قضايا وآراء

الانقلابيون وقانون مانو

1300x600
إن لفظة مانو تشبه في معناها لفظة فرعون وقد كانت تطلق على الملوك المؤلهين عند الهنود القدماء حيث كانوا يعتقدون أن سبعة من الملوك المؤلهين كانوا قد حكموا العالم في الماضي وأن الإله براهما كان قد أوحى إلى أول هؤلاء الملوك بهذا القانون ثم نقل الملك أحكام هذا القانون إلى الكهنة الذين حفظوه وتناقلوه جيلاً بعد جيل.

لم يكن قانون مانو يهدف إلى تحقيق المساواة الاجتماعية بل على العكس فقد رسخ لتقسيم المجتمع إلى أربع طبقات: طبقة الكهنة، طبقة المحاربين، طبقة الزراع والتجار، وطبقة العمال، وهناك أفراد لا ينتمون إلى أي طبقه وهم المنبوذين الذين يحرم حتى ملامستهم أو الاحتكاك بهم، وتمنح قوانين مانو الملوك سلطة دكتاتورية في مقام الآلهة حيث يجب احترامهم إلي درجة العبادة .

وعلى هذا التقسيم يتفاوت أفراد المجتمع في الثراء، والمراكز الاجتماعية، والحريات الشخصية والمدنية والسياسية، فرجال الدين هم أكثر أفراد المجتمع امتيازاَ وهم الذين يحكمون الشعب معتمدين في ذلك على طبقة الجيش في المحافظة على هيبة الدولة .أما طبقة التجار والصناع والزراع فواجبهم هو زراعة الأرض وممارسة التجارة والصناعة بالإضافة إلى الأعمال والحرف الأخرى وكانت هناك الطبقة الخامسة وهي طبقة المنبوذين والتي تتمثل في قبائل رفضت تغيير ديانتها القديمة ولم تعترف بمركز رجال الدين مما أدى إلى فرض عقوبات عليهم،وذلك لان النظام السياسي يرتكز على العقوبات لضمان استقرار واستمرار النظام السياسي في البلاد. 

إن هذا السرد المبسط والمختصر لقانون كان سائدا في العصور الغابرة ما هو إلا لمقاربة ما تعرضت له منطقتنا العربية ومنذ انتهاء حقبة الاستعمار الغربي وتسلم مقاليد الحكم في معظم بلدان منطقتنا من قبل حكام عسكريين وصلوا للسلطة عبر انقلابات أو ثورات بدءا بثورة الضباط الأحرار في مصر إلى ثورة البعث في العراق وسوريا فثورة القذافي في ليبيا تلك الثورات (إذا ما صح لنا تسميتها كذلك) والتي رفعت شعارات المساواة وإعادة الحقوق للجماهير الكادحة وتخليصهم من نير الإقطاع والرجعية مارست في الحقيقة وعلى مدى عقود من فترة حكمها سياسة تشبه إلى حد بعيد قانون مانو الذي تحدثنا عنه آنفا فعملت على ترسيخ الطبقية في المجتمعات التي حكمتها وأعطت الامتيازات لرجال الجيش الذين تحالفوا بدورهم مع رجال المال مستغلين سلطاتهم المطلقة أما رجال الدين فكان دورهم إضفاء الشرعية الدينية على قرارات الحكام المستبدين ووضعهم في موضع المعصومين البعيدين عن أي خطأ فيما احتل المعارضين لهذه الأنظمة مرتبة المنبوذين الغير مصنفين في أي طبقة من طبقات المجتمع والمحرم على باقي أفراد المجتمع التعامل معهم لخيانتهم ورفضهم الإذعان للحاكم مما استوجب معاقبتهم بأشد العقوبات.

لعل المشهد الأقرب إلى أذهاننا هو الانقلاب العسكري الذي حصل في مصر ليطيح بأول رئيس مدني منتخب ومن منا لا يتذكر خطاب الانقلاب والذي بث على شاشات التلفزة والذي اختزل بقصد أو بدون قصد فكرة قانون مانو فجمع طبقات المجتمع الأربعة من رجال دين متمثلين بشيخ الأزهر وبابا الأقباط وجنرالات العسكر وبعض وجوه الأحزاب السياسية الممثلين لطبقة التجار والمزارعين والعمال معلنين الحرب على معارضي الانقلاب وتحويلهم إلى فئة منبوذة في المجتمع وكلنا رأى ما تبع ذلك الخطاب من إجراءات ضد كل من عارض الانقلاب من فض دموي لاعتصامات رابعة والنهضة إلى اعتقالات في صفوف المعارضين من كل الأطياف وبحق كل من وقف مع شرعية الرئيس مرسي.

إنه وعبر التاريخ الحديث خسر الرهان كل من عول على الجيوش في تغيير الواقع وتحسينه وإلى كل من ينادي بلجوء الشعب إلى الجيش الوطني المحايد أقول بأن الجيوش لم تكن يوما جيوشا ثورية بل هي دوما ترسخ الرجعية ولا ترضى بأي حاكم تقدمي فهي لا تصلح للحكم وعليها أن تبقى في ثكناتها وخير دليل أن العالم الغربي لم يتقدم ويتطور إلا بعد أن حيد العسكر عن التدخل في شؤون الحكم وفرض عليهم القيام بواجبهم الأساسي وهو الدفاع عن حدود الوطن وأمنه القومي وفيما عدا ذلك ستبقى شعوبنا غارقة في مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية بعيدة عن كل نهضة وتقدم.