مقابلات

رشدي: قطر تعرضت لضغوط رهيبة والثوار سيتوحدون قريباً

د. أسامة رشدي (أرشيفية)
تغير الموقف التركي مرهون بوجود حل سياسي عادل للأزمة المصرية

صراع مراكز القوى داخل سلطة الانقلاب سيتصاعد خلال الفترة المقبلة

نظام السيسي نسخة سيئة ومهترئة عن نظام المخلوع حسني مبارك

ثورة 30 يونيو كُرست لعسكرة الدولة وإنهاء حلم الشعب في الحرية

عزل رئيس جهاز المخابرات جزء من صراع الأجنحة داخل النظام

عندما يدرك الانقلاب فشله ستتوافر الإرادة للوصول إلى حلول سياسية

المجتمع الدولي في أزمة.. ومواقف كثير من الدول تجاه النظام ليست مبدئية

الغرب يتغاضى عن جرائم الانقلاب لأن نظام السيسي ينفذ حلم "إسرائيل"

التغيير الحقيقي لن يحدث بإذن أمريكا أو أوروبا.. ونعول على الشعب فقط


أكد الدكتور أسامة رشدي، المستشار السياسي لحزب البناء والتنمية، عضو المكتب التنفيذي للمجلس الثوري المصري، أن ثوار يناير سيتوحدون قريباً جداً على أسس واضحة تستهدف إسقاط سلطة الانقلاب.

واعتبر في حوار خاص لـ"عربي 21" أن عزل رئيس جهاز المخابرات فريد التهامي والمقربين منه هو جزء من "صراع الأجنحة والأجهزة داخل النظام"، متوقعاً تصاعد "صراع مراكز القوى داخل سلطة الانقلاب خلال الفترة القريبة القادمة".

وحول ما قيل إنها "مصالحة مصرية قطرية" أشاد رشدي بالدور القطري تجاه الحراك الثوري بمصر، وقال إن هناك ضغوطاً رهيبة تمارس على قطر، مؤكداً أن "الثورة لن تتأثر بإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر".

وحول إمكانية تغير الموقف التركي من الأزمة المصرية على غرار قطر، أوضح أن تركيا دولة كبيرة، وليس من السهل التأثير على مواقفها المبدئية، معتقداً أن تغير الموقف التركي سيكون مرهوناً بوجود حل سياسي عادل للأزمة المصرية.

وفيما يلي نص الحوار:

* هل فشل الحراك المناهض للنظام في ظل استكمال خطوات "خارطة الطريق"؟ وما الذي استطعتم تحقيقه على أرض الواقع حتى الآن؟

- المؤكد هو أن الحراك الثوري المناهض للانقلاب لم يفشل، بل بات صمود الثوار في الشوارع والجامعات محط أنظار العالم، حتى إن مجلة التايم الأمريكية اختارت المتظاهرين المصريين في المرتبة الثانية لشخصيات العام.

ومن ناحية أخرى؛ أين هي خارطة الطريق هذه؟ نحن لم نر إلا خارطة طريق للاستبداد، وعسكرة الدولة، وانتهاك حقوق وحريات الشعب، وتكميم أفواه الإعلام وتحوّله لأبواق للأجهزة الحاكمة.

كما أننا لم نر أيضاً أي مشروع ديمقراطي أو حقوقي، بل مئات من القوانين والقرارات الاستبدادية بعد أن تجمعت السلطات الفرعونية في يد قائد الانقلاب منذ 17 شهراً، ولا نرى إلا تهيئة لتزوير الانتخابات النيابية التي لا يزال الانقلاب يعجز عن تنظيمها بعد أن تجاوز كل المواعيد التي قررها دستوره.

* ما تقييمك لأداء نظام عبدالفتاح السيسي؟ وهل تعتقد أن الأوضاع قد استقرت له؟

- نظام السيسي نسخة سيئة ومهترئة عن نظام المخلوع حسني مبارك، فهو لا يملك رؤية ولا مشروعاً، وأصحابه يتخبطون، وأداؤهم من سيئ إلى أسوأ في كل المجالات. وهناك انهيار في نظام العدالة وحقوق الإنسان، وانهيار اقتصادي أيضاً، حيث بات الدولار على أعتاب الـ 8 جنيهات، ولا يوجد أمام الانقلابيين إلا المزيد من الاقتراض الداخلي والخارجي والتسول الدولي.

وبعد انهيار أسعار النفط، واختلال موازنات الداعمين الإقليميين للانقلاب، وفي ضوء استمرار الانهيار الأمني والتحذيرات من السفر إلى مصر، بالإضافة إلى الأزمة السياسية؛ فإنه لا يمكن توقع أي نجاح، وما لم تشهد مصر إصلاحاً سياسياً حقيقياً؛ فالفشل الذريع سيكون في كل الاتجاهات.

المحصلة أن السيسي فقد في أشهر قليلة ما اعتقد أنها شعبية جارفة، حيث انفضت عنه معظم القوى التي استجارت به، وهناك اتساع لدائرة المعارضة التي ستتوحد يوما ما لمواجهته.

* ما هي أبعاد عزل رئيس جهاز المخابرات فريد التهامي؟

- عزل التهامي والمقربين منه؛ هو جزء من صراع الأجنحة والأجهزة داخل النظام، الذي يعكس مظاهر عدم الاستقرار، فهذا نظام تديره العديد من مراكز القوى، التي تتبادل المصالح مع الفساد ورموزه، وهم يريدون نظاماً سياسياً غير وطني؛ يتناسب مع متطلباتهم فقط، وليس متطلبات مصر.
وأعتقد أن صراع مراكز القوى داخل سلطة الانقلاب سيتصاعد خلال الفترة القريبة القادمة.

* ما تقييمك لأداء تحالف دعم الشرعية، وخصوصاً بعد الانسحابات المتوالية منه؟ وما رأيك بمواقف الأحزاب المنسحبة بعدما فشلت في تشكيل "المظلة الأوسع من التحالف" بحسب مراقبين؟

- التحالف الوطني لدعم الشرعية لا يزال هو المظلة التي تقود الحراك الثوري في الشارع، على رغم ما يتعرض له الثوار من قتل واعتقال وتعذيب وتلفيق قضايا، وإلى هذا التحالف يعود الفضل بعد الله في الحفاظ على أهداف ثورة 25 يناير التي سحقها الانقلاب.

ومن الطبيعي أن تتباين مواقف بعض الأحزاب التي كانت مشاركة فيه؛ لأنه تحالف محدود، وليس اندماجاً بين الأحزاب، ولكن هذه الأحزاب المحترمة لم تخرج من التحالف لتنحاز للانقلاب، بل جميعها على العهد وفي نفس الصف.

وإن كل من راهنوا على أن خروج بعض الأحزاب سيوقف أو يُضعف الحراك الثوري على الأرض هم واهمون، فهذا الشعب لم يعد ينتظر أحداً حتى يقوده، وهو يسبق الجميع، وقيادات التحالف تستمد ثباتها من صمود النساء والرجال والشباب والأطفال.. هذا الحراك يربي أجيالاً، وسيخلق طبقة سياسية لم تعرفها مصر من قبل.

* ما رأيك بأداء المجلس الثوري المصري بعد مضي حوالي 5 أشهر على تدشينه؟

- المجلس الثوري هو مظلة للعديد من التجمعات المصرية في الخارج، فالمصريون في الخارج كانوا دائماً العمق والظهير للحراك السياسي في مصر قبل وبعد الثورة، ومن الطبيعي أن يهبوا لإسناد إخوانهم في مصر بعد الانقلاب.

وما يميز المجلس الثوري؛ هو أنه نموذج لتجمع متعدد الأيديولوجية، فالتواجد المصري في الخارج متنوع، وقد نجح المصريون بالخارج في تكوين جماعات ضغط في البلاد التي يقيمون فيها، وملاحقة الانقلابيين أينما ذهبوا، ومخاطبة الدول التي يقيمون فيها بهدف التأثير في مواقفها لصالح الثورة وضد الانقلاب، ولديهم حضور حقوقي وإعلامي وسياسي، فالثورة وتضحيات شعبنا في مصر تلهب المشاعر، وكل يوم نتعلم ونتطور للوصول للمستوى المطلوب لخدمة قضيتنا.

* هل من تفاصيل حول تواصلكم مع الدول الخارجية، وطبيعة مواقفها وردودها عليكم؟

- نحن لا تداعبنا أوهام تتعلق بما يسمى المجتمع الدولي، وندرك أن مواقف الكثير من الدول ليست مبدئية، وإنما تقوم على المصالح، وفي نفس الوقت ندرك أنهم في أزمة لأنهم أدركوا ويدركون أن القمع يولد الغضب والعنف، وأن تراكم هذه الظروف ربما يهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، وندرك أنهم مأزومون عندما يواجَهون بسيل الانتهاكات غير المسبوقة للانقلابيين في مجال حقوق الإنسان.

ولذلك؛ رأينا في جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر في جنيف كمّ التوصيات التي عكست قلق هذه الدول، رغم أن كل دولة كان يُسمح لها بالحديث لمدة دقيقة فقط.

والذين التقينا بهم من ممثلي هذه الدول عبّروا عن فهم جيد لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، ولكن "حقوق الإنسان" هي واحدة من أوراق عديدة تحدد مصالح هذه الدول في التعامل مع الانقلاب، ونحن نفهم ذلك.

* ما تأثير وقيمة البرلمان الموازي الذي تم الإعلان عنه مؤخراً في تركيا؟ وما هو توقعكم لمستقبله وتأثيره على المشهد السياسي؟

- هذا ليس برلماناً من الناحية الدستورية والقانونية، ولكنها جلسات لبرلمانيين منتخبين يشعرون بالمسؤولية تجاه الانهيار الدستوري والقانوني الذي يقوم به الانقلاب عبر تشريع قوانين بمراسيم مدمِّرة للحقوق والحريات، ومفرطة في حقوق الوطن الاقتصادية والسيادية، ومن الطبيعي أن يتداعوا لمواجهة هذا الأمر بما يملكونه من شرعية.

وهذا الكيان ليس سياسياً ولا حقوقياً، وإنما هو كيان برلماني شرعي ثوري؛ يحق له مواجهة الانهيار الحادث في مصر، ومخاطبة برلمانات العالم، والتحضير لمنظومة تشريعية مستقبلية تحقق أهداف ثورة 25 يناير.

* وهل تعتقدون أن جهات دولية ستعترف بهذا البرلمان الموازي؟

- ليس من المهم أن يعترفوا به أو لا يعترفوا، فعلى كل الأحوال لن يستطيعوا إنكار أنهم نواب، وأن لهم آراء ينبغي الاستماع لها، فعلى أقل تقدير أنت تخلق حالة من التوازن، وتُعلم الجميع بأن الاتفاقات التي يبرمها الانقلاب لن يتم الاعتراف بها؛ لأنها أبرمت من قبل جهة مغتصبة للسلطة، وهذا يمكن البناء عليه في المستقبل بإذن الله.

* البعض طالب المعارضة بتشكيل حكومة منفى. فما مدى إمكانية حدوث ذلك؟

- فكرة حكومة المنفى ربما تجاوزها الوقت، والعمل الثوري لا يحتاج إلى حكومة، وهذه قضية متروكة لكل القوى الفاعلة من أحزاب وكيانات ثورية لبحثها في المستقبل إن كان هناك جديد.

* لماذا مُنيت كل دعوات توحد ثوار يناير بالفشل؟

- لا يوجد فشل، بل الحقيقة أن كل يوم يمضي يقرّب المخلصين من ثوار يناير إلى بعضهم البعض، ويكشف المرتزقة الذين تاجروا بالثورة وهم يعتقدون أنهم سيحصدون المغانم، وكل يوم يشهد انفضاض ما يمكن أن تسميه قوى 30 يونيه التي خُدعت وظنت أنها تقود حركة تصحيح، ولم تدرك إلا متأخراً أنها شاركت في ثورة مضادة لتكريس عسكرة الدولة، وإنهاء حلم الشعب في الديمقراطية والحرية.

وقريباً جداً سيتوحد ثوار يناير على أسس واضحة تستهدف إسقاط الانقلاب، والاتفاق على أسس بناء الدولة وفق مشروع ديمقراطي تشاركي لا يقصي أحداً.

* هل تؤيدون وجود كيان ثوري جامع لكل ثوار يناير؟ وما فرص وجوده في ظل الخلافات الكبيرة بينكم؟

- بالفعل نحن نؤيد وجود كيان جامع وطيف واسع من القوى التي باتت تدرك خطورة ما وصلنا إليه، والخلافات ليس كبيرة، ونحن لسنا في عجلة، وكل يوم تنضج الأمور ونقترب من تحقيق الهدف، وإن تعذر الكيان الجامع؛ فليس أقل من وجود جبهة وطنية تكون مظلة للتنسيق بين الكيانات الموجودة.

* ما تقييمك لمواقف المجتمع الدولي وتحديداً أمريكا والاتحاد الأوروبي تجاه الأحداث في مصر؟ وهل تتوقعون تغيير مواقفهم مستقبلاً من الأزمة المصرية؟

- بالتأكيد هناك أزمة في التعاطي مع النظام الانقلابي في مصر، ولكن بما أن السيسي ينفذ أحلام "إسرائيل" ويعمل في خدمتها؛ كما هو حاصل اليوم في سيناء من هدم لمنازل المصريين وإنشاء منطقة عازلة على حدودها بعمق 5 كيلومتر، وإمعان في محاصرة غزة لتركيعها، فإن ذلك كله يدفع الغرب إلى التغاضي والتعامي عن جرائم الانقلاب في مصر.

ونحن ندرك أن التغيير الحقيقي في مصر لن يحدث بإذن أمريكا أو أوروبا، ولكنه شأن مصري خالص، فنحن نعوّل على الشعب المصري، ونقيم الحجة على الآخرين الذين صدّعونا بالحديث عن الديمقراطية التي يتآمرون عليها، وعلى حقوق الإنسان، في الوقت الذي يرونها تُسحق في مصر.

ما رأيكم بالمصالحة المصرية القطرية؟ وما هي انعكاساتها على الحراك الثوري، وخاصة بعد غلق قناة الجزيرة؟

- نحن نقدّر لقطر دورها المتميز الذي جعل لها دوراً كبيراً يفوق حجمها بمراحل في دعم خيار الشعب المصري ودعم ثورته. وندرك حجم الضغوط الرهيبة التي تمارس عليها، وندرك أن قناة الجزيرة لم تصنع الثورة، بل ساهمت في الحوار العام الحر الذي أتاح الفرصة لأصحاب الحق بالتعبير عن آرائهم، في الوقت الذي تحول فيه الإعلام المصري إلى إعلام أمني يكمم الأفواه، ويرزح تحت وطأة الرقابة والعسكرة.

ولن يتأثر الحراك الثوري بإغلاق قناة، فالحمد لله لدى الثورة الآن منابر حرة أخرى، وإنّ فرَحَ النظام اليوم بإغلاق "الجزيرة مباشر مصر" يُظهر قوة قطر وضعف نظام الانقلاب الذي بات مرعوباً من الكلمة الحرة التي تفضحه وتكشف زيفه.

وهذا يؤكد أن مشروع الانقلاب يهدف إلى تكميم الأفواه، وغلق القنوات، وإرهاب الأقلام الحرة، ولكنه يغفل عن أنه لا يمكن لأحد اليوم السيطرة على السموات المفتوحة وفضاء الإنترنت.

* ماذا عن الموقف التركي.. هل تعتقد أنه قد يتغير خلال الفترة المقبلة؟

- تركيا دولة كبيرة، وليس من السهل التأثير على مواقفها المبدئية، وليس صحيحا أن تركيا تدعم الإخوان المسلمين، والرئيس أردوغان كان من المبادرين بتهنئة الرئيس التونسي المنتخب قائد السبسي، ولو أن التغيير الذي جرى في مصر تم بشكل ديمقراطي لما عارضه أحد، وبما أن تركيا لديها تاريخ طويل من المعاناة بسبب الانقلابات العسكرية؛ فإنها تدرك حجم الظلم وأهمية أن تقف بجانب المظلوم؛ كما تقف الآن بجانب الشعب السوري والكردي.

ولذلك؛ أعتقد أن تغير الموقف التركي سيكون مرهوناً بوجود حل سياسي عادل للأزمة المصرية.

* ما رأيك بفوز السبسي برئاسة تونس؟ وهل سيؤثر ذلك على الثورة المصرية؟

- أعتقد أن تونس هي الفائزة بترسيخ نظام ديمقراطي يسمح بتداول السلطة أياً كان الفائز.. المهم هو العمل على تحقيق أهداف الثورة التونسية وعدم الانقلاب عليها، ونتمنى لتونس وشعبها كل الخير.

أما الثورة المصرية؛ فهي تعاني من حالة الاستنزاف المدمِّر لمصر التي تحولت لدولة فاشلة تعاني من انعدام الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي؛ لأن النخبة السياسية رفضت الاحتكام لصندوق الانتخاب، واختارت الدبابة والقناصة، والزج بالجيش في مواجهة الشعب، مع أنه كانت أمامنا فرصة كبيرة لانتخاب مجلس نواب كان سيشكل الحكومة التي تتمتع بصلاحيات واسعة في الحكم.

* ما هي فرص الوصول لحل سياسي للأزمة في مصر؟

- عندما يدرك الانقلاب أنه لا يستطيع حكم البلد بالقتل وتلفيق القضايا والتعذيب والاعتقال، وأن مصر ليست سجناً ولا معسكراً كبيراً؛ ستتوافر الإرادة للوصول لحلول سياسية.