قضايا وآراء

"الإخوان المسلمون" في الأردن.. الضربة التي إن لم تقويك ستكسرك!

1300x600
أزمة حادة تمر بها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن اليوم، بضعة قيادات سابقة أبرزهم المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ عبد المجيد الذنيبات، بطريقة فردية، ودون الرجوع لقيادات الجماعة المتمثلة بالمكتب التنفيذي، يتقدمون للحكومة الأردنية بطلب لتصويب أوضاع الجماعة قانونيا، وأن تستبدل القيادة الحالية للجماعة بقيادة مؤقتة هم -أي المتقدمون بالطلب- يفرزونها منهم وبطريقتهم، ومن ثم يرتبون من جديد البيت الداخلي للجماعة.

برأيي الشخصي، لن أجد أبلغ من كلمة "انقلاب" لوصف هذا الإجراء، وأنه محاولة للالتفاف على قيادة الجماعة الحالية بطرق، نعم هي ذكية وعبقرية، مستفيدين من ثغرة قانونية، لكنها كذلك في الوقت ذاته تخلو من القيم.

لكن لا بد من العودة قليلا إلى الوراء، فلعلاج أي مرض لا بد من تشخيص دقيق لا يلتفت إلى عرض هنا أو هناك، بل يسلط الضوء على حقيقة الأحداث التي أوصلت الجماعة إلى هذه المرحلة شديدة الاضطراب والتخبط.

لقرابة عقدين من الزمان، تعيش جماعة الإخوان المسلمين في تطاحن واصطفاف داخل الجماعة وانقسام حاد بين قياداتها، هذا الانقسام سببه الرئيس هو عدم وجود رؤية واضحة تجتمع عليها هذه القيادات، فطيلة المرحلة السابقة للجماعة لم تمتلك الجماعة رؤية واضحة ومشروع حقيقي واضح المعالم يعالج مشكلات الوطن وهموم المواطن، ولو بحثت عن أهداف ورؤية واضحة، فلن تجد أكثر من شعارات براقة وعناوين عريضة تخلو من برامج واضحة تفصيلية تقود إلى تلكم الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

خلال هذه الفترة الطويلة، التي لا تحمل مشروع ناضج يعمل عليه الجميع داخل الجماعة، وتُفرغ فيه الطاقات، سواء القيادية منها أو الشبابية، جرى ما نتوقعه ولا نتمناه، ألا وهو الصراع الداخلي، فالطاقات الإخوانية الهائلة على كافة الصعد ليس لديها أي مشروع حقيقي لكي تنشغل به وتفرغ فيه طاقاتها، ولأن هذه الطاقات إن لم تستوعب وتوجه خارجيا في مشاريع وبرامج، فسترتد بشكل سلبي داخليا على شكل صراعات وتيارات، (وقد أشار لذلك الدكتور عبد الله النفيسي في كتابه الذي يحمل عنوان الحركة الإسلامية، رؤية مستقبلية وأوراق في النقد الذاتي)، ما زاد ذلك الطين بلة والمشكلة تعقيدا.

مما سبق، نلحظ أن المشكلة الإخوانية بذورها الأولية فكرية، لكنها سرعان ما تجاوزت الخلاف على الأفكار والرؤى والبرامج، وانتقلت لمرحلة أكثر تعقيدا، حيث تحولت لصراع شخصي بحت وأزمة ثقة على كافة الصعد بين معظم القيادات، (وإن حاولت بعض القيادات المتناحرة تحسين صورة هذا الخلاف وصبغه بصبغة الخلاف الفكري)، لا بد أن نذكر بأن القليل من القيادات استطاع النأي بنفسه عن هذه الصراعات وعدم الاكتواء بنارها، ولا بد من التذكير أيضا بأن الشباب الإخواني هم خزان الوقود الأكبر لهذه الخلافات.

الحكومة الأردنية صبت الزيت على النار، ووافقت على ما تقدم به الذنيبات، وأخذت ترقب هذا الصراع الإخواني من بعيد بعين الرضا، وإن ادعت غير ذلك وزعمت بعدم التدخل، وفي ذلكم طامة كبرى، ولا بد لرأس النظام أن يتدخل لإعادة فتح خطوط الاتصال التي أغلقت مع الجماعة من قبل أجهزة الدولة، فالجميع يعلم بأن الجماعة كانت صمام أمان وملجأ يلتجئ إليه الجميع -أي النظام والشعب- في كثير من الأوقات الحرجة، ولا أظن بأننا نعيش اليوم بأوقات أريحية ورفاهية ورخاء، فالمنطقة ملتهبة والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، ولا بد من اصطفاف وطني حقيقي.

قيادات الإخوان المسلمين في الأردن، وبكافة تياراتهم، هم اليوم على المحك، والجميع يرقب موقفهم، فإما أن يتحمل الجميع المسؤولية، ويحاول بما استطاع إطفاء النار التي اندلعت بسفينة الإخوان المسلمين، والسيطرة على هذه النار بأقل خسارة ممكنة، وإما أن تبقى المراهقة السياسية والتنظيمية وتصفية الحسابات الشخصية هي سمة المرحلة، وعندئذ فالنار ستلتهم السفينة بأكملها، ويغرق كل من فيها، والخاسر الأكبر هو الوطن.

باعتقادي، ليس لدينا حل إلا في اتجاهين اثنين، الأول :وقفة صادقة مشبعة بحس وطني صادق والترفع عن الأنانية والهوى والنأي بالخلافات الشخصية جانبا، يوازيها قناعة بضرورة التغيير، منطلقة من الاعتراف بالواقع الأليم، وأن هذا الواقع ساهمت جميع الأطراف في خلقه، كل ما سبق يُجسد على أرض الواقع من خلال تشكيل قيادة مؤقتة للجماعة تمثل الجميع وتفرز من قبل الجميع وبالتوافق(لا أتحدث عن تقاسم كراسي، بل أتحدث عن شراكة حقيقية)، هذه القيادة المؤقتة تعمل ضمن خطة طريق واضحة المعالم، هدفها الرئيس إعادة صياغة الأنظمة والقوانين الداخلية للجماعة، وبناء هيكلية تنظيمية جديدة أكثر فعالية، وكذلك صياغة مشروع وبرنامج للجماعة واضح المعالم، يصطف خلفه الجميع، وهذا هو الخيار الأنسب.

الخيار الآخر : هو الخيار الذي اتخذته الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة في فلسطين ال48، عندما تم الاختلاف على رؤيتين متعارضتين، يصعب التوفيق بينهما، اتخذ قرار الانقسام، وأصبح على الأرض حركتان تعملان ببرنامجين مختلفين، وعندها كل أخ يختار ما يوافق فكره وتوجهه، ويحدد المسار الذي هو به مقتنع.

غير ذلك، لنترقب مزيدا من الإخفاقات والصراعات، والخاسر الأكبر هو الوطن الذي يُفترض أنه أكبر من الجميع.

إن بقي الحال على ما هو عليه، فالشباب الضائع بين صراعات هذه القيادات سيلعن هذه القيادات ويكفر بها، وسيكتب التاريخ مرحلة سوداوية قاتمة، القيادات هم أبطالها الرئيسيون !!

ما زلت مؤمنا بأن هنالك فُسحة أمل اسمها الشباب..
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع