بدأ نشاطها منذ أول يوم في الثورة السورية، عملت في مساعدة المدنيين وإغاثتهم، وفي الإعلام، وساعدت على إظهار الحقيقة، لذلك بدأت معاناتها منذ السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير، أو "الكابوس" الذي لم تر مثله، كما تقول.
التقت "عربي21" مع ساجدة عبد الرحمن،
الناشطة الثورية، بعد معجزة حولت المستحيل لممكن، وكانت السبب في الإفراج عنها من المعتقل، على حد قولها.
قالت لـ"عربي21": "بدأت نشاطي الثوري منذ أول أيام الثورة، وكان جل نشاطي في الإغاثة الإنسانية، والإعلام، والتركيز الأكبر كان على الإعلام، وبسبب هذا النشاط أصبحت مطلوبة للأجهزة الأمنية لنظام الأسد في عام 2012، وكنت مصرة على العمل والبقاء ضمن المناطق التي يسيطر عليها النظام في محاولة مني لمساعدة المدنين قدر الإمكان، ومحاولة الصمود لآخر نفس، متوارية عن أنظار شبيحة النظام وجنوده".
و تابعت حديثها: "في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير لهذا العام، وعندما كنت نائمة في وقت متأخر من الليل، صدمت بكسر باب المنزل الذي كنت مختبئة فيه، وإذ بظلال متوحشين يكسرون كل ما هو أمامهم، ويعيثون فسادا في المنزل، حتى وصلوا إلي، لينهالوا علي بالضرب بأخامص البنادق وبأقدامهم بلا رحمة ولا شفقة، حتى حملوني من الأرض، ورموني في سيارتهم، واقتادوني لفرع المخابرات العسكرية في درعا المحطة".
وقالت الناشطة إنها كانت تتوقع الاعتقال في أي لحظة، لكنها لم تكن تتصوره بهذه "الشراسة والإجرام الذي لا يخطر على عقل بشر"، وتحكي أن الشبيحة عندما أدخلوها لفرع الأمن العسكري بدرعا المحطة استأنفوا ضربها وإهانتها من جديد، ومن ثم رميها في حبس انفرادي لما يزيد عن أربعة أيام، بلا طعام ولا شراب، وسط برد شديد ينهش جسمها دون واق، وفق تعبيرها.
تُكمل الناشطة قصتها وتقول: "بعد خمسة وعشرين يوما من حبسي، لم أعرف ليلها من نهارها من شدة ظلمتها، تم اقتيادي لغرفة التحقيق، ليكملوا عملية
تعذيبي في سبيل اعترافي بنشاطي، وأنا أزداد إصرارا على عدم الاعتراف بشيء. كانت أمنيتي الوحيدة هي الموت، فكنت فاقدة الأمل في خروجي، ولا أظن أنني سأصمد أكثر من شهر ضمن أساليب التعذيب والإهانة تلك".
و أشارت ساجدة بأنهم قاموا بتحويلها إلى أفرع المخابرات بدمشق؛ حيث تم التحقيق معها بفرع الـ248 وفرع فلسطين، وأفادت بأنها كانت تصر على عدم الاعتراف، خصوصا أن مخابرات الأسد بدمشق قامت بتلفيق تهم عديدة لها، حاولوا أن يجبروها على الاعتراف بالتهم وسط أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.
وتقول: "في دمشق وبأقبية السجون لا تسمع إلا صراخ الشباب الذين يتعرضون لتعذيب شبيحة النظام، ومن كثافتها لا تعرف اتجاه مصدر الصوت، فصدى آلامهم وصراخهم تملأ المكان، خصوصا الممرات التي أمام الزنزانة التي كنت محبوسة فيها، وقتل العديد من الشباب فيها أثناء تعذيب عناصر المخابرات لهم".
وفي أحد أيام مكوثها في
معتقلات دمشق تقول: "سمعت صوت فتاة دخلوا عليها مثل المفترسين، محاولين الاعتداء عليها، وفي اليوم التالي قاموا بإحضارها للزنزانة التي أحتجز فيها، لم يكن شكلها واضحا بسبب الضرب المبرح الذي تعرضت له، لكنها استطاعت منعهم من الاقتراب منها رغم كل ما ذاقت منهم من ضرب.
وداخل المعتقل ترى المآسي الحقيقية التي تغيب عن أذهان البشرية، ولا تقع عليها أعين المنظمات الحقوقية، وبغير تحرير سورية من طاغية الشام فسيكون هناك آلاف الضحايا ذكورا وإناثا وصغارا وكبارا داخل المعتقلات، تنتظر رفع راية الحرية".
و بعد كل هذا العذاب الذي عانته داخل أقبية سجون الأسد، تحققت المعجزة التي لم تكن تفكر فيها، فبعملية تبادل للأسرى جرت بين فصائل المعارضة ونظام الأسد، تم إدراج اسم الناشطة ضمن قائمة المطلوب الإفراج عنهم، ليتم بعدها تحويلها لفرع الأمن العسكري في السويداء، ويتم تبصيمها على أقوالها التي رفضت من خلالها الاعتراف بأي شيء، ليتم بعدها الإفراج عنها.
روت ساجدة عبد الرحمن حكايتها هذه وعيونها تفيض دمعا، ومعاناة المعتقلين داخل سجون الأسد لا تغيب عن بالها، و"أصوات صراخ المعتقلين والمعتقلات ألما هي هاجسها في كل لحظة من لحظات حياتها اليوم، غير متناسية الخوف والرعب اللذين كانا رفيقيها طيلة فترة اعتقالها التي تجاوزت الشهرين، فما هو حال كل معتقل ومعتقلة الذين تجاوزوا عاما من اعتقالهم".