قضايا وآراء

الإخوان والعنف : بداية جديدة أم نهاية مسار؟

1300x600
في 25 يناير 2015 حدث تغير جذري في الاحتجاجات التي تشهدها مصر منذ بداية الثورة عموماً، ومنذ الانقلاب في 3 يوليو 2013 خصوصاً ، فلأول مرة تظهر عدة تنظيمات تتبنى خيار الكفاح المسلح جزءاً من الحراك المعارض للسلطة ، منها (المقاومة الشعبية) و (العقاب الثوري) وغيرهما ، وبالفعل تم استهداف عدة عناصر من جهاز الداخلية الإجرامي في مواجهات وعمليات متنوعة، أسفرت عن أكثر من 11 قتيلاً من جهاز الداخلية في يوم واحد فقط.

سادت حالة من النشوة في أوساط الشباب الذين رأوا في خطوة العمل المسلح تصعيداً طال انتظاره بعد 18 شهراً من الانقلاب، الذي لم يعرف إلا لغة القتل والقمع والاغتصاب والتعذيب، وزادت الفرحة عندما أصدر الإخوان المسلمون بياناً على موقعهم الرسمي في 27 يناير 2015 بعنوان (وأعدوا)، مضمونه وجوب استحضار آيات الجهاد ونفسية المجاهد في سبيل الله استعداداً للمرحلة القادمة من الحراك.

لكن التجربة تعلمنا أن العواطف وحدها لا تكفي لتفسير المشهد ، فالسؤال هنا : هل تبني فكرة العمل القتالي تمثل بالفعل تحولاً جذرياً في منهج جماعة الإخوان المسلمين الإصلاحي، واستراتيجية جديدة للجماعة ترفض منتجات الدولة الوطنية الحديثة ضمن منهج جديد كلياً يعتمد مبدأ الجهاد وسيلة شرعية لإقامة الدين ؟! أم هو مجرد تكتيك يخدم الحراك بحيث توظف هذه القوة أداةَ ضغط، تساعد الإخوان في مفاوضاتهم التي لم تنقطع منذ بداية الانقلاب مع العسكر، ليتم الوصول إلى تسوية ما للنزاع الحالي ؟!

لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بالاكتفاء بالنظر إلى هذه التحركات الجديدة دون اعتبار بقية مكونات المشهد الحالي محلياً وإقليمياً.

لو أردنا أن نتخذ أركان الحراك الحالي مع تجاوز الاستثناءات –أكرر مع تجاوز الاستثناءات- فسنجد أن الحراك منذ بداية الانقلاب مكوّن من مثلث له ثلاثة أضلع: (التحالف الوطني قيادة إعلامية - الشرعية الدستورية هدفاً لإسقاط الانقلاب – البحث عن الغرب داعماً للحراك).
الحراك لا يتم بمعزل عن المشهد الإقليمي ، فهناك ثلاثة عوامل على الأقل مرتبطة عضوياً بما يحدث في مصر، أولها صعود جناح الملك سلمان في السعودية وتوجهاته الجديدة وتخوفه من تنامي الدور الشيعي في إيران واليمن، وثانيها امتداد منهجية الجهاديين لا إلى أطراف مصر، فحسب وإنما إلى المحافظات المركزية في الدولة، والثالثة هي الإرادة الأمريكية في حرب تنظيم الدولة الإسلامية من خلال استراتيجية مماثلة لاستراتيجية الصحوات.
هذه العوامل تدفع نحو التقاء السعودية والغرب على هدف مشترك، وهو الرضا بمشاركة الإسلاميين "المعتدلين" في السلطة في مصر ، فمن ناحية يمنع هؤلاء المعتدلون تمدد الفكر الأصولي من خلال تقديم بديل سلمي/دستوري للشباب، عوضاً عن تسربهم إلى المنهج العنفي للـ "أصوليين". ومن ناحية أخرى يعتبر الإسلام السياسي حليفاً سنياً للسعودية في مواجهة تمدد المعسكر الشيعي ، ولعل في دعم أمريكا والسعودية المشترك للمعارضة "المعتدلة" في سوريا، مثال مشابه لما قد يحدث في مصر.

نتيجة لذلك التغير في المواقف، فوجئنا في أقل من أسبوع واحد فقط منذ 25 يناير الفائت بعدة تطورات لم تحدث طوال الثمانية عشر شهراً للانقلاب ! .. فقد استقبلت الإدارة الأمريكية وفداً من التحالف الوطني يتزعمه المستشار وليد شرابي، وكان لقاء مثمراً حسبما أعلنت مها عزام أحد أعضاء الوفد، كما أدان الاتحاد الأوروبي الاستخدام المفرط للقوة في قمع مظاهرات 25 يناير، وأعلن أن الحوار هو السبيل الوحيد لتسوية النزاع، بالإضافة إلى توجيه محمد البرادعي رسالة للسيسي بضرورة تضمين الإسلام السياسي في الحكم، وأخيراً أعلنت حركة 6 أبريل مشاركتها في اعتصام المطرية.

الملاحظ أن هذا التغير العنفي الأخير لم تتبناه الجماعة بشكل رسمي، فالتنظيمات المسلحة لا تتبع الجماعة رسمياً بشكل من الأشكال (بعكس فرق الكشافة والتنظيم الخاص قديماً)، كما أدانت الجماعة الهجوم الأخير في سيناء، الذي راح ضحيته أكثر من 40 قتيلاً من الجيش النظامي الذي يمارس عمليات تهجير قسرية جماعية لأهالي سيناء، بل وقدمت الجماعة التعزية لأهالي الضحايا، بالإضافة إلى أن البيان الذي أصدرته الجماعة لم يكن بياناً رسمياً، وإنما جاء على هيئة مقال لأحد الكتاب في موقع إخوان أون لاين.
الحقيقة أن المنهج الإعلامي للجماعة يعاني من ازدواجية تدعو للاستغراب، ففي الوقت الذي تنشر فيه الجماعة بيان الجهاد على موقعها الرسمي، ويهلل شباب الإخوان عند نشوء التنظيمات المسلحة، ويظهر وجدي غنيم على قنوات الإخوان بخطابه الحماسي "الأصولي" للداخل، في الوقت ذاته تدين الجماعة مقتل جنود الجيش النظامي على حسابها الإنجليزي الموجه للخارج، ومازال الموقف الرسمي للجماعة ثابتاً كما هو لم يتغير، وفقاً لنموذج المثلث الذي ذكرناه في البداية (التحالف-الشرعية-الغرب).
ويتجلى هذا النموذج في السعي المتواصل لقيادات التحالف الوطني سواء في إعلام الإخوان أو في غيره، إلى مخاطبة الغرب واستجدائه من أجل رجوع الشرعية والتخلي عن دعم السيسي.

إن كان كل ما سبق يدل على شيء، فإنما يدل على صحة فرضية أن احتكام الجماعة إلى العنف/الجهاد ليس تغيراً في منهجها بشكل عام، وإنما هو مجرد خيار لحظي تلجأ إليه الجماعة وتستخدمه وسيلةً ضغط تطرحها في أثناء مفاوضاتها مع الغرب، ما تلبث أن تتخلص منه عند الوصول إلى تسوية ما للنزاع.

لكن هل تستطيع هذه التحركات احتواء الواقع، أم إن الواقع سيتجاوزها ؟! هذا ما ستكشفه لنا المرحلة القادمة.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع