كتاب عربي 21

فوز بطعم الخسارة وخسارة بطعم الفوز

1300x600
نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد الماضي وضعت تركيا أمام مرحلة جديدة عنوانها البارز "عدم الاستقرار السياسي"، ومن المحتمل جدا أن تنعكس الاضطرابات السياسية على اقتصاد البلد وتؤدي أيضا إلى حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي.

اللجنة العليا للانتخابات أعلنت النتائج الرسمية الأولية وأوضحت أن حزب العدالة والتنمية فاز بـ40.87 بالمائة من أصوات الناخبين، بينما حصل كل من حزب الشعب الجمهوري على 24.95 بالمائة وحزب الحركة القومية على 16.29 بالمائة وحزب الشعوب الديمقراطي الذي نجح في تجاوز الحاجز الانتخابي على 13.12 بالمائة.

هذه النتائج تعني أن تركيا تعود مرة أخرى إلى عهد الحكومات الائتلافية بعد ثلاثة عشر عاما من الاستقرار السياسي الذي عاشته في ظل حكومات متتالية شكلها حزب العدالة والتنمية وحده. ووفقا للنتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع في نهاية يوم الأحد، لا يستطيع أي من الأحزاب التي دخلت البرلمان أن يشكل الحكومة وحده. ويحتاج حزب العدالة والتنمية إلى مشاركة أحد الأحزاب الثلاثة معه في الحكومة. وأما الأحزاب الثلاثة الأخرى فلا يمكن أن تشكل الحكومة بدون مشاركة حزب العدالة والتنمية إلا إذا شاركت الأحزاب الثلاثة كلها في الحكومة وظل حزب العدالة والتنمية وحده في المعارضة.

حزب العدالة والتنمية حل مرة أخرى في المركز الأول، وهناك فرق كبير (15.92 بالمائة) بينه وبين حزب الشعب الجمهوري الذي حل في المركز الثاني، إلا أن فوزه هذه المرة "فوز بطعم الخسارة"، لأنه لم يحصل على عدد كافٍ من المقاعد لتشكيل الحكومة وحده، ولأن النسبة التي حصل عليها في هذه الانتخابات (40.87 بالمائة) تراجعت بشكل ملحوظ عن النسبة التي حصل عليها في انتخابات 2011 البرلمانية (49.9 بالمائة).

كان المتوقع أن يحصل حزب العدالة والتنمية على حوالي 45 بالمائة وعلى عدد كاف من المقاعد (276 وما فوقه من أصل 550 مقعدا) لتشكيل الحكومة وحده حتى وإن تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي حاجز 10 بالمائة، ولذلك فإن هناك الآن صدمة كبيرة في صفوف أنصار حزب العدالة والتنمية وحتى لدى بعض الناخبين الذين لم يصوِّتوا له، ولكنهم يخافون من تدهور اقتصاد البلد. وهذه الصدمة يختلط معها شعور بالتعرض لنوع من "الخيانة" و"الطعن في الظهر"، بسبب تصويت حوالي 5 بالمائة من الأكراد المتدينين في المحافظات الشرقية لصالح حزب الشعوب الديمقراطي في هذه الانتخابات، على الرغم من تصويتهم في الانتخابات السابقة لصالح حزب العدالة والتنمية. ويقول كثير من مؤيدي حزب العدالة والتنمية إنهم يمكن أن يتفهموا لو أن هؤلاء الأكراد المتدينين صوَّتوا لحزب كردي آخر مثل "حاق-بار" أو "هدى-بار" أو للمستقلين. ولكن ما يزيد غضبهم وشعورهم بـ"الخيانة" وقوف الأكراد المتدينين إلى جانب حزب يعادي حزب العدالة والتنمية الذي أطلق عملية السلام الداخلي وحقق إصلاحات كثيرة لصالح الأكراد، ويوالي "الكماليين" من القوميين العلمانيين الذين كانوا ينكرون حتى الوقت القريب وجود الأكراد ويقولون إنهم "أتراك يعيشون في الجبال"، كما أنه يوالي مجموعة "دوغان" الإعلامية التي تصدر صحيفة "حريت" تحت شعار "تركيا للأتراك فقط"، إلى جانب تصويتهم بدوافع قومية لحزب تبنى سياسة أقصى اليسار وأعلن ضمن قوائمه مرشحا يفتخر بأنه شاذ جنسيا.

حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات دفع ثمن تبنيه عملية السلام الداخلي، لأنه خسر بسببها أصوات جزء من الناخبين الأتراك ولم يستطع في المقابل أن يكسب أصوات الأكراد، بل إنه خسر أيضا نسبة من أصوات الأكراد الذين كانوا في السابق يصوتون له. وسيجد حزب العدالة والتنمية بعد الآن صعوبة بالغة في إقناع الناخبين الأتراك الذين صوَّتوا له، بضرورة عملية السلام الداخلي وجدواها، بعد أن تحالف حزب الشعوب الديمقراطي مع "الكماليين" والعلمانيين المتطرفين ضد حزب العدالة والتنمية.

حزب الشعوب الديمقراطي برئاسة صلاح الدين دميرتاش حقق في الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد الماضي فوزا مفاجئا، إلا أنه "خسارة بطعم الفوز"، إن صح التعبير، لأن النتائج تشير إلى حكومة ائتلافية يشكلها حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، ومن أبرز شروط هذا الأخير للمشاركة في الحكومة هو التراجع عن عملية السلام الداخلي. وقد يهدد حزب الشعوب الديمقراطي بعودة العنف والاشتباكات في حال أعلن التراجع عن عملية السلام الداخلي، إلا أنه في تلك الحالة لا يمكن أن يحصل على أصوات الأتراك الذين صوتوا له في إسطنبول وإزمير وغيرهما. وأما احتمال مشاركة حزب العدالة والتنمية في حكومة ائتلافية مع حزب الشعوب الديمقراطي فيكاد ينعدم بسبب اليسارية المتطرفة والمواقف العدائية واللهجة المستفزة التي تبناها حزب الشعوب الديمقراطي في الآونة الأخيرة بعد تحالفه مع "الكماليين" وجماعة كولن والمجموعات اليسارية الإرهابية. وإن شارك حزب العدالة والتنمية في حكومة ائتلافية مع حزب الشعوب الديمقراطي، على الرغم من كل ما حدث وكل ما قيل، فهذا يعني - باختصار شديد - "انتحارا سياسيا"  لحزب العدالة والتنمية.