ينتشر على امتداد العالم العربي دعاة من نوع آخر. يعظون أن حق الناس في التعبير وفي التغيير إنما يساهم في تفشي ظاهرة الإرهاب. يخدمون بهذه الذريعة الحكام على مستويات مختلفة، أكان هؤلاء حلفاء، خصوما أو حتى أعداء. يريدون منع الناس من الاحتجاج حتى على الفساد. ما هذا إلا استبداد باسم الاستقرار.
يمكن لبنان والعراق، اللذين يواجهان مستويين مختلفين من الإرهاب، أن يقدما نموذجين مختلفين. لم تحُل المواجهة الضارية مع الإرهاب دون نزول الناس إلى الشوارع احتجاجا على استشراء الفساد. فشلت الطبقة السياسية اللبنانية في توفير أبسط الخدمات. القمامة في كل مكان من لبنان. لم تستهد إلى إرساء قواعد لعبة ما بين مكوناتها، بل إن السياسيين اللبنانيين استبدلوا ولاءاتهم الوطنية برهانات على التوازنات والمصالح الخارجية، لا يخجل بعضهم من الارتهان لقريب أو بعيد. بئست الحال التي أوصلوا البلاد إليها. النفايات السياسية في كل مكان. يعبر عنها هاشتاغ "طلعت ريحتكم".
على رغم طغيان العصبيات الطائفية والمذهبية، نزل اللبنانيون إلى الشوارع ضد الوجود السوري. خرجت القوات السورية عام 2005 من لبنان خروج المحتلّين، كذلك كانت هذه حال العراق بعد الغزو الأمريكي. هيمنت إيران على عراق ما بعد صدام حسين. استشرى الفساد خصوصا في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، فإذا بأغنى البلاد العربية تغرق في الفوضى والظلام. لا أحد يعرف أين ذهبت مليارات النفط وغيره من الثروات الهائلة. خرج العراقيون أخيرا بكل أطيافهم يطالبون بالكهرباء. هل يعقل أن تحول أولوية الحرب على الإرهاب دون تشغيل مكيفات الهواء، في بلاد تفوق فيها درجات الحرارة حد الاحتمال؟ النعرات الطائفية والمذهبية، وخصوصا بين السنّة والشيعة، يمكن أن تقوض مكافحة الإرهاب والفساد على السواء.
أدت التطورات المخيفة في العالم العربي إلى تشويه "الربيع العربي". صوره الأولى تبعث الأمل. نجح اللبنانيون في التخلص من الحكم المباشر لسوريا البعث، ولو بقي بعض إرثه الثقيل. أطاح التونسيون والمصريون والليبيون طواغيتهم. جاءهم الأدهى، سفاحو الجماعات الإرهابية؛ صار بشار الأسد يسخر من "السذج" الذين سوقوا "الربيع العربي" وراهنوا عليه. هتف أنصاره: الأسد أو نحرق البلد! أشعل سوريا. صار أميرا في حرب أهلية طاحنة. تتيح له "الدولة الإسلامية - داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من الجماعات التي تعتنق المذهب الإرهابي لتنظيم "القاعدة" أن يواصل تصريحاته عن خطر الإرهاب وكيفية مواجهته.
يمثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجها من وجوه الإسلام السياسي. يقدم تصوراته الخاصة في شأن مواجهة هذا الإرهاب. يصنف "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية. أصدر أخيرا قانونا يشبه الفرمانات العثمانية، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة على الإرهاب. يعلن أن همّه الأول إعادة الاستقرار.
لا وقت لديهم لمكافحة الفساد.
(صحيفة النهار اللبنانية)