مقالات مختارة

الرقة: "يوميات القتل العادي"

1300x600
كتب حسام عيتاني: يذكّر رد الفعل البليد الذي أحاط بمقتل أكثر من مئة مدني جرّاء غارات طيران النظام السوري على مدينة الرقة قبل أيام، بعنوان كتاب وضّاح شرارة «أيام القتل العادي».

وفيما أثارت الجرائم التي تحدث الكتاب عنها ضجة كبيرة في حينها والواقعة في الحيز السياسي المباشر كاغتيال رياض الصلح، أو على تقاطع الاجتماع والسياسة مثل مقتل موظفي صندوق تعاضد الأساتذة الثمانية في تسعينيات القرن الماضي، أطبق التجاهل المرفق ببيانات الإدانة الصادرة عن بيروقراطيين أصابهم الملل، على استهداف طائرات بشار الأسد تجمعات سكان الرقة، مفاقماً من «يومية» القتل و «عاديته» إلى الحد الذي يخرج الفعل من أي استثناء أو عزم على منع تكراره.

تغير الطائرات على الرقة هكذا؛ لأنها هدف سهل ومفيد لإظهار الأسد شريكاً في الحرب على الإرهاب الذي يحتل المدينة، ولأن المغيرين يعرفون أنهم سينجون من أي عقاب يزيد عن التنديد اللفظي من وسائل الإعلام ومن الحكومات والدول الكبرى.

أهداف سهلة ودماء رخيصة يقصفها ويدفعها بشار الأسد في قلب ساحة عمليات التحالف الدولي، الذي يعجز هو نفسه عن رسم خطة بسيطة ومفهومة (حتى لا نستخدم كلمة «استراتيجية») لما يريد تحقيقه من حربه على «داعش». وفي الوقت الذي يبقى القول للعسكريين في شأن المعرفة المسبقة لأجهزة التحالف بوقوع ضربة الطيران السوري (نظراً لخضوع الرقة كمنطقة عمليات للتحالف، لرقابة مستمرة استخبارية وعسكرية من قواته)، فإن تعامي الحكومات الغربية عما جرى في الرقة صباح الثلاثاء الماضي يفصح عن أمور عدة.

أولها وأفدحها، غياب الرؤية السياسية لكيفية التعامل مع نظام الأسد ومع «داعش» في آن، فالأحاديث الأميركية عن الحرب الطويلة تفسر أحوال قائلها، أكثر مما تفسر الوضع القائم ومستقبله، فهؤلاء الحائرون بين رطانتهم عن حقوق الإنسان واستهداف المدنيين و «وحشية قوات بشار الاسد» - على ما ورد في بيان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية - وبين إعاقتهم لأي ضغط جدي لفرض الحل السياسي على الأسد، لا يفعلون في واقع الأمر غير إرسال رسائل فارغة من أي مضمون إلى الأسد وحلفائه: ما من سياسة أو خطة أو قدرة على تحمل عبء وقف المذابح بحق السوريين. الفراغ الأميركي لا ترجمة له -بداهة- إلا التشجيع على المزيد من القتل المجاني.

ثانيها، أن توفر الضحايا الجاهزين للموت والصامتين الذين لا باكين عليهم ولا مطالبين بالعدالة لهم في الحكومات ووسائل الإعلام، يعيد إلى الأذهان قضية الاختلاف في المعايير وفي «قيمة» القتلى.

مثال بسيط، أن المقطع المصور الذي صور ذبح «داعش» رهينة غربياً ضم كذلك صور ذبح 18 جندياً سورياً. لم يبالِ أحد، خصوصاً نظام الأسد، بالقتلى السوريين الذين سقطوا ضحية وحشية لا تقل عن تلك التي تعرض لها الرهينة الغربي. كما لم يبالِ أحد بضحايا الرقة. فالقتلى أنواع وأصناف والإنسانية لا تغطي عينيها (على ما نجد في التماثيل التي تشخص العدالة)، ولا تتعامل مع البشر بالمعايير ذاتها. فكعب القتيل الغربي أعلى من كعب زملائه الجنود. ولا شك أن في أدنى اللائحة يقبع ضحايا الرقة الذين لم يحزن أحد لأجلهم غير أقربائهم المباشرين.

ثالثها، أن سلوك التحالف في تمييزه بين الضحايا، يصب الماء في طاحونة «داعش» ومقولة المظلومية السنّية، وتحمّل هذه الجماعة الخسائر البشرية والمادية الأكبر في صراعات المنطقة، التي تزداد سمات «اليومية» والعادية» فيها.



(صحيفة الحياة اللندنية)