ملفات وتقارير

"داعش".. وسيلة جديدة لضبط سلوك الأطفال

مختص: الترهيب بـ"داعش" يربك الطفل ويدخله في حالة من الفزع والقلق - عربي21
ما إنْ نطقت السيدة ولاء محمد بكلمة "داعش" أمام طفلتها "رفيف" ذات الأعوام الخمسة، حتى فزعت وعلا صوتها بالصراخ، وهرعت مسرعة تتعلق بوالدها وتتلعثم بكلمات "خلاص، ما بدي ينقطع رأسي"!

ويعتمد بعض الآباء والأمهات الترهيب وسيلة لجعل صغارهم يسمعون الكلام وينفذونه بدافع الخوف، وقديمًا استُخدمت شخصيات خيالية مرعبة في الحكايات كـ"الغولة" و"أبو رجل مسلوخة".. وحديثًا اخترعت شخصيات تتناسب مع عصر التكنولوجيا؛ فظهرت "شرطة الأطفال" و"عمو جمجمة"، وأخيرًا "داعش" في إشارة إلى تنظيم الدولة الذي ينشط في سوريا والعراق.

التخويف بـ"داعش"

لا تكفّ كريمة محمد مصطفى (35 عامًا) - وهي أم لأربعة أطفال - عن نسج حكايات مخيفة لإيقاف مشاغبات صغارها تارة، وإخضاعهم لتنفيذ مطالبها تارة أخرى، وقالت لـ"عربي21": "أضطر إلى هذا السلوك لإنهاء مشاكساتهم، وفرط حركتهم".

ومنذ سنوات لجأت "كريمة" لتسجيل "شرطة الأطفال" لترهيب صغارها، وهي عبارة عن مكالمة وهمية مع شرطي يحذر الأطفال من ارتكاب أفعال مشاغبة أو الحديث بألفاظ سيئة، ويهددهم بعقوبة أكل الدود والحبس، مؤكدة أن هذا التسجيل كان يأتي بنتائج جيدة.

وأضافت أن الأطفال مع مرور الوقت "اكتشفوا أن هذا التسجيل عبارة عن حيلة ليس أكثر، ولم يعُد يُخيفهم، فبدأت أخيفهم بداعش"، مؤكدة أن ذلك أتى بنتائج أفضل، "فبمجرد تلفظك بكلمة داعش؛ تتمكن من السيطرة عليهم".

وأشارت إلى أنها كانت راضية عن نتائج الترهيب بـ"داعش" في الأيام الأولى، لكن سرعان ما تبدد الرضا وتحول إلى قلق على مستقبلهم، كما تقول.

وقالت "كريمة" إنها لاحظت بعد ذلك اضطرابًا في سلوك أبنائها خلال النوم، "فهم دائمو القلق، ويتكلمون خلال نومهم"، وقالت: "توجهت إلى أحد المختصين، وأخبرني بأن السبب في ذلك هو أسلوب الترهيب الذي أتبعه، فبتُّ نادمة على ما فعلت بأطفالي".

سلبيات الترهيب

بدورها؛ انتقدت المعلمة مريم الفرا (39 عامًا)، وهي أم لأربعة أطفال، أساليب بعض الأمهات في ضبط سلوك أبنائهن من خلال الترهيب بـ"داعش"، مؤكدة وجود العديد من الأساليب التربوية التي تضبط سلوكاتهم، وتشجعهم على الإبداع.

وقالت لـ"عربي21"، إن "الحركة واللهو سمات طبيعية للأطفال، فلماذا نسلبهم إياها بالترهيب؟!"، مبينة أن القصص المرعبة، والظواهر الباعثة للخوف في المجتمع "تؤثر سلبًا على شخصية الطفل، وتدمر قدرته على مواجهة الآخر".

ويعبر المختصون عن قلقهم إزاء السلوكات التربوية الخاطئة التي يستخدمها بعض أولياء الأمور في تربية أطفالهم، وخاصة التي تعتمد على الترهيب.

ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأقصى، درداح الشاعر: "الألفاظ التي تستخدمها الأمهات لتخويف أطفالهن؛ تعبر عن تربية فاسدة تثير الخوف والإحباط في نفس الطفل".

ونوه الشاعر في حديثه لـ"عربي21"، إلى ضرورة تقويم سلوك الأبناء عبر تعليمهم التصرفات الإيجابية، والتنبيه إلى الأخطاء والتحذير من الوقوع فيها، موضحًا أن الأم بإمكانها أن تعاقب طفلها على الفعل الخاطئ إن تكرر، وعليها أن توضح له سبب العقاب.

التعزير السلبي

وشدد على أن العقاب "يجب أن يكون بسيطًا، سواء بالضرب أم التهديد، حتى لا يترك أثرًا سلبيًا في نفس الطفل"، مشيرًا إلى ضرورة مواجهة السلوكات الخاطئة من خلال "التعزيز السلبي، وهو الحرمان من الأشياء المحبَّبة للطفل".

ولفت إلى التداعيات النفسية الخطيرة التي يمكن أن تصيب الطفل نتيجة التخويف بظواهر أو ألفاظ ذات دلالات معينة، قائلاً إن "هذه الألفاظ تربك الطفل وتدخله في حالة من الفزع والقلق، والتفكير العميق بمجيء من يهدَّد به لقتله أو ذبحه أو حرقه"، مشيرًا إلى أن "الطفل لا يمكنه التمييز بين الخيال والواقع".

وأضاف: "هناك كثير من الأطفال يعانون بسبب أساليب الترهيب؛ من اضطراب النوم، والفزع الليلي، والعزوف عن الأكل، والانطواء، وأحيانا يصابون بالتبول اللاإرادي"

وبيّن الشاعر أن "هذه الأساليب؛ تعمق الفجوة النفسية بين الطفل ووالديه"، داعيًا الآباء والأمهات إلى "التعرف على احتياجات أطفالهم، ومنحهم الحب، وإشعارهم بالأمان والحنان".