"فوق الأرض شوية قصف، تحت الأرض حرب طاحنة".. هذا ما يقوله الناشط الإعلامي أبو عمر الداراني المقيم في مدينة
داريا المحاصرة بريف دمشق الغربي، في إشارة منه إلى
الأنفاق التي يحفرها النظام للوصول إلى المدينة، والتي يستخدم في حفرها واختبار خطورتها
الشباب والأطفال.
يقول أبو عمر في حديث خاص لـ"عربي21"، إنه بعد سيطرة الجيش النظامي على 40 بالمئة من مدينة داريا وفشله في التقدم أكثر، بات يلجأ إلى حرب من نوع آخر، وعلى الرغم من حشده أعدادا كبيرة من الجنود النظاميين وميليشيات حزب الله اللبناني متذرعين بالدفاع عن مقام السيدة السكينة في المدينة، إلا أنه فشل في دخول المدينة، مشيرا إلى أن تدخل الحزب بشكل علني كان بعد مرور ثلاثة شهور من بداية المعركة في المدينة فقط.
وبين أنه بعد محاولات الاقتحام هذه والتمهيد المدفعي الذي كان مركزه الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري لجأ النظام بداية إلى البراميل المتفجرة، حيث رمى في أول 15 يوما ما يقارب الـ 85 برميلاً أحدثت دمارا كبيرا في المباني السكنية ودور العبادة والمدارس، ليصعّد النظام بعدها حملته على المدينة ويرمي يوميا 22- 24 برميلاً متفجرا أحدثت دمارا أكبر، وأوقعت الكثير من الضحايا.
وأشار أبو عمر إلى أن حصيلة قتلى قصف الطيران هي 29 شهيدا، 16 منهم من عائلة واحدة، ومنهم ستة أطفال أيضا، بينما بلغ عدد الإصابات 200 إصابة ما بين أطفال ونساء.
يتابع أبو عمر بأنه بعد حرب البراميل المجنونة وجد النظام أن التقدم في المدينة في غاية الصعوبة بسبب الدفاع المستميت من أهلها، وهنا بدأت حرب الأنفاق تطحن المدينة، وأصبح النظام يفجر الأنفاق الموجودة بالقرب من نقاطه العسكرية ليأمن من هجمات الجيش الحر.
وبين أبو عمر أن الأمر الأسوأ من ذلك هو استغلال الشباب في مدينة دمشق وكفر سوسة بأعمال السخرة وحفر الأنفاق، إذ تم استقدام هؤلاء الشباب وتغييبهم لمدة أيام عن أهاليهم لاستغلالهم في حفر الأنفاق، وأكد أنه حتى الأطفال لم يسلموا من هجمية النظام بهذه الناحية.
وروى أنه في إحدى المرات تم وضع طفل في النفق وتفجيره، ما أدى إلى استشهاد الطفل، حيث لجأ النظام إلى هذه الوسيلة ليتأكد من أن النفق خالٍ من المواد المتفجرة التي يضعها الجيش الحر في حال دخلت فيه قوات النظام.
ويقول أبو عمر إن حرب الأنفاق بدأت مع بداية 2014، حيث حفر النظام ما يقارب الـ 42 نفقا وهدّم حوالي 19 بناء، فيما استشهد 15 شابا في هذه العمليات من داريا، وأغلبهم كانوا في الأبنية المتفجرة.
ولداريا أهمية كبرى لدى النظام والثوار على حد سواء، إذ تبعد المدينة عن القصر الرئاسي أربعة كيلومترات، لذا فإن النظام يستخدم جميع الوسائل الإجرامية فيها، بينما يستميت أهلها للدفاع عنها، بحسب أبي عمر.
ويبرر أبو عمر سبب استخدام النظام لهذه الوسيلة في داريا بالذات، بأن الجيش الحر المرابط هناك اكتسب خبرة كبيرة في هذه الحرب حتى بات الواحد من عناصره يستطيع أن يوقف اقتحام 1عشر دبابات، بينما يعمد النظام للتخلص من الثوار المرابطين هناك الذين هم من فئة الشباب المتعلم المثقف، الذي حمل على عاتقه مهمة المضي في الثورة وعدم الفصل بين العمل السلمي والمسلح، على حد قوله.
ويرى أبو عمر أن الغرض الأساسي من ذلك كله يكمن في إحساس النظام بالخطر لمجرد محاولة الجيش الحر التقدم نحو نقاطه.
وفيما عدا حرب الأنفاق، تسير الحياة في داريا بشكل طبيعي نوعا ما، وخفت وطأة
الحصار الذي كانت تعيشه المدينة سابقا، لكنه لم يتوقف، ويبلغ عدد المدنيين هناك 6000 مدنيا و650 طفلا.
ويشير أبو عمر إلى أن النظام مؤخرا حاول عرض هدنة على المدينة، واستمرت المفاوضات بين الطرفين، ووضع الجيش الحر عددا من الشروط لقبول الهدنة، جاء في مقدمتها الإفراج عن كل معتقلي داريا، وبخاصة السيدات، مبينا أنه بمجرد توقيع الهدنة فستخسر الثورة خاصرة دمشق كما خسرت سابقا مدنا وقعت هدنا مع النظام.