كتاب عربي 21

الصوفية ليسوا موقفا واحدا

1300x600
كانت للإمام محمد عبده (1266-1323هـ، 1849-1905م) تجربة صوفية - والتصوف الحق تجربة ومجاهدة ورياضة روحية، وليس كلاما يقرأ فى الكتب - ولقد تذوق "أذواق" الصوفية التي يمنحها الله لمن يشاء.. وتحدث عن ذلك فقال: "أنا لا أنكر أن للصوفية أذواقا خاصة وعلما وجدانيا - بل وربما حصل فيّ شىء من ذلك وقتاً ما - لكن هذا خاص بمن يحصل له، لا يصلح أن ينقله إلى غيره بالعبارة ولا أحد يكتبه ويدونه علماً. إن هذا "الذوق" يحصل للإنسان في حالة غير طبيعية، لكونه خروجا عن الحالة الطبيعية لا ينبغي أن يخاطب به المتقيد بالنواميس الطبيعية".

كذلك تحدث الإمام محمد عبده عن أن الكثير من كتب أقطاب التصوف قد أضيفيت إليها مبالغات وخرافات، ولقد صرح بذلك الإمام الشعراني (973 هـ - 1565م) وقال إنهم كانوا يدسون عليه فى حياته ويزيدون في كتبه ما يخالف الكتاب والسنة، وأنا اعتقد أن كتب (الطبقات) و(المنن) ليستا من تأليفه بالمرة، كما أن ظواهر كتاب (الإنسان الكامل) للشيخ عبد الكريم الجيلي (767 - 238هـ ، 1365-1428م)هي أقرب إلى النصرانية منها إلى الإسلام، وهذه الظواهر غير مرادة، والكلام فيه رموز لمقاصد يعرفها من عرف مفتاحها.

وكما حدث هذا الخلط في كلام الصوفية، حدث ما هو أكثر في الطرق الصوفية.. فبعض هذه الطرق  نهضت بنشر الإسلام في كثير من البقاع، وجاهدت الاستعمار في كثير من البلاد الأفريقية دفاعاً عن استقلال الدول الإسلامية التي أقامتها.. كما نهض بعض هذه الطرق بدور ملحوظة في تجديد الفكر الإسلامي وتطويرالواقع الإسلامي، لكن بعض هذه الطرق قد وقعت فريسة للشعوذة والخرافة والتواكل بل وسخرت قواها لخدمة الاستعمار.

وعلى سيبل المثال..

ففي الجزائر، كان الأمير عبد القادر الجزائري (1222 - 1300هـ ، 1807-1883م) قطباً من أقطاب التصوف ومريداً للشيخ محيي الدين بن عربي (560-638 هـ ، 1165-1240م) ولقد قاد الجهاد الإسلامي والنضال الوسطي ضد الاستعمار الفرنسي قرابة العشرين عاما، فكان نموذجا مشرفا للتصوف والصوفية.. لكن "الطرقية" - الذين جاءوا من بعده - سقطوا في غواية الاستعمار الفرنسي، الذي أراد طي صفحة العروبة والإسلام في الجزائر حتى لقد أعلن العزم على تشييع جنازة الإسلام بالجزائر، وتحويلها إلى مهد لحضارة روحها الإنجيل!.

ومع ذلك خان الطرقية عروبتهم وإسلامهم ووطنهم، ودعوا إلى الاستسلام لسياسة الاستعمار، زاعمين أنها إرادة الله!.. وقالوا "إذا كنا قد أصبحنا فرنسين فقد أراد الله ذلك، وهو على كل شىء قدير، فإذا أراد الله أن يكسح الفرنسين من هذه البلاد فعل،  وكان ذلك عليه أمرا يسيرا، ولكنه - كما ترون - يمدهم بالقوة وهي مظهر قدرته الإلهية، فلنحمد الله ولنخضغ لإرادته"!.

ولم يكتف الطرقية الجزائريون بهذا الإفك وهذه الخيانة للإسلام ولتراث التصوف وجهاد المتصوفة، وإنما وقفوا مع الاستعمار الفرنسي يحاربون الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء المسلمين الجزائرين التي أسسها الإمامان عبد الحميد بن باديس (1307 - 1359هـ ، 1889 - 1940م) والبشير الإبراهيمي (1306 - 1385 هـ ، 1889 - 1965م).

كذلك وجدنا صوفية يقودون ثورات الفقراء والمستضعفين - حتى لقد اشتهروا بلقب "الفقراء" وزحفوا مع هؤلاء الفقراء لجهاد الغزاة - من الصليبين والتتار وحتى الإمبريالية الأوربية في العصر الحديث.
ورأينا آخرين وقفوا مع بونابرت (1769 – 1821م) الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر والشرق عام 1798م واحتفلوا معه بالمولد النبوي الشريف، مروجين لأكذوبة إسلام بونابرت بين العوام!.

واليوم نرى مؤسسة "راند" الأمريكية تشير على صانع القرار الأمريكي باحتضان الطرق الصوفية لأن عداءهم للإسلام الجهادي والسياسي يجعلهم حلفاء للإمبريالية الأمريكية، ولما بين باطنيتهم وبين النصرانية الغريبة من وشائح وصلات!.. الأمر الذي جعل سفراء أمريكا في مصر ضيوف دائمين على موائد شيوخ الطرق الصوفية في "موالد" أولياء الله الصالحين.

لذلك، كان التمييز بين ألوان التصوف.. والتمييز بين "طرق المتصوفة" ضرورة لمعرفة الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح في هذا العالم الذي اختلطت فيه الكثير من المفاهيم والكثير من الأوراق.