أخطر ما في الوضع الحالي التناغم الكبير بين رئيس حكومة الوفاق، وحركة حماس، فالأول وجد في عدم تسليم مفاتيح قطاع غزة لحكومته فرصة للتخلص من أعباء القطاع الثقيلة، بعدما تعود على إدارة المحافظات الشمالية من أراضي السلطة الفلسطينية. وكذلك حماس ارتاحت من تحميلها المباشر للمسؤولية عن أزمات القطاع التي تفاقمت بعد الحرب الثالثة، وأصبح بإمكان الحركة الاستفادة من كل "الشواكل الحمراء" دون رقابة أو مسؤولية وهي في أسوأ الأحوال تغطي عجز الحكومة.
هذا "التناغم السلبي" والمريح للعقل السياسي المجرد من الضمير والقيم، منح الحكومة وحماس ذرائع للتخلي عن قطاع غزة، لكن هذه اللعبة الخطيرة تزيد من حالة حرق المجتمع وهو يقلب وجهه في الوجوه العابسة، وقادة المغانم الهاربين من المغارم، ويفتح الباب أمام خيارات واحتمالات كلها خطيرة تعبر عنها سياسة "حرق الوقت" من الطرفين، بانتظار تغييرات إقليمية في استمرار لسياسة الهروب نحو الجحيم.
بعد ما سبق أنا كمواطن لا أستطيع مطالبة حماس وإدارتها، بالرحيل، وليس من مسؤوليتي ذلك إلا عبر ثورة شعبية، وهذا خيار دام لا يقبل به عاقل، والخيار المسالم يتمثل في الصندوق الانتخابي، وهذا مسؤولية رسمية للحمد الله حسب اتفاق المصالحة. وللأسف لم يخط الرجل بهذا الاتجاه خطوة كرئيس حكومة، ومن المنطقي لرئيس حكومة مؤقت فشل أو أُفشل في تنفيذ مهامه أن يعود للانتخابات للحصول على تفويض سياسي جديد له أو لخلفه.
الحمد الله بعد عدة أشهر باردة وقاسية لم يتمكن خلالها من إغاثة ضحايا الحرب، أصحاب البيوت المدمرة، وألقى ملف الإعمار تحت رحمة الأمم المتحدة التي قررت تأجيل الأزمة ببدل إيجار ووجبات مكررة، لتكرر عجزها عن أحداث أي اختراق في جدار المأساة الفلسطينية من النكبة حتى الآن، وما دام رئيس الحكومة عاجزا أو ممنوعا من القيام بعملية إعادة الإعمار، فماذا ينتظر؟ وهل لديه أمل أم أنه يسير على خطة مسؤول أفريقي عندما قال سننفذ الخطة الخماسية ولو بعد مائة عام؟
وبحثا عن مبرر للحمد الله لم أجد للرجل أي خطوة ضغط كاللجوء لجامعة الدول العربية ومطالبتها بالضغط لتنفيذ اتفاقيات القاهرة والدوحة التي يستند عليهما في شرعيته، واتفاق الشاطئ ما هو إلا آلية لتنفيذ الاتفاقيات ولم يضيف جديد إلا ما فرضته لحظة ضعف لطرفين احتاجا لخطوة شكلية.
الخطير الذي سكت أمامه الحمد الله هو الإعلان المتكرر من قبل الفصائل عن تشكيل لجان فصائلية للإشراف على ملفات هامة كالإعمار والكهرباء، في رسالة تعني أن الحكومة مقصرة أو قاصرة، وهي تصرفات مخادعة لسحب صلاحيات الحكومة ومحاولة إرضاء آنية لأطراف الأزمة.
السيد رامي الحمد الله لا يسرني أن تبقى بلا صلاحيات، وديكورا تجميليا للانقسام وأن يقال في عهدكم إن حكومات الانقسام أفصل أو أكثر وضوح من الواقع الغامض، وغطاء لأعمال غير وطنية تعلمها أكثر مني، سيدي وأنت أمين عام لجنة الانتخابات المركزية، المفتاح في يدكم الآن وعليكم إعادة زمام الأمور إلى مكتبك بالشروع العملي السريع في التحضير للانتخابات، والا تصبح شريكا في سياسة حرق الوقت، ويبدو لي أن معاليكم ليس سعيدا بمكتب رئيس الحكومة الذي لا يزيد أناقة عن مكتب رئيس جامعة النجاح.
سيدي لا أقبل أن تكون رئيس حكومة جزء من الوطن كما هو حاصل حاليا، ولا يسعدني أن تقبل أن يغلق باب بينك وبين المواطنين، وأن تغرق في أزمات السياسيين، وأنت الأكاديمي صاحب اليد البيضاء، وضحية الانقسام المقيت مثلي ومثل كل أبناء شعبك، لذلك أفضل أن تكون جزءا من الحل بموقعكم في لجنة الانتخابات المركزية، ولا أقبل بأن تصبح جزءا من الأزمة.
اسمح لي أن أقول لكم، أخي الفاضل: إما أن تكون رئيس حكومة كامل الصلاحيات لخدمة شعبك أو أني سألقي منشفة السلطة الوهمية في وجه طباخي الانقسام المسموم، وأعتقد أنك ستكون رئيسا جيدا لحكومة دولة فلسطين بعد تجديد الشرعية للجميع، ولا تحمل على أكتافك حكما وضعوا العصي في دواليبه، إياك أن تبقى متهما بالعاجز أمام أصحاب البيوت المدمرة، والشباب العاطل عن العمل، وأزمات صنعها غيرك دون أن يتحملوا مسؤوليتها.