كتاب عربي 21

كيف نفهم القمع الصيني ضد مسلمي الإيغور؟

1300x600
من الخطأ افتراض السياسات التي يتم تنفيذها حصرياً بسبب ضغط لمصالح مجموعات خاصة، أو نتيجة لأسباب أيديولوجية غامضة. يتم دراسة السياسات، وتحليلها، وتنفيذها دائما لأسباب عملية، ولتحقيق أهداف عملية. وإذا عارضنا إحدى السياسات، فمن واجبنا فهم الأسباب خلفها، والنتائج المأمولة من واضعيها.

أينما نرى تكثيفا مفاجئا للعنف والعداء ضد المسلمين في منطقة معينة، خصوصا إذا كان المسلمون موجودين دائماً في هذا المكان، ولكن لم يكونوا يتعرضون لنفس المستوى من القمع، فإن علينا تحليل السياق الذي بدأت فيه مثل هذه السياسات، وما الذي يأمل واضعو السياسة في تحقيقه.

ولتوضيح ذلك بإيجاز، توجد السياسات لأنها تعمل على تحقيق أهداف معينة؛ وإذا عارضنا هذه السياسات فإن الطريقة الوحيدة الممكنة لتغييرها هي بالتأكد من عدم نجاح عمل هذه السياسات، وعدم تحقيقها للنتائج المرغوبة لواضعي السياسة، وهذه حقيقة بديهية.

فالصين، على سبيل المثال، لم تكتشف فجأة بأن لديها مجتمعا إسلاميا كبيرا في مقاطعة شينجيانغ، وعلى الأرجح فإن الدولة أو صانعي القرار فيها لم يبدأوا فجأة في كراهيتهم بسبب أنهم مسلمون. فقد كانوا دائماً هناك، والكراهية بسبب الإسلام بالتأكيد ليست تطوراً جديداً في الصين أيضاً. لذا، فما هو التفسير خلف الموجات الجديدة من القمع ضد مسلمي الإيغور؟ لماذا، على سبيل المثال، لا يتم فرض نفس القمع ضد المسلمين في الأجزاء الأخرى من الصين، إذا كان السبب الوحيد للكراهية هو الإسلام؟

هناك بعض النقاط للنظر بشأنها، ولعل أولها هو الجغرافيا.

إن منطقة الحكم الذاتي لإيغور شينجيانغ هي إقليمياً أكبر وحدة إدارية بالصين. فهي تحتل منطقة تمثل حوالي سدس إجمالي مساحة الدولة، ولها حدود مع ثمانية دول مختلفة (أفغانستان، والهند، وكازاخستان، وقيرغستان، ومونغوليا، وباكستان، وروسيا، وطاجاكيستان)، ما يعني أن مقاطعة شينجيانغ هي بوابة الصين لوسط آسيا.

أما ثاني الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار، فهي مفهوم الصين للأمن الاقتصادي.

مع نمو الاقتصاد الصيني، ارتفعت أيضاً شهيته للحصول على المواد الخام والموارد، وبصفة خاصة في مناطق الطاقة؛ وبالطبع تحتاج الصين للحفاظ على إمكانية الوصول إلى مسارات التجارة. فمقاطعة شينجيانغ الغنية بالموارد المعدنية الطبيعية، وذات الموقع الجغرافي المتميز، تعتبر هي مفتاح هذه الأولويات، إذ إن مقاطعة شينجيانغ هي بالفعل أكبر منتج للغاز الطبيعي في الصين وهي ثالث أكبر منتجي النفط في المنطقة. وتغطي مقاطعة شينجيانغ أيضاً أكثر مسارات طرق العبور أهمية للنفط والغاز، إلى جانب مسارات خروج البضائع والمواد إلى خارج الصين. وباختصار، فإن السيطرة على إقليم شينجيانغ هو أمر ضروري لأمن الصين الاقتصادي.

والآن، فإن العنصر المثير للاهتمام، والذي يبدو متناقضاً مع سياسة الصين تجاه مقاطعة شينجيانغ هو حقيقة أنه إلى جانب تكثيف القمع بسبب الهوية الدينية فهناك أيضاً تسارع بالاستثمار في المنطقة. يبدو أن ذلك يمثل مفارقة، أليس كذلك؟

يدين باقي الصين بدرجة كبيرة في نموه الاقتصادي إلى مقاطعة شينجيانغ؛ فقطاعات الطاقة، والمنسوجات، والتجارة الأجنبية جميعها يعتمد على هذه المقاطعة. وكواحدة من أفقر المقاطعات في الصين، على الرغم من أنه كان ينبغي أن تكون الأغنى، ترى رؤوس الأموال الهندية فرصا رائعة في مقاطعة شينجيانغ، ولكن لا ينبغي أن يتم السماح للسكان بالاستفادة من هذه الفرص. مقاطعة شينجيانغ تتذكر كونها، وتطمح أن تكون، جمهورية تركستان الشرقية؛ أي أن تكون دولة مستقلة بهوية إسلامية.

ومن الواضح أن استقلال مقاطعة شينجيانغ سيقوض من أمن الصين الاقتصادي. لذا، فإن على الحكومة المركزية في بكين مواصلة الاستثمار المتوازن والتطور في مقاطعة شينجيانغ مع محاولة الحفاظ على السكان في فقر، وسحق الإحياء الإسلامي والذي يشكل أساساً للطموح بالاستقلال.

في رأيي، لن يؤدي هذا المنهج سوى إلى تعزيز الدافع للانفصال عن الصين، ولكنه سيعتمد على نمط النضال الذي سيتم إتباعه للتحرير. إذا اتخذ نضال تحرير الإيغور المسار التقليدي للنزاع مع قوات الأمن التابعة للدولة والقوات العسكرية، أو المشاركة في أعمال الإرهاب التي تستهدف مدنيين أبرياء في مقاطعة شينجيانغ، فعندها أتوقع أن مالكي رؤوس الأموال الصينيين سينجحون. ومع ذلك، إذا فهم الإيغور الدوافع التحفيزية الحقيقية خلف حملات القمع، ووضعوا استراتيجية لنظام اضطراب يستهدف مصالح المستثمرين، فقد يخلقون نفوذاً يمكنهم من خلاله الوصول إلى، إن لم يكن الانفصال الكامل عن الصين، فسيكون على الأقل سيادة اقتصادية أكبر لمقاطعة شينجيانغ؛ والتي ستكون منصة حيوية سيمكن من خلالها في النهاية إطلاق النضال من أجل الاستقلال وإمكانية تحقيق الانتصار به.

 وبكلمة، فإنه بدون فهم دوافع القمع لأي قومية، فليست هناك طريقة فعالة لمواجهته.