مقالات مختارة

في فوائد تأجيل الانتخابات

1300x600
في الأسبوع الماضي كنت متحدثا في ندوة نظمتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن ضمانات نزاهة الانتخابات النيابية في شقها الإعلامي.

الندوة تحدث فيها أساتذة وخبراء كثيرون متميزون خصوصاً خبير الانتخابات الأول فى مصر د. رفعت
قمصان مستشار رئيس الوزراء، والدكتور محمد محيي الدين عضو حزب الغد، والمحامي الكبير عصام الإسلامبولي، والكاتب والسياسي المحترم حسين عبدالرازق وأستاذتي عاطف عبدالرحمن، وفريدة النقاش ود. طه عبدالعليم وعصام شيحة وفريد زهران وأيمن عبدالوهاب.

كل تحدث في تخصصه، لكن لفت نظري ما قاله محمد محيي الدين حينما تمنى ــ ضمناً ــ أن يتم تأجيل الانتخابات حتى يتم إقامتها على أسس نظيفة، خصوصاً فيما يتعلق بالقوانين المنظمة لها.
لم أجد وقتاً للكتابة عن هذه الندوة المهمة، لكن الخبر المهم المنشور في «الشروق» اليوم بشأن التقرير المنسوب لهيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا، جعلني أعود مرة أخرى إلى الندوة وإلى كلام محمد محيب الدين الذى استأذنته في استخدام اسمه.

تقرير هيئة مفوضي الدستورية المبدئي يقول إن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية غير دستوري، خصوصاً فيما يتعلق بتناسب التمثيل النيابي مع عدد السكان، إضافة إلى بنود أخرى منها تمييز المراة عن الرجل.

إذاً هناك احتمال لا بأس به أن تحكم المحكمة الدستورية العليا خلال أيام قليلة ــ ربما قبل يوم 25 الجاري ــ بعدم دستورية القانون، وإذا حدث ذلك فسوف نعود إلى المربع الأول.

المفاجأة أن عدداً كبيراً من السياسيين حتى أولئك المعترضون للحكومة أو المعترضون عليها لا يمانعون في تأجيل الانتخابات طالما أنه سوف يتم تعديل الأوضاع بصورة أفضل.

يقول بعض السياسيين إننا نصحنا الحكومة مليون مرة وحذرناها مليار مرة أخرى، بأن قانون تقسيم الانتخابات كارثي ومطعون في دستوريته، لكن لم يلتفت أحد.

وأشهد الله أنني استمعت إلى هذه الآراء مراراً وتكراراً خلال استضافة «الشروق» لرؤساء وقادة الأحزاب والخبراء وأساتذة القانون، ومناقشاتهم المثمرة للتحضير لمؤتمر الأحزاب السياسية، وقد تم إرسال كل هذه التوصيات إلى أهل الشأن والاختصاص.

عملياً أن تؤجل الانتخابات ونؤسس لقانون جديد دستوري، أفضل كثيراً من إجراء الانتخابات، ثم حل مجلس النواب لاحقاً بعد أن نكون صرفنا الجهد والوقت والمال والأعصاب في العملية الانتخابية المرهقة.

لكن الأهم من كل ذلك هو أن التأجيل قد يعطينا فرصة حقيقية ــ إذا صلحت النوايا ــ في إعادة تأسيس المشهد السياسي بأكمله، وليس القانوني والدستوري فقط، نحو أكبر مشاركة سياسية ممكنة لكل القوى والأحزاب السياسية والاجتماعية في الانتخابات المقبلة، شرط أن تكون قابلة بطبيعة الحال بالقانون والدستور وخريطة الطريق.

التأجيل سوف يتيح للحكومة أيضاً أن تعيد قراءة المشهد، خاصة أن تجربة تقدم المرشحين للانتخابات في الأيام القليلة الماضية ــ التي شهدت زحاماً رهيباً من فاسدين وراقصين ومدمني مخدرات ــ أعطت إحساساً مخيفاً ومقبضاً مما هو آت.

لكن العامل السلبي الرئيسي للتأجيل، هو أننا سوف نرسل إشارة سلبية إلى الخارج الذي يتطلع منذ فترة إلى وجود مجلس نواب منتخب ومعبر بالفعل عن الخريطة السياسية الحقيقية.، قد يفرح بعض الإرهابيين وأنصارهم ويعتقدون أن التأجيل مفيد لهم، لكن الأهم أن أمام الحكومة فرصة ذهبية للبحث عن بيئة صالحة لإنتاج برلمان معبر عن المجتمع قدر الإمكان، وليس إعادة إنتاج برلمان 2010 سيئ الذكر.



(نقلاً عن صحيفة الشروق المصرية)