الاشتباكات بين الجيش المالي ومسلحي الطوارق تؤرق الحكومة بمالي - أرشيفية
في ظل احتدام الاقتتال في المناطق الشمالية من مالي، جراء تآكل رصيد الثقة بين الحكومة والمتمردين الأزواديين، إثر فشل الجانبين في توقيع اتفاق المصالحة الذي ترعاه الجزائر، لا يستبعد خبيران موريتانيان أن تأخذ نواكشوط من جديد زمام المبادرة لحقن دماء المتناحرين في مالي، معتبرين أن ثمة خمسة أسباب للوساطة بين فرقاء الجارة الشرقية.
تلك الدوافع، بحسب الخبيرين، هي: الخلافات الدبلوماسية الراهنة بين نواكشوط والجزائر، ومكانة نواكشوط في مجموعة دول الساحل، التي تأسست بمبادرة موريتانية، والرغبة في تفعيل الدبلوماسية الموريتانية الخامدة منذ تسليم رئاسة الاتحاد الإفريقي، وكون الأمن في مالي جزءا من الأمن القومي لموريتانيا، وأخيرا امتلاك نواكشوط أوراق تأثير على طرفي الصراع.
وقبل حوالي سنة، تمكن وساطة للرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، من وقف اقتتال بين الجيش المالي ومسلحي الطوارق في مدينة كيدال شمال شرقي مالي.
وتجدد القتال شمالي مالي رغم توقيع اتفاق سلام بين الحكومة المالية وبعض حركات الشمال المتمردة، في العاصمة باماكو يوم الجمعة الماضي، دون أن تشارك تنسيقية الحركات الأزوادية (تضم 3 حركات بارزة) في هذا الاتفاق، حيث تطالب بمزيد من التفاوض بشأن عدد من مطالبها، من أبرزها الاستقلالية السياسية وتنمية شمالي البلاد.
والأسبوع الماضي، بعث الرئيس المالي، إبراهيم بوبكر كيتا، برسالة إلى ولد عبد العزيز، سلمها وزير التضامن والعمل الإنساني والمصالحة، حامادو كوناتي.
الوزير المالي صرح لصحفيين آنذاك بأن الرسالة تضمنت "التذكير بالعلاقات التاريخية بين البلدين، وامتنان مالي للرئيس الموريتاني بالعرفان نظير وقوفه الداعم مع مصالح الشعب المالي".
لكن مصدرا موريتانيا مسؤولا، فضل عدم نشر اسمه، قال: "الرسالة تضمنت طلبا رسميا من مالي لموريتانيا من أجل تأدية دور دبلوماسي رئيس لتهدئة الأوضاع الأمنية في الشمال، ووقف تقدم المتمردين الأزواديين بعد دحرهم الجيش المالي في بعض مناطق تركزه".
ويعتقد الخبير السياسي، محمد ولد عبدي، أن "من مصلحة موريتانيا أن تؤدي دورا أماميا متواصلا في حل هذه الأزمة، وأن تستفيد من الخطأ الذي ارتكبته العام الماضي بتخليها عن ملف المصالحة لصالح الجزائر، بعد أن كان لها الفضل في وقف الاقتتال بمدينة كيدال".
ولد عبدي، وهو أستاذ مادة العلاقات الدولية في جامعة نواكشوط، يرى أن "موريتانيا لديها من عناصر التأثير على طرفي الصراع في مالي، ما يؤهلها لتأدية دور وسيط ناجح".
هذه العناصر يحددها الأكاديمي الموريتاني في أن نواكشوط "من جهة تملك أوراق ضغط على الأزواديين، الذين يعد مخيم لجوئهم في موريتانيا من أكبر مخيمات لجوء الأزواديين خارج مالي، ومن جهة أخرى استطاعت بناء جسور ثقة مع الحكومة المالية بعد حالة الجفاء التي طبعت العلاقة بين النظام الموريتاني وحكومة المرحلة الانتقالية في مالي على مدار سنة 2013".
وللبلد العربي مصلحة في العودة إلى الوساطة، فبحسب ولد عبدي، فإن "تدهور الوضع الأمني في مالي يأتي في وقت تحتاج فيه نواكشوط إلى تفعيل أدائها الدبلوماسي إقليميا، بعد أن خمد منذ تسليمها رئاسة الاتحاد الإفريقي قبل أشهر (نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي).. المساهمة بجهد دبلوماسي لحل الأزمة في مالي ستعطي دفعا جديدا للدبلوماسية الموريتانية".
فيما يرى الخبير السياسي الموريتاني، لامين كيتا، أن "مكانة موريتانيا في دول مجموعة الخمس (موريتانيا، ومالي، وبركينا فاسو، النيجر، وتشاد) لتنمية وأمن الساحل، التي تأسست بمبادرة من موريتانيا قبل أكثر من سنة، يُحتم على نواكشوط البحث عن حل سياسي للأزمة في الجارة الشرقية".
كيتا يذهب إلى أن "المقاربة التي يجب أن تنطلق منها موريتانيا في هذا الصدد هو اعتبار الأمن في مالي جزءا من الأمن القومي لموريتانيا".
وهو ما يفسره بقوله: "نسمع الآن الحديث عن حشد عسكري للجيش الموريتاني في المناطق الشرقية من البلاد بعد اندلاع المواجهات الأخيرة في مالي، وهذا ما يعني أن الاستقرار في مالي من دعائم الاستقرار في موريتانيا".
وينبه إلى أنه "في حال تبني موريتانيا للوساطة بين الطرفين، يجب ألا يتعارض ذلك مع مواقفها المبدئية من الأزمة، التي عبر عنها الرئيس الموريتاني في أكثر من مناسبة، وتتعلق بالحفاظ على وحدة مالي الترابية واحترام سيادتها".
ولا يستبعد كيتا أن "تُحفز الخلافات الدبلوماسية الراهنة بين نواكشوط والجزائر، السلطات الموريتانية على الدخول على خط الوساطة بعد تعثر الوساطة الجزائرية في التوصل إلى اتفاق نهائي بين المتمردين والحكومة المالية".
وقال الناطق باسم حركة "تحالف شعب أزواد"، آغ عبد الله، وهو مسؤول في دائرة الاتصال في التنسيقية، إن الأخيرة "مستعدة لبدء مسار سلام منتظر بين 25 و30 أيار/ مايو الجاري في الجزائر، بإشراف وساطة جزائرية ودولية".
وقال عبد الله، الثلاثاء الماضي: "حان الوقت كي تقبل مالي بالتغيير، وأن تحظى مطالبنا بالموافقة.. نطالب بالاعتراف الجغرافي والسياسي والقانوني لأزواد (إقليم أزواد شمالي مالي)، وفي برلمان جهوي وبـ 80% حصة عددية لأبناء الشمال في صلب قوات الأمن بأزواد، هذا ما سيمكن من إنقاذ مالي".
ويستبعد اتفاق السلام، الذي أعدته الوساطة الدولية، أي مشروع استقلال لمناطق الشمال، حيث ينص على أن الأطراف الموقعة تلتزم بـ"احترام الوحدة الوطنية والترابية وسيادة دولة مالي، وكذا طابعها الجمهوري والعلماني"، على أن تستفيد مناطق الشمال من "بنية مؤسساتية وتنموية تسمح لسكان الشمال بتسيير شؤونهم على قاعدة مبدأ التسيير الحر، وضمان تمثيل أكبر لهم على المستوى الوطني".
وفي المحور الخاص بالأمن والدفاع، ينص الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة وحركات الشمال، لبحث عملية نزع السلاح من الحركات المسلحة في المنطقة مباشرة بعد توقيع الاتفاق، على أن تستمر العملية سنة على أقصى تقدير، في الوقت الذي يقوم فيه الجيش الحكومي بالانتشار في المنطقة، إلى جانب إدماج الحركات المسلحة في صفوف الجيش، أو منحهم مناصب مدنية حسب رغبتهم.
وشهدت مالي انقلابا عسكريا في آذار/ مارس 2012، تنازعت بعده "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" مع كل من حركة "التوحيد والجهاد" وحليفتها حركة "أنصار الدين"، اللتين يشتبه في علاقتهما بتنظيم القاعدة، السيطرة على مناطق شمالي البلاد، قبل أن يشن الجيش المالي، مدعوما بقوات فرنسية، عملية عسكرية في الشمال في كانون الثاني/ يناير من العام التالي لاستعادة تلك المناطق.