كتاب عربي 21

تفويض داعش لإنقاذ الحوثي

1300x600
لا يمكن لأحد المجازفة بتبرئة صالح من كل جرائم اليمن، بدءا باقتحام المدن وقصف المستشفيات، وانتهاء بدعم القاعدة ورعايتها والوقوف وراء كل عملية قتل ودمار.. فحلفاؤه الحوثيون يدركون تماما أنه وراء مقتل الصحفي والقيادي الحوثي عبدالكريم الخيواني، وهو من اتبع الاغتيال بتفجير مسجدي بدر والحشوش، ورشا الحوثيين بعد ساعات بفتح أبواب معسكرات الحرس الجمهوري والتوجه نحو تعز والجنوب، حتى يميع القضية الصغرى بجريمة كبرى.. والآن يتشارك مع حلفائه وفد التشاور في جنيف.

وفي جنيف مشهد سريالي بخصوصية يمنية لا يزال طرفا التشاور اليمنيين عالقين، ومن الواضح أنهما سيرهقان الأمم المتحدة، التي تجد نفسها منحازة للخيار الأمريكي الداعم لبقاء الحوثيين قوة سياسية وعسكرية وتحضيرها لحكم اليمن بأي ثمن.

التشاور اللامجدي في جنيف يتزامن إجباريا مع قتال شري وعنيف في تقوده مليشيا صالح والحوثيين في 11 محافظة (وهو الرقم الذي سنتوقف عنده بتأمل)، كما يزامنه حالات قتل جميع ورهاب مخيف لبيوت الله في العاصمة.

منتصف هذا الأسبوع ظهر قاسم الريمي الأمير الجديد لقاعدة جزيرة العرب يقول إنهم يقاتلون الجماعة الحوثية الشيعية في 11 محافظة، وبعده بيومين خرج الزعيم المليشاوي عبدالملك الحوثي يقول: "نحن نقاتل القاعدة في 11 محافظة"!!.. فهل من كتب خطاب الرجلين واحد؟!

وبعدهما معا انطلقت سلسلة تفجيرات في مساجد صنعاء تبناه تنظيم داعش الذي يظهر في اليمن لأول مرة، وهو بالتأكيد يتبع الكود الصناعي ذاته للحوثي والقاعدة، فلا "داعش" في اليمن، التنظيم الدولي العابر للقارات هو "القاعدة"، أما "داعش" فهو محصور في العراق وبلاد الشام التي اشتق منها اسمها، حتى وإن ظهرت نتوءات له في ليبيا.

ما حدث في اليمن من تسجيلات صوتية لعبدالملك الحوثي يتهم فيها القاعدة، وقاسم الريمي يؤكد وجود القاعدة وسلسلة تفجيرات تؤكد القاعدة وتضيف إليها داعش، كله يأتي لتعزيز حضور الجماعة الحوثية في جنيف، التي تقدم نفسها بدور المقاول الوحيد والحصري للغرب في القضاء على الإرهاب في اليمن، بل وتصفية جميع الحركات والأحزاب الدينية المعتدلة، كحزبي الإصلاح الإخواني والرشاد السلفي، وأراد كسب تأييد الرأي العام الغربي والمحلي بوصفه المنقذ.. أراد مخرج التسجيلات ومنفذ التفجيرات أن يقول لا مخرج أمامنا سوى الإبقاء على الجماعة الحوثية ودعمها من أجل تجفيف منابع الإرهاب في اليمن.

هذا المخرج والممول لم ينتبه لنقطة ذات أهمية كبيرة، وهي أن القاعدة ومشتقاتها تضاعفت في اليمن عشرات المرات، بل واستقطبت إليها عددا من الشبان المتدينين بسبب جرائم الحوثي وأفعاله، ولو زال السبب لزالت النتيجة.. فالمتعاطفون مع القاعدة ليسوا أكثر من كارهين وناقمين على الحوثي وأفعاله، ولو تم التخلص من الحوثي، أو بالأخص سلاح الحوثي، وعادت الأوضاع إلى طبيعتها لن يكون هناك شيء اسمه القاعدة.. فقد كانت قبل وجود الحوثي عبارة عن مجموعة شبان في أعالي جبال أبين، ولا شيء أكثر من هذا.

واحدة من أهم مشكلاتنا في اليمن هي التعويل على العامل الخارجي، والأمريكي تحديدا، وهذه دولة تقول بوضوح: "عقيدتنا المصالح"، ولا دين لها غيرها، ومن مصلحتها بقاء القوة الحوثية علنا ودعم القاعدة ومشتقاتها سرا حتى تظل اليمن بؤرة توتر وصراع مسيطر عليه، وهذا ما تريده أمريكا "الفوضى المسيطرة عليها" أو "الحرب الآمنة" التي يمكن من خلالها الوصول إلى نقطة الصفر، وعندها ستبدأ أمريكا بإعادة هيكلة الجزيرة العربية، وفقا للخريطة التي نشرتها الواشنطن بوست ونيويورك تايمز في العام 2012.. وحينها ستتولى إيران مسئولية "شرطي المنطقة"، وراعي المصالح الأمريكية بعد أن تقتسم معها النفوذ والثروات.. تماما كما يحدث الآن في العراق وأفغانستان.