"يوميات غوانتنامو"، أول يوميات لمعتقل في سجن غوانتنامو، تصدر لسجين لا يزال في الأسر، وهي للمعتقل الموريتاني محمدو ولد
صلاحي، نشرت صحيفة "الغارديان" مقتطفات منها، حيث سينشر الكتاب في عشرين دولة أخرى.
ويصف مراسلا "الغارديان" سبنسر إكرمان في نيويورك، وإيان كوبين في لندن، اليوميات بأنها حدث مهم، وتعري بالتفاصيل نظام
التعذيب والسجن القسري. وهذه المرة تأتي الشهادات من الضحايا أنفسهم، وليس من محامين أو مدافعين عن حقوق الإنسان، أو من تقرير اللجنة الأمنية في الكونغرس، الذي فضح ممارسات الاستخبارات الأمريكية (
سي آي إيه).
وتنشر اليوميات في وقت تتعالى فيه أصوات دعاة الحريات المدنية لإطلاق سراح كاتبها. ويصف ولد صلاحي رحلة التعذيب والإهانة، التي بدأت من بلده موريتانيا قبل 13 عاما، ومنها إلى الأردن وأفغانستان، قبل نقله أخيرا إلى
معتقل غوانتنامو في كوبا في آب/ أغسطس عام 2002، حيث أصبح السجين رقم 760.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين تأكيدهم أن ولد صلاحي لن يفرج عنه العام المقبل، رغم عدم توجيه تهم إليه، ولم يصدر القاضي قرارا بالإفراج عنه.
ويبين التقرير أن اليوميات، التي كتبها ولد صلاحي بالإنجليزية، تتناول حرمانه من النوم، وتوجيه التهديد له بالموت، والإهانة الجنسية، إضافة إلى تلميحات بأن جلاديه سيلاحقون أمه.
وتذكر الصحيفة أن ولد صلاحي بعد تعرضه لهذا كله، طبق عليه "أسلوب تحقيق إضافي"، صادق عليه شخصيا وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد. فقد عُصبت عيناه، وأجبر على شرب الماء المالح، ثم أخذ إلى البحر، ووضع في قارب بمحركات سريعة، وضرب لثلاث ساعات وهو مغمور في الثلج.
وتتابع "الغارديان" بأن ولد صلاحي اضطر بعد تعذيبه إلى الكذب. وقام باختلاق عدد من الاعترافات، في محاولة منه لإنهاء معاناته. وأخبر المحققين أنه خطط لتفجير برج "سي إن" في مدينة تورنتو الكندية. وعندما سأله المحققون عما إذا كان يقول الحقيقة، أجاب: "لا يهمني ما دام كلامي يعجبكم، وإن كنتم راغبين بالشراء فسأبيعكم".
ويفيد التقرير بأنه قبل خروج مخطوطة يوميات ولد صلاحي من السجن، تعرضت لرقابة وشطب في 2500 موضع، لحماية المعلومات السرية، ولكنها ستمنع القراء من الاطلاع على القصة الكاملة، وما تعرض له من تعذيب.
وتشير الصحيفة إلى أن الكتاب سينشر في بريطانيا، ويحمل العلامات التي تشير للحذف والرقابة. وتأمل دارا النشر "كانونغيت" في بريطانيا، و"ليتل براون" في الولايات المتحدة، بنشر نسخة كاملة من اليوميات، بعد الإفراج عن المعتقل ولد صلاحي.
ويجد التقرير أنه رغم إصدار محكمة فيدرالية أمرا بالإفراج عنه؛ لأن الأدلة ضده ضعيفة وتأثرت بالتعذيب، إلا أن ولد صلاحي لا يزال قابعا في السجن منذ عام كانون الأول/ ديسمبر 2012. وقد عرقلت وزارة العدل الإجراءات عندما استأنف الحكم. وهو ما دعا عددا من المسؤولين لتأكيد أنه لن يكون ممن سيفرج عنهم هذا الأسبوع.
وتحدث أحد المسؤولين للصحيفة، طالبا عدم الكشف عن اسمه، قائلا: "نركز على الأفراد ممن صودق على الإفراج عنهم، وولد صلاحي ليس واحدا منهم".
ويورد التقرير أن ولد صلاحي يصف في يومياته أثر التعذيب والانتهاك الذي تعرض له على عقله وجسده، قائلا: "بدأت بالهلوسة وسماع أصوات واضحة جدا، وسمعت صوت أفراد عائلتي وهم يتحدثون أحاديثهم العادية، وسمعت صوت قارئ للقرآن الكريم بصوت ثقيل، وسمعت موسيقى بلدي. وبعد فترة أخذ الحرس يستخدمون هذه الهلوسات ويقلدونها بصوت ساخر، وشجعوني على الهجوم على الحارس، والتخطيط للهرب، لكنني لم أمض معهم، رغم أنني (لعبت لعبتهم). وكانوا يقولون لي سمعنا صوتا يشبه صوت الجني، وأجبت (صحيح، ولكنني لم أسمعه، وكنت على وشك أن أخسر عقلي)".
وتلفت الصحيفة إلى أن اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بدأ بحملة تواقيع على الإنترنت تدعو للإفراج عن ولد صلاحي. وقالت مديرة المشروع الوطني للاتحاد، هينا شمسي: "ولد صلاحي رجل بريء قامت الولايات المتحدة بتعذيبه، وهو معتقل بشكل غير قانوني لأكثر من عقد، ولا يمثل تهديدا على الولايات المتحدة، ولم يشارك بأعمال عدوانية ضدها".
وتضيف شمسي: "نطالب الحكومة بوضع حد لعذاب ولد صلاحي الطويل، ونطالبها بالتوقف عن متابعة قضيته، والإفراج عنه دون تأخير. ونأمل أن ينضم إلينا كل شخص ممن حركت قصته والتعذيب الذي تعرض له واعتقاله غير القانوني، مشاعره، للمطالبة بالإفراج عنه"، بحسب "الغارديان".
ويكشف التقرير عن أن ولد صلاحي (44 عاما) قد سافر مرتين إلى أفغانستان في التسعينيات من القرن الماضي. وهناك انضم للقتال إلى جانب القاعدة ضد السوفييت، وبعدها قطع علاقاته مع القاعدة عام 1992.
وتذكر الصحيفة أنه اعتقل بعد هجمات سبتمبر بتهمة التآمر لتفجير مطار لوس أنجلوس الدولي، حيث كان يعيش في كندا عام 1999. ولم تقدم أي أدلة لدعم الاتهام ضده، غير الاعترافات التي قدمها للمحققين. وفي عام 2004 رفض محام عسكري الاضطلاع بمهمة الادعاء ضده؛ لأن الدليل ضده أُخذ تحت التعذيب. وقال مدير لجنة الادعاء العقيد طيار موريس ديفز إنه لا يجد أي تهمة ليوجهها ضد ولد صلاحي.
وينقل التقرير عن محامية المعتقل نانسي هولاندر، قولها إن "ولد صلاحي لم توجه إليه أي تهمة، ولم توجه له الولايات المتحدة أي تهمة لجرم ارتكبه، ولا توجد جريمة ضده، فليست القضية أنهم لم يجدوا دليلا يدينه، بل الحقيقة أنه لا يوجد دليل ضده، ويمكن أن أصف حالته أنه في متاهة قانونية مروعة، وهذا تراجيدي، ويجب أن يعود إلى بلاده".
وتضيف هولاند للصحيفة: "يأخذنا كتاب ولد صلاحي في رحلة إلى قلب هذا الرجل، الذي عذبته الولايات المتحدة ووضعته في سجن لا نهاية له، ونشعر به ونشم حتى رائحة التعذيب الذي تعرض له، ونسمع صوته ومن داخل قلبه. وهو كتاب يجب على كل شخص قراءته".
ويقول ناشر كتابه جيمي بينج، إن قصة ولد صلاحي هي من أهم الكتب التي تصدرها دار "كانونغيت"، واصفا الكتاب بأنه "كتاب لطيف، قاس، يجعلنا نتواضع أمام تجربته، في بعض الأحيان مثير للضحك، وفي الكثير من الأحيان يثير غضبنا، ولكنه في النهاية شهادة تجعلك تحبس أنفاسك، كتبها كاتب موهوب. ونأمل مع بقية الناشرين الدوليين أن نقدم قصته للعالم، ونسهم في نهاية سجنه القاسي والبربري"، وفق التقرير.
وتوضح الصحيفة أن نشر كتاب ولد صلاحي يأتي بعد تقرير واسع وشاجب لممارسات الاستخبارات الأمريكية، أعدتها لجنة في الكونغرس الأمريكي. ويتزامن مع وصول الغالبية الجمهورية إلى الكونغرس، التي ضاعفت جهودها لمنع الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الوفاء بتعهداته، التي قطعها على نفسه بإغلاق سجن غوانتنامو.
ويعمل أوباما على تخفيض أعداد السجناء في غوانتنامو في العام الحالي، وأفرج يوم الأربعاء عن خمسة معتقلين، حيث نقلوا إلى عمان وإستونيا.
ويظهر التقرير أن 122 سجينا بقوا في السجن، منهم آخر معتقل بريطاني وهو شاكر عامر، المولود في السعودية والمقيم في بريطانيا. وتوقع الكثيرون أن يطرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون موضوع عامر في محادثاته مع أوباما يوم الجمعة. مع أن المسؤولين البريطانيين طرحوا موضوعه مع نظرائهم الأمريكيين أكثر من خمس عشرة مرة في السنوات الخمس الماضية.
وتورد الصحيفة أن مسؤولين أمريكيين قالوا في الماضي إنهم غير مقتنعين بجدية الحكومة البريطانية في مطالبها للإفراج عن عامر، ليعود وينضم لعائلته وأولاده في لندن.
وتخلص "الغارديان" إلى أنه رغم عدم اعتبار الولايات المتحدة ولد صلاحي تهديدا أمنيا، وأنه يعيش في مكان خاص، إلا أن الأمريكيين يؤكدون أن لديهم المبرر القانوني للإبقاء عليه رهن الاعتقال. ويقول المتحدث باسم وزارة الدفاع، الكولونيل مايلز كاغين: "لا نزال نعتقل ولد صلاحي بناء على قانون استخدام القوة العسكرية عام 2001".