صحافة دولية

مراسل BBC "بوين" يكشف تفاصيل يومه مع "الدكتاتور الأسد"

بوين: المثير للجدل هو نفي الأسد القاطع لاستخدام القوات السورية البراميل المتفجرة - بي بي سي
وصف جيرمي بوين، محرر شؤون الشرق الأوسط في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مقابلته مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، التي أجراها في القصر الجمهوري الأسبوع الماضي، في مقال نشرته مجلة "نيوستيسمان" البريطانية بعنوان "يوم مع الدكتاتور، وتترجمه هنا "عربي21".

كتب جيرمي بوين قائلا:

عادة ما يقابل بشار الأسد الصحافيين في مكتبة في بيت الضيافة في الطابق الأرضي من القصر الجمهوري، غرب دمشق. ويطل القصر على المدينة من صخرة عالية، ويقع بيت الضيافة على بعد نصف ميل من البناية الرئيسية للقصر، على حافة التلة، ويقوم البستانيون بالحفاظ على المروج والأشجار نظيفة. ولكن النتوءات الصخرية تلمح إلى ما كانت عليه في الماضي تلة شتوية عاصفة تقع على هضبة سورية عالية يرغبها الغزاة والمدافعون عن دمشق. وربما لأنني كنت قرب الخطوط الأمامية في الضواحي التي يسيطر عليها المقاتلون الأجانب، لمسافة لا تبعد خمسة أميال من القصر، كان لدي شعور بأن الحرب تضغط على المكان، بالإضافة إلى ثقل التاريخ القديم للبلاد.

القصر هو مكان العمل، فعائلة الأسد تعيش في مكان آخر، وبني بيت الضيافة الرخامي على شكل فندق صغير، حيث تقود المكتبة إلى المجلس الرئيسي، وفيه حوالي 30 مقعدا. وكانت النوافير على زاويا المجلس ناشفة عندما زرت الأسد في 8 شباط/ فبراير، وشعرت وكأن المكان قد فتح من أجلنا.

وفي المكتبة هناك قسم يحتوي على الكتب الصادرة بالإنجليزية وقصة حياة ملك إسبانيا خوان كارلوس، وبتوقيع من المؤلف، وإلى جانبها نسخة غير موقعة من سيرة حياة دونالد رامسفيلد "المعروف والمجهول" عن حياته في البنتاغون، وأخرى من كتاب بيرس مورغان "من الداخل: ذكريات عقد فضائحي"،  وتساءلت بنوع من الكسل وأنا انتظر وصول الأسد عن النتيجة التي توصل إليها من هذه الكتب، وفيما إن كان الرئيس قد قرأها، وتساءلت عن انشغالاته والتداخل الغريب بين حياة القائد والسياسي والنجوم في الغرب، الطبقات المؤثرة في أوروبا والولايات المتحدة، على الأقل حياتها العامة. ولكن ماذا يجري عندما يقوم الرئيس وإخوته وأقاربه بالحديث عن العمل، الذي يعني هذه الأيام إدارة الحرب، ويظل في النهاية شأنا عائليا.

يختفي الأسد عن شاشة التلفاز السوري لأسبوع، ولا تظهر زوجته أسماء، التي نشأت في لندن إلا نادرا، رغم أنها حاضرة على "إنستغرام". وعندما أخبرني مساعدو الرئيس أنه حضر، انتقلت من المكتبة بأرضيتها اللامعة إلى غرفة الجلوس، حيث الجلسة فيها أكثر حميمية من المجلس، ولكنها تظل كبيرة. كنت قد توقعت أن أرى مظاهر من التعب على الرئيس. ولكنه لم يتغير كثيرا منذ أن قابلته آخر مرة عام 2010، أي قبل خمسة أشهر أو يزيد على قيام محمد بوعزيزية بحرق نفسه في تونس أمام مكتب الحاكم في بلدته، ما أدى إلى بداية سلسلة من الأحداث التي لا تزال تهز منطقة الشرق الأوسط.

قادني الأسد إلى مجموعة من المقاعد والأرائك في نهاية الغرفة قبل أن نبدأ المقابلة. وتحدث عن الطريقة السريعة التي تتغير فيها المنطقة. وألقى باللائمة على السعودية في الكارثة التي تدمر سوريا منذ أربعة أعوام تقريبا، ولامها على تسليح وتمويل الجماعات المعارضة له، وتحدث عن التفسير الوهابي للإسلام، الذي قدم الأيديولوجية للجهاديين. وقال إن قيام السعوديين باعتقال آلاف السعوديين المشتبه بعلاقتهم بالجهاديين في المملكة لا يغير من الأمر. 

ويرى الأسد أن حقيقة لجوء السعوديين إلى هذا الأمر يعني أنهم لم يعودوا يسيطرون على مخلوقهم الذي خلقوه، وهو الدولة الإسلامية، التي لن ترتاح حتى تضم لخلافتها مكة المكرمة والمدينة المنورة. ولن تكون آراء الأسد بشأن الجهاديين خارجة عن السياق عن معهد في واشنطن العاصمة.

شخصيا، فالأسد الذي درس طب العيون، شخص مهذب، فلن تجد صعوبة بأن تجري حوارا هادئا معه، فهو يبتسم كثيرا ويتنحى جانبا ليسمح للآخرين بالدخول الى المكان أولا، ويمكن أن يبدو مظهره في الصور غير مريح، إلا أنه شخص متزن. ولا بد أن يكون عانى الكثير من الضغوط في هذه السنوات الأربع. فعادة ما يظهر الشيب على القادة الغربيين سريعا حتى في داخل مدنهم الآمنة، ودون اصوات ونيران المدفعية اليومي. فقط قارن صوره بصور الرئيس اوباما، الذي يقترب من نهاية ولايته الثانية. لكن الأسد البالغ من العمر 49 عاما، لا يبدو أن السنوات الماضية قد أجهدته كثيرا. وما تغير هو الأسئلة التي كان سيجيب عليها وموقعه في العالم.

ذكّرت الأسد بواجبات المتحاربين في ظل قانون الحرب وضرورة حماية المدنيين. وقدم في هذا الإطار دفاعا حاميا عن تصرفات وأفعال قوات الجيش السوري، وتصرفه في خلال الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 200 ألف شخص وشردت الملايين. 

رفض رئيس النظام السوري الأدلة على وجود فترة من التظاهر السلمي في ربيع عام 2011، قبل أن يبدأ إطلاق النار. في الحقيقة إنه أكد أن المتظاهرين استخدموا القوة منذ البداية. وكان دليله هو العدد الكبير من رجال الشرطة الذين قتلوا في الأشهر الأولى من القتال.

ولعل أهم تصريح مثير للجدل قاله الأسد هو نفيه القاطع لاستخدام القوات السورية البراميل المتفجرة، رغم أن الهجمات وثقت بشكل جيد. وشاهدت ما تركته هذه الهجمات على دوما، التي يسيطر عليها المقاتلون. كما رفض الأسد الاتهامات التي وجهتها الأمم المتحدة لحكومته بعرقلة وصول المواد الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، واعتبرها مجرد "دعاية". وظهرت عليه ملامح من يصدق ما يقوله.
 
وكان موقفه هو أنه يقاتل الإرهاب، الذي يستلهم أفكاره ويحصل على تمويله من الأجانب، وتقوده أيديولوجية دينية متطرفة، وبناء عليه فيجب على بقية العالم أن يتبنى تفكيره هذا.

وسألته حول ترك رجاله تنظيم الدولة الإسلامية لشأنه، وتحركهم لسحق قوى الوسط، والتركيز على القوى التي يفضلها الغرب. ووجدت أنه فعل ذلك كي يمنح السوريين خيارا زائفا بين نظامه أو الجهاديين. ورفض هذا، وهو أمر لا يدعو إلى الدهشة.

ظل بشار الأسد وسوريا حتى بداية الانتفاضات العربية عام 2011، حليفين محتملين للغرب، رغم الدعم الراسخ لحزب الله في لبنان وحركة حماس الفلسطينية. فقد نظر الأسد إلى سوريا جسرا بين الشرق الأوسط العربي وبين أوروبا والولايات المتحدة. وفكرت حكومة توني بلير بمنحه لقب فارس فخري، واستقبلته وزوجته الملكة في لندن. فبعد وفاة والده، الذي خلفه في تموز/ يوليو 2000، نُظر إلى بشار على أنه يمثل جيلا جديدا، وأنه هواء جديد في المشهد السياسي العربي الراكد". 

ولكن، وحتى قبل الحرب، كانت هناك علامات من العناد وحس من المؤكد أنه يعتمد عليه الآن. فعندما تحدث في عام 2009، أثناء حرب غزة أظهر الأسد وبوضوح تام طبيعة الأمور في الشرق الأوسط، ولم يكن بالمطلق مهتما بمناقشة ملامح أطروحته. فالعلاقة الحسنة مع الغرب لم تكن كافية للتخفيف من حدة مواقفه من إسرائيل أو دعمه لأعدائها.

في العادة ما يحب القادة الظهور بمظهر المتيقن المنسجم القوي، لكن في داخل كل إنسان يجب أن يكون هناك مجال للشك. وربما كان اليقين ضروريا لزعيم يقود الحرب. ولكن الحرب في سوريا تتعقد في كل شهر، وإن كانت هناك أزمة تحتاج مرونة وليونة فستكون الحرب السورية.

في زاوية من سوق الحميدية القريب من المسجد الأموي في قلب دمشق القديمة، أقيمت المحلات التجارية حول البنايات الرومانية القديمة، وعلقت مظلاتها على صفوف من الحجارة الرمادية المتداعية. وبعد حوالي أربعة أعوام من الحرب، أصبح السياح، الذين كانوا يحضرون إلى هنا، مجرد ذكرى دافئة للتجار. ولا يوجد عدد كاف منهم كي يملأوا المكان. وفي هذا الجزء من سوق الحميدية، أهم سوق في المدينة، يبيع التجار دفاتر التمارين المدرسية والصحف والمجلات وعصير الرمان الطازج، وعلى طاولة محل مواد تحتفل بعائلة الأسد ومن يحيطون بهم.

وحتى تفهم بشار الأسد عليك أن تفهم والده، الرئيس من عام 1971 إلى 2000، الذي عقد النية على إنشاء عائلة حاكمة، ومن بين المواد التي عرضت على طاولة التاجر، تحف ممغنطة تلصق على الثلاجة وأيقونات صغيرة فيها مشاهد من حياة عائلة الأسد، واحدة منها تظهر الأسد وهو جنرال يرتدي زيه العسكري ونظاراته الشمسية. وفي أخرى يظهر الأسد وهو يقوم باستخدام المنظار، ربما للنظر إلى مواقع أعدائه أو نشر قوات. ومن القطع التي تباع بكثرة تلك التي تصور الأسد وإخوته عندما كانوا صغارا في حديقة البيت.

كان حافظ الأسد جزءا من الطغمة العسكرية في سوريا عام 1963، وبحلول عام 1970 أصبح حاكم سوريا الأوحد، وإنجازه الكبير هو أن كانه قادرا عند وفاته عام 2000، على توريث السلطة لابنه دون معارضة، وحتى توليه السلطة كانت سوريا غير مستقرة، وتعاني من انقلاب يتبعه انقلاب آخر.

مثل كل الصحافيين الذين زاروا دمشق، تقدمت بطلب لمقابلة الأسد منذ بداية الحرب الأهلية. وفي الخريف الماضي استطعت الاتصال ببعض الأشخاص، الذين قالوا إن اللقاء سيحصل قريبا، وبحسب رأيهم فالوقت مناسب لإجرائه. وحددوا الموعد قبل ثلاثة أسابيع، أعتقد أن الأسد يتحدث كثيرا هذه الأيام لشعوره أن وضعه آمن الآن. فلا تزال القوات السورية متماسكة، رغم أنها أجبرت على استدعاء الكبار في العمر. كما وتعمل الغارات الأمريكية وحلفاؤها ضد الدولة الإسلامية على منع الجهاديين من السيطرة على مناطق جديدة في العراق وسوريا. طبعا  لن تؤدي الغارات الجوية إلى هزيمتهم، ولكنها تقيد حركتهم بشكل جيد. وفي الوقت ذاته يبدو الأمريكيون الآن وقد خففوا من لهجتهم ضد النظام السوري، فهناك مخاوف على المنطقة إن خرج الأسد من السلطة. فالفوضى في ليبيا منذ انهيار نظام العقيد القذافي تظل بعيدة بسبب مئات الأميال من الصحراء التي تحيط بليبيا، وفي المقابل تقع سوريا في قلب الشرق الأوسط.

بدأ الرئيس الأسد رحلة لم تكن ممكنة قبل عام؛ فهو يتحرك ببطء من منبوذ إلى حصن في نظام دولة تترنح في منطقة الشرق الأوسط، فالمنظر من القصر الجمهوري يشع، ولهذا السبب قرر الأسد أن الوقت قد حان للحديث.