مقالات مختارة

تعصب القومية الكردية

1300x600
صرح "اتحاد المجتمعات الكردستاني" (وهو كيان يضم معظم الأحزاب الكردية اليسارية، ومن ضمنها حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، والرئيس الفخري له، عبد الله أوجلان، المسجون في إحدى جزر تركيا ببحر مرمرة. وتأسّس هذا الكيان عام 2005، بحضور 213 شخصية كردية من أوروبا والشرق الأوسط) أنه ألغى وقف إطلاق النار مع الدولة التركية. وذلك بعد أن أنشأت تركيا، عدة سدود مائية في المناطق الشرقية للبلاد. وعلى إثره أعلن اتحاد المجتمعات الكردستاني أنه تراجع عن وقف إطلاق النار. وجاء في تصريحه "لم تلتزم دولة تركيا، بشروط وقف إطلاق النار، وقامت بأعمال تستدعي الإشتباك معها مرة ثانية. وعلى ذلك نعلن أن كل السدود أصبحت اليوم هدفا لنا".

أمام تصريح اتحاد المجتمعات الكردستاني، قال مسؤولون من حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، إنه تحذير لاغير. لكن تبين لنا أنه أكثر من ذلك، لاسيما أن بعض الشاحنات احترقت في المناطق الشرقية، وتعرّض الجيش لهجمات حزب العمال الكردستاني.

وللتوضيح، كان حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، أكثر المستثمرين لأجواء انتخابات السابع من حزيران/يونيو المنصرم. الجو الذي هيأ لهم الكثير واختصر الكثير. لاسيما بعد تحول الربيع العربي إلى شتاء عربي. بعد هذه المرحلة التاريخية، لم يُبقِ القوميون الأكراد فرصة إلا وحاولوا الاستفادة منها.

حزب الاتحاد الديمقراطي، بقيادة صالح مسلم، تواصل مع جميع اللاعبين والمؤثرين على الساحة السورية، وعلى رأسهم نظام الأسد. وأبرم معهم اتفاقات مؤقتة، حتى غدا اليوم قوة أمريكا المحاربة في سوريا. وأسّس جيشا يشبه في تنظيمه تنظيم داعش، يتألف من مرتزقة ومتطوعين مقاتلين أجانب من الدول الغربية. وكما يتم غض البصر عن الميلشيات الشيعية الإيرانية، يغض الغرب والعالم نظره اليوم عن مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الأجانب.

وبالعودة إلى الساحة التركية، منذ مدة، يعيش الداخل التركي مرحلة مفاوضات الحرب والسلم مع حزب العمال الكردستاني. ويسود الساحة السياسية التركية أجواء السلام على لسان حزب الشعوب الديمقراطي، ولسان الحرب على لسان اتحاد المجتمعات الكردستاني. ونتيجة لهذه الأجواء لم يترك حزب العمال الكرستاني السلاح، وفي الوقت نفسه سيطرة على المناطق الشرقية للبلاد.
ويستثمر حزب الشعوب الديمقراطي ومعه حزب العمال الكردستاني في نجاح سياسة شرعنة معارضة أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

ومن خلال السياسة التي يتبعها حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب العمال الكردستاني، يهدفان إلى عدم وقف مرحلة السلام في تركيا، بالإضافة إلى عدم إنهاء سيطرة حزب العمال الكردستاني على مناطق الشرق جنوبية. وأمام هذه الصورة، لا بد للحكومة التركية الجديدة أن تعيد تأسيس أمن المنشآت العامة في تلك المناطق. وهذا سيكون بمثابة نهاية هيمنة حزب العمال الكرستاني على المناطق الشرق الجنوبية.

ويعلم حزب العمال الكردستاني واتحاد المجتمعات الكردستاني، أن بنية الدولة التركية في إعادة تأسيس الأمن في المنطقة تلجأ للعنف والقوة والتهديد.

وجاءت كل هذه الأحداث، نتيجة القومية المتأخرة التي تتمثل في حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، وقد دفعهم هذا إلى تثمين اللحظة التاريخية للأكراد، وعدم ضياعها. ولكي يشتد عودهم أكثر لن يتركوا سياسة السلام والحرب معا. والحقيقة هنالك ثلاثة أسباب رئيسية تدفعهم إلى عدم ترك مفاوضات السلام من جهة، والتهديد بالحرب من جهة ثانية.

السبب الأول: حزب العمال الكردستاني، شرّع التعاون مع أمريكا لمحاربة تنظيم داعش. وسيستخدم حق التسلح أكثر بحجة محاربة التنظيم.

السبب الثاني: سيحاول حزب العمال الكردستاني تعزيز موقعه في تركيا من المكاسب التي اكتسبها في كل من العراق وسوريا.

وإلى يومنا هذا لم يتشكّل سبب قاهر يجبر حزب العمال الكردستاني عن تراجعه في استراتيجيته التي يتبعها، والتي تتشكّل في "مخيّلة دولة كردستان". ولهذا السبب هو مصرّ على سيطرته على المناطق الشرق جنوبية، ويخطط لذلك بالاعتماد على حزب الشعوب الديمقراطي الذي سيهيأ له القاعدة الأساسية عبر توجيه الرأي العام الكردي.

السبب الثالث: يحسب حزب العمال الكردستاني، وحزب الشعوب الديمقراطي، أنه في حال تشكيل حكومة ائتلافية في تركيا أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، سيكون مؤثرا إيجابيا لصالحهم. بعبارة صريحة، سيستخدم القوميون الأكراد ورقة السلم والحرب معا، مادامت دول جوار تركيا تحترق بحروب دامية.

ومما سبق، يبدو أننا سندخل إلى مرحلة جديدة في العلاقات التركية الأمريكية، جراء التعصّب القومي الذي يعاني منه القوميون الأكراد. ممثل الحرب مع تنظيم داعش ونظام الأسد، سيتحدّد موقفنا في سوريا والعراق.

(عن صحيفة صباح التركية، ترجمة وتحرير تركيا بوست )