قضايا وآراء

ثلاث خيارات أمام السلطات اليمنية

1300x600
ليس عبثاً القول إن الحكومة اليمنية الجديدة «ولدت ميتة»، فهي لم تحصل على توافق المكونات السياسية، ولم تحظ بقبول شعبي واسع، وطريقة تشكيلها اتسمت بالتخبط والعشوائية، كحال معالجة كل قضايا الوطن المصيرية.

الحكومة «الميتة» تؤشر إلى أن السلطة اليمنية تعيش خارج الواقع ومقتضياته، الرئيس يكاد يكون تحت الإقامة الجبرية، وأعضاء الحكومة يخضعون للتفتيش من ميليشيا الحوثي، ووزارة المالية والبنك المركزي لا يصرفان فلساً واحداً دون موافقة اللجان المالية التابعة للحوثي، فعن أي حكومة نتحدث؟!

بالمقابل ظهر الرئيس عبدربه منصور هادي في محاولاته لإخراج البلاد من أزمتها، بموقف العاجر المستكين، وانسحب العجز في قمة هرم السلطة، بتداعياته السلبية على مجمل مفاصل الدولة، وولد أزمات جديدة وانتكاسات كانت آخر ما ينتظره المواطن.

الرئيس هادي وضع الدولة ـ طوعاً أو كرهاً ـ بيد الحوثي وميليشياته المسلحة، إذ كان أول من طعن بمخرجات الحوار الوطني، وأدخل البلاد في ثقب أسود ربما لم تخرج منه قريباً.

سقوط الدولة بمكوناتها بيد الحوثي، يضع السلطة الحاكمة أمام عدة خيارات، كلها صعبة، أولها استمرار الرضوخ والخضوع للمليشيا الحوثية، والسماح لها بمواصلة التهام المحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى، وعندها يتأكد الجميع أن هادي أصبح رئيساً فخرياً وجندياً من جنود الحوثي.

هذا الخيار يفقد هادي دعماً إقليمياً ودولياً لا زال يحظي بنسبة كبيرة منه، بعد أن فقد الدعم الداخلي، ويعجل بظهور قوة جديدة باتت بوادر تشكلها تلوح في الأفق بقيادة إقليمي الجند وحضرموت.

الخيار الثاني أمام السلطة الحاكمة هو دخول الرئيس هادي مع ما تبقى له من جيش، في مواجهة مع الحوثيين وقوى المخلوع علي عبدالله صالح، وهنا تكون المعركة مفتوحة على حزمة احتمالات من الصعوبة بمكان تغليب أحدها على الآخر، في ضوء التعقيد في المشهد اليمني.

الاحتمال الأول لخيار المواجهة المسلحة، قد تمكّن الرئيس من الحصول على دعم عسكري خارجي يعيد له بعضاً من الدعم الداخلي المفقود، ولكن هذا الاحتمال رهن بتحول المواجهة إلى معركة واسعة وشاملة، ولا تقتصر على مناوشات ببعض الأقاليم النائية.

الاحتمال الثاني لخيار المواجهة أن تكون من خلف ستار، وعلى عدة جبهات، عسكرية بتوفير الدعم والسلاح لرجال القبائل المستعدين لقتال الحوثي وطرده، واستجداء الضغط الدولي على إيران لإعادة تقزيم الحوثي، رغم أن الأحداث على الأرض سبقت هذا الخيار، فالحوثي ومن خلفه إيران منتشون بنصرهم «العظيم»، والقبائل والقوى الوطنية غير مستعدة للتحالف مع رئيس باع بلده، وربما باتوا أقرب للتحالف مع القاعدة.

الخيار الثالث أمام السلطة الحاكمة هو المواجهة السياسية، وهذا ما يفضله الرئيس ومؤسسة الرئاسة ويدأبون على ترويجه على أنه الحل الأفضل لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، رغم أن نجاح هذا الخيار لا يختلف بحال عن ملء الغربال حتى حوافه بالماء، وبعد أن ظهر جلياً أن الحوثي يفهم لغة واحدة فقط هي لغة السلاح.

ومن غير المستبعد في ظل تأزم الوضع وزيادة تشابكاته، إقدام هادي على الاستقالة طوعاً أو كرهاً، وهذا الخيار ربما يربك تحالف الحوثي وعلي عبدالله صالح، ويفقدهم شرعية وجودهم، ويمنع حصول مواجهات عسكرية شاملة تدخل البلاد في نفق الحرب الأهلية، ويعيد الكرة لملعب الشعب، وتكون الفرصة مهيأة لبناء تحالفات تتأسس على مصلحة البلاد العليا، ولا تغفل مصلحة المواطن.

وأزعم أن يجد التحالف الجديد المتوقع تشكيله عند إقدام هادي على الاستقالة، حاضنة شعبية تمتد بطول البلاد وعرضها، ويجده العالم بديلاً مناسباً يمكن التعاون معه ودعمه اقتصادياً وعسكرياً لإعادة الاستقرار لليمن.

ولرب نازلة يضيــق لهــا الفتـى 
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها 
فرجت وكنت أظنها لا تفرج