يأتي الفعل العاطفي في المرتبة الثانية في سلم مستويات البشر بعد الفعل العفوي التلقائي الغرائزي ويليه الفعل الرشيد ثم الفعل الهادف...
ولو توقفنا مع الاصطلاح العلمي في حديثه عن أهل الأهواء لوجدنا أن تصرفات أهل الأهواء المتطرفة تندرج دائماً في المستويات المتخلفة من مستويات الفعل البشري في المستوى العفوي الغرائزي أو المستوى العاطفي...
وعندما ندرس تصرفات الأنبياء والأئمة الراشدين نجد أن تصرفاتهم تندرج في المستويات المتقدمة للفعل البشري في المستوى الرشيد أو أكثر مستويات الفعل البشري تقدما وهو الفعل الاستراتيجي الهادف وهذا هو الفعل الذي جسده نبينا الكريم في التوقيع على اتفاقية صلح الحديبة، وكان ظاهر هذا الفعل فيما يبدو للناس غير منصف للمسلمين ولكن القرآن الكريم اعتبر هذا الفعل فتحا مبينا فأنزل الله قوله تعالى " إن فتحنا لك فتحا مبينا"..
مالم تكن عاطفة الإنسان تبعاً لوعيه الراشد فإنها تجعله من أهل الأهواء الذين يتصفون بالخفة في الفعل وتقودهم رياح الأهواء يمنة ويسرة و يتطرف أهل الأهواء في تشددهم كما يتطرفون في انفتاحهم غير الواعي...
ينساقون وراء عواطفهم في خفة عجيبة "مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" ..
ولكي ندرك خطورة انجرار الشباب وراء الأهواء يجب أن نتذكر أن أول تجربة سياسية راشدة للمسلمين سقطت على أيدي أهل الأهواء من الخوارج المتحمسين الذين اغتالوا الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يستوعبوا الدرس فاغتالوا الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسقطت بذلك الخلافة الراشدة بحماقات الأفعال العاطفية الهوجاء وتصدرت العصبية القبلية للفراغ الذي تركه اندفاع أهل الأهواء المتطرفة..
إن واجب مؤسسات
الدعوة والتربية والتوجيه إعداد جيل راشد من الشباب لا تستفزه موجات فوضى أهواءالعواطف المتطرفة القائمة على ردات الفعل والتي لا تقوم على قيم ومبادئ واستراتيجيات وتخطيط رشيد..
وما أحوجنا إلى العودة إلى منهجية القرآن الكريم في التربية التي تحثنا إلى البحث على الدليل العلمي في جميع تصرفاتنا ونقاشاتنا وتعتبر عدم إعمال العقل كفر بنعمة الله و من صفات الكافرين الذين لهم قلوب لا يعقلون بها ويجادلون بغير هدى أو علم أو كتاب منير أولئك كالأنعام بل هم أكثر ضلالا لأن الأنعام لم يرزقها الله العقل والمنطق ولهذا تتصرف وفق ردات الفعل العفوية. و قمة الانحطاط أن يتنازل الإنسان عن انسانيته فيهبط إلى مستوى الفعل العفوي العاطفي ويعطل ملكات العقل والتفكير ويكون شأنه شأن أصحاب السعير الذين عطلوا ملكات التفكير ويندمون بعد أن يفوت وقت الندم " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير".
وجدير بالعاقل الذي يعطل عقله وينساق وراء عواطفه أن يحاسب نفسه قبل كل فعل يرتكبه،وقبل أن يقف متحسرا وهو يردد شعار الكافرين "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل".
ينبغي أن نعقل كل فعل ونعرف نتائجه ونسمع إلى أهل الخبرة ولا نندفع كما تندفع الأنعام وبعد أن نكتشف أخطاء تصرفاتنا نقف لنعاتب الأقدار أو نتحسر أو نقول بعد كل مصيبة أنّى هذا" قل هو من عند أنفسكم" وبسسب اندفاعتكم غير المحسوبة..
قليل من الوعي و إدراك مآلات فوضى العاطفة كفيلة بأن تجعلنا أقرب للصواب وأحفظ لمجتمعاتنا من الانجرار إلى فوضى الاقتتال والتناحر بعد فوضى العواطف.