كتاب عربي 21

تركيا.. خطوات نحو العلويين

1300x600
الحكومة التركية رفعت قبل اندلاع ثورات الربيع العربي شعار "تصفير المشاكل" في سياستها الخارجية، وبذلت جهودا حثيثة لحل مشاكل تركيا مع جيرانها، وتبنت سياسة الانفتاح على جميع الاتجاهات. وبالتوازي مع هذه الجهود، حاولت أيضا للمصالحة مع جميع مكونات المجتمع التركي وحل مشاكلها الداخلية.

ومن أبرز تلك الجهود المبادرات التي أطلقت لإنهاء الصراع الدموي مع حزب العمال الكردستاني وحل مشاكل العلويين، لتحقيق السلام الداخلي وتفويت الفرصة على القوى الإقليمية والدولية المتربصة التي تستغل مثل هذه القضايا وتحرِّكها وفقا لمصالحها كأوراق الضغط على أنقرة.

هذه المبادرات واجهت عراقيل كثيرة سواء بسبب طبيعة المشاكل التي تسعى الحكومة لحلها أو لفعل فاعل لا يريد أن يفقد الورقة التي يمسك بيدها لاستخدامها وقت الحاجة، إلا أن الحكومة أبدت عزيمة ورغبة صادقة في المضي قدما نحو هدف السلام الداخلي، وأحيت المبادرات من جديد كلما أوشكت أن تموت. وكإحدى أهم ثمار الجهود المبذولة من خلال مبادرات الانفتاح، قطعت مفاوضات إنهاء الصراع المسلح مع الأكراد الانفصاليين شوطا كبيرا وبدأ الحديث بشكل جاد عن موعد إعلان حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح في الأراضي التركية.

وعلى صعيد الانفتاح على العلويين، عقدت خلال السنوات الماضية لقاءات عديدة شارك فيها مسؤولون من الحكومة التركية وشخصيات من الطائفة العلوية للاستماع إلى مطالب العلويين والبحث عن سبل حل مشاكلهم. ومن أبرز مطالب العلويين إلغاء رئاسة الشؤون الدينية وعدم بناء المساجد في القرى العلوية وعدم تعيين أئمة لها، واعتبار "بيوت الجمع" رسميا دور عبادة للعلويين، وإلغاء الدروس الدينية الإجبارية في المدارس، ودراسة معتقدات العلويين ابتداء من مرحلة المتوسطة، بالإضافة إلى تعيين وزراء ومستشارين ومسؤولين كبار من أبناء الطائفة العلوية.

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قام قبل حوالي عشرة أيام بزيارة لمحافظة تونجلي التي تعتبر معقل العلويين والتقى خلالها ممثلي الطائفة والمجتمع المدني، وزار أحد بيوت الجمع واستلم ورقة سجلت فيها مطالب العلويين وشدد على عدم التمييز بين المواطنين. وبعد زيارته لمحافظة تونجلي، اجتمع داود أوغلو مع ممثلي العلويين أمس الثلاثاء في مأدبة العشاء بمقر رئاسة الوزراء ووعدهم بإصلاحات قانونية لتلبية مطالب العلويين.

محافظة تونجلي وقعت فيها مذبحة درسيم في أواخر عهد أتاتورك وراح ضحيتها آلاف من المدنيين، وقام الجيش في عامي 1937 و1938 بقمع التمرد في المنطقة، وشاركت في العملية صبيحة كوكجن، أول طيار تركي من النساء، وقصفت سكان المنطقة المختبئين في المغارات بالغاز السام، وهي إحدى البنات اللاتي تبناهن أتاتورك، وأطلق اسمها على المطار الدولي الثاني في إسطنبول. في عام 2011، قدّم رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان اعتذارا رسميا باسم الدولة التركية عن مذبحة درسيم وقال إنها واحدة من أكثر الأحداث مأساوية في تاريخ تركيا الحديث.

وعلى الرغم من أن أتاتورك ورجاله هم من قاموا بمذبحة درسيم، وهم من قتلوا وشردوا آلاف من المدنيين، وهم من غيَّروا اسم المحافظة من درسيم إلى تونجلي وهم من أطلق اسم صبيحة كوكجن على المطار الثاني بإسطنبول، وقف العلويون دائما إلى جانب الأتاتوركيين وأيَّدوا حزب الشعب الجمهوري الذي أسَّسه.

العلويون في تركيا منقسمون حول هويتهم الدينية؛ فبعضهم يرون العلوية كمذهب في الإسلام بينما يراها آخرون دينا يختلف عن الإسلام ويصرحون بأنهم ليسوا بمسلمين. وفي إطار الانفتاح على العلويين، هناك من يسعى لدفع الحكومة إلى توحيد الطائفة العلوية وتشييعها بحجة أن لب المشكلة هي بعد العلويين عن "علوية علي" ويقصدون بها الشيعة الاثني عشرية. ويقول البروفسور حسين خاتمي، وهو من عائلة إيرانية شيعية اثني عشرية هاجرت إلى تركيا ومقرب من الحكومة التركية، في حديثه لصحيفة صباح التركية إن العلويين في تركيا سوف يعودون آجلا أم عاجلا إلى أصولهم، في إشارة إلى الشيعة الاثني عشرية. وإن تم تشييع العلويين على يد الحكومة فإن ذلك سيكون خدمة مجانية قدمت إلى إيران على طبق من ذهب.

ليس من الواجب على الحكومة في النظام الديمقراطي العلماني أن تتدخل في معتقدات المواطنين، بل الواجب عليها توفير حرية العبادة للجميع والمساواة بين المواطنين. وبعد ذلك، فإن من يعتقد أنه ليس مسلما بل يؤمن بأن دينه "العلوية" فهو حر في معتقده.