحركات الجهادية في العالمين العربي والإسلامي إلى
تنظيم الدولة الإسلامية وبيعة أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، كما بات تنظيم الدولة الإسلامية وجه مفضلة لمعظم الجهاديين المعولمين، بحيث يستحوذ التنظيم على أكثر من 90% من الجهاديين الراغبين بالقتال في العراق وسورية من مختلف دول العالم.
لقد برهن الشريط الأخير للظواهري عن ضعف وغياب التماسك التنظيمي للقاعدة، وهشاشة مكوناته التنظيمية المركزية في خراسان، فضلا عن انحسار جاذبيته الإيديولوجية، فالشريط الصوتي للظواهري الذي جاء بعنوان "الربيع الإسلامي"، الذي أصدرته مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي التابعة للقاعدة، تم انتاجه في جمادى الأخرة 1435 هـ، أي أنه أنتج خلال شهر آذار/ مارس وبداية نيسان/ إبريل 2015، إلا أن التنظيم عمد إلى رفعه ونشره على شبكة الإنترنت في 9 أيلول/ سبتمبر 2015، الأمر الذي يشير إلى حالة من الارتباك وعدم القدرة على متابعة الأحداث، وفقدانه لأبسط القدرات على المستوى الإعلامي، وقد تردد في نشره عقب بدء تنفيذ قوات التحالف هجماته على تنظيم الدولة في العراق وسوريا واستهداف جبهة النصرة في سوريا.
عزلة الظواهري بدت واضحة من خلال الشريط، فهو لا يصدر الأوامر والتوجيهات كما كان يفعل سلفه بن لادن، وهو أقرب إلى المنظر عبر فقه النصيحة، فعلى الرغم من وقوفه على رأس الهيكل التنظيمي للقاعدة، إلا أن سلوكه يعبر عن فقدانه للسيطرة على مركز التنظيم وفروعه، وانعدام التواصل بين الفروع وصعوبة اتخاذ القرارات الإدارية، فعندا قتل مختار عبد الرحمن أبو الزبير زعيم حركة الشباب في الصومال في بداية أيلول/ سبتمير 2014، بطائرة أمريكية، لم يصدر الظواهري يبانا، وقد نعاه في الشريط الجديد بعد مرور أشهر، وأشار إلى موافقته على اختيار الأمير الجديد، وهي إشارة إلى أن الاختيار لم يكن بعد استشارته، الأمر الذي تكرر مع مقتل أبو بصير ناصر الوحيشي بطائرة أمريكية بدون طيار في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت في 9 حزيران/ يونيو 2015، وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن مقتله في 16 حزيران/ يونيو 2015، وكان الظواهري قد عينه نائبا له عام 2013، وقد أشار الظواهري في الشريط إلى أن الوحيشي هو نائبه رسميا، وعلى الرغم من أن مقتل الوحيشي جاء بعد تاريخ الشريط الجديد، إلا أن فرع القاعدة في جزيرة العرب كان قد عيّن مباشرة أميرا جديدا للفرع دون التأكيد على قرارات الظواهري، من خلال بيان جاء فيه: "ننعي إلى أمتنا المسلمة الشيخ .. أبا بصير ناصر عبد الكريم الوحيشي، الذي قضى نحبه إثر غارة أمريكية استهدفته مع اثنين من اخوانه المجاهدين"، وتم تعيين القائد العسكري للتنظيم قاسم الريمي خلفا للوحيشي، حيث جاء في البيان "على اثر هذا الحدث (مقتل الوحيشي) وبالرغم من انشغالنا في القتال ضد الحوثيين وانصار المخلوع (الرئيس السابق علي عبدالله صالح) في أكثر من 11 جبهة في مختلف أنحاء اليمن، وبالرغم من الظروف الأمنية القائمة، إلا أن الله يسر … اجتماع أكبر عدد ممكن من أهل الشورى في الجماعة وتم الاتفاق على أن خير خلف لخير سلف هو الشيخ الفضل أبو هريرة قاسم الريمي حفظه الله".
أحد الإشكالات التي كشفها الشريط الإخير أن الظواهري يعاني من عزلة وعدم القدرة على إدارة القاعدة وفروعها، فقد شدد على تبعيته لحركة طالبان وبيعته للملا عمر، الأمر الذي ظهر جليا من خلال متابعة بيان حركة طالبان الخاص بإعلان وفاة الملا عمر، وبإضفاء صفات القداسة وذكر المناقب، دون الاشارة إلى ملابسات وفاته، والتي تشير المعلومات الأكثر موثوقية أن وفاته كانت في كانون ثاني/ يناير 2013، عندما تسربت الأخبار في 23 نيسان/ أبريل 2013، وقد حدد مكتب طالبان في قطر التاريخ الأخير كتاريخ مؤكد للوفاة، فقد برزت تبعية الظواهري لطالبان بصرف النظر عن القيادة، حيث سارع بصورة ملفته إلى نقل بيعته لملا أختر محمد منصور، على الرغم من عمق الخلافات داخل الحركة فعقب إعلان حركة طالبان في 29 تموز/ يوليو 2015 عن وفاة الملا عمر، ثم إعلان الحركة عن انتخاب الملا أختر محمد منصور زعيما جديدا، في 31 تموز/ يوليو 2015، لم يتأخر الظواهري أكثر من ساعات ليعلن عن بيعته للزعيم الجديد وذلك يوم السبت في 16 شوال 1436، الموافق 1 آب/ أغسطس 2015.
عزلة الظواهري وفقدانه للقدرة على التواصل ظهرت كذلك من خلال استشهاده بدعم واسناد أبو محمد الداغستاني أمير "إمارة القوقاز الإسلامية"، والذي أعلنت "ولاية داغستان" عن مقتله في اشتباك مع قوات الأمن الروسية في 19 نيسان/ إبريل 2015، وكذلك بعد مقتل المتحدث باسم تنظيم القاعدة آدم غدن المعروف بلقب "عزام الأميركي في نيسان/ إبريل 2015، من خلال طائرة من دون طيار على الحدود الباكستانية الأفغانية.
على الرغم من تقادم المعلومات الواردة في شريط الظواهري، والتي هيمن على محتوياتها محاولة الظواهري نزع شرعية الدولة الإسلامية وبطلان خلافة أبو بكر البغدادي، وتثبيت شرعية إمارة طالبان وزعيمها الراحل الملا عمر، إلا أنه ظهر في حالة من التناقض وعدم القدرة على إصدار قرارات ملزمة لفروعه، ففي الوقت الذي شدد فيه على أنه لا يعترف "بشرعية" تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولا يرى زعيمه "أبو بكر البغدادي أهلا للخلافة"، إذ يقول الظواهري: "لا نعترف بهذه الخلافة ولا نراها خلافة على منهاج النبوة بل هي إمارة استيلاء بلا شورى ولا يلزم المسلمين مبايعتها ولا نرى أبا بكر البغدادي أهلا للخلافة"، إلا أنه قال: "لو كنت في العراق أو في الشام لتعاونت معهم في قتال الصليبيين والعلمانيين والنصيريين والصفويين رغم عدم اعترافي بشرعية دولتهم ناهيك عن خلافتهم لأن الأمر أكبر مني ومن زعمهم إقامة الخلافة"، ومع ذلك لم يصدر أي قرارات أو توجيهات لفرع قاعدة الجهاد في بلاد الشام (جبهة النصرة) بالانضمام إلى تنظيم الدولة في مواجهة قوات التحالف، وهي إشارة إلى فقدانه لأي قدرة على إلزام فروعه بقرارات حاسمة.
لا جدال بأن الظواهري لا يمتلك أي سلطة على فروع القاعدة الإقليمية، ولم يعد أكثر من منظر جهادي يقدم نصائحه لمن يرغب بالاستفادة منها في زمن تجاوز تنظيراته الجهادية النكائية، حيث باتت أطروحاته واجتهاداته كلاسيكية كما هو حال من اعتبرهم شيوخ الجهاد كالمقدسي والسباعي وعبد الحليم وأبو قتادة، فالفرسان تحت راية النبي، لم تعد تقنعهم مرحلة هجمات النكايات، ودخلو في حقبة جهاد التمكين وزمن الخلافة.