كتاب عربي 21

رحم الله الائتلاف السوري وغفر له

1300x600
مازالت المعارضة السورية -رغم كل ما ألم بها من إسقاطات لأجنة مشوهة- تصر على ألا توحد الصفوف وترصها، لتكوين البنية الصلبة المؤهلة لصد الضربات التي تعترض أي حلول قد تنقذ ما تبقى من سوريا أرضا وشعبا.

مناورات سياسية مكثفة، شنها المبعوث الأممي لسوريا "ستيفان دي متسورا"، بغية التوصل إلى حل سياسي يجمع المعارضة السورية المختلفة ونظام الأسد على طاولة واحدة، لأجل هدف واحد، ألا وهو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

لقد صرح ديمتسورا مسبقا بأن آلية عمله ستختلف عمن سبقه، فهو لم يبدأ بالتفاوض مع الهيئات السياسية للمعارضة، وإنما انطلق في مفاوضاته مع الجهات المقاتلة على الأرض.

يبدو أن ديمتسورا يحاول تجنب أخطاء من سبقوه، كعنان والإبراهيمي، وذلك بعد أن أيقن بأن أي حل لا بد أن يكون بالتفاوض مع أصحاب القضية والقرار الحقيقيين في سوريا، أي الفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض السورية، والتي تقاتل وتعمل من الداخل، وخصوصا بعد أن أدرك فداحة خطأ أن تفرض واجهة سياسية للشعب السوري في الفترة التي ثار بها على كل ما هو مفروض عليه من أنظمة وقوانين، وقد يكون هذا من أبرز العوامل التي ساهمت في جعل مهمة ممثلي الائتلاف والحكومة الوطنية صعبة أحيانا ومستحيلة أحيانا أخر، فالشعب السوري اليوم، يرفض ويشكك بأي قرار يصدر عن هيئاتهم وممثليهم حتى ولو صبّ في لب مصلحته.

ديمستورا يكثف جهودة في الآونة الأخيرة، من أجل تجميد القتال على الأراضي السورية وخصوصا في المناطق والطرق والمعابر المؤدية إلى مدينة حلب في شمال سوريا، وفي المقابل يسعى الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المنشق أو الأسبق، إلى كسر الجمود السياسي للمعارضة، ويفاوض الدب الروسي متسلحا بالأمل والنوايا الحسنة، وما تبقى من خير في الانسانية، عله يتوصل معه لحل شاف يوقف نزيف الدم السوري، ويمهد لأجواء هادئة تحتضن حوارا مجديا مع دمشق.

يبدو أن دي ميتسورا والخطيب يعملان بشكل متقاطع، وقد تلتقي المصالح والجهود، وتؤدي إلى حلحلة الأوضاع في سوريا، فرغم اختلاف النوايا، والأهداف، ونهج العمل لكل من ديميتسورا والخطيب إلا أنهما يلتقيان في عدد كبير من الأهداف دعونا نقرأها سويا.

بداية يهدف الخطيب إلى وقف نزيف الدم السوري الذي قد يتحقق جزء منه، في حال استجابت قوات الجيش الحر والنظام السوري إلى تجميد الاقتتال في مناطق النزاع المسلح التابعة لهما.

ثانيا: الخطيب يدعو ويرحب بالحوار المجدي مع دمشق، في الوقت الذي يسعى فيه ديميتسورا إلى إقامة شراكة سياسية بين المعارضة والنظام عن طريق استئناف الحوار السياسي بين الطرفين.

 ثالثاً: الخطيب قام بالاعتماد على فصائل عسكرية مقاتلة انطلق من مطالبها بعد استشارات جدية بين الطرفين قبل أي مفاوضات، وديمتسورا يسعى إلى مفاوضة الكتائب العسكرية الفاعلة على الأرض، فهما يجمعان على أن بيدها وحدها الحل والربط وكلاهما يتجاهلان كليا الائتلاف السوري بشكل واضح. 

وعند هذه النقطة تحديدا، لا بد أن نشير إلى موقف القيادة العسكرية للجيش الحر في حلب والتي رفضت الاطلاع على مبادرة التجميد التي يطرحها دي ميتسورا، قبل أن تتحقق أربع شروط ، ولو أطلعنا على هذه الشروط نجد أغلبها يتلاقى مع مساعي ديميتسورا والخطيب معا، كإيقاف براميل الموت والقصف الجوي الذي تشنه قوات الأسد، وخروج المليشيات الإرهابية التابعة للنظام وهذان الشرطان يتفقان مع مطالب تجميد القتال و إيقاف نزف الدم السوري، وأما الافراج عن المعتقلين في سجون النظام وخاصة النساء، فهو من أكثر مطالب الخطيب إلحاحا في مفاوضاته. ومن ثم نجد تسليم مجرمي الحرب الذي استخدموا الكيماوي ضد المدنيين وهذا المطلب بالذات يجب أن يسعى إليه ديميتسورا بجدية، لأنه يتفق مع قوانين الأمن والسلامة العالمية وليس السورية فقط .

أما عن دمشق وموقفها من المبادرتين فمازال النظام السوري يلتف حول ابداء مواقف ثابتة، ويسعى إلى توظيف أساليبه القذرة ، لإفشال أي جهود جدية لحل الصراع في سوريا وهو  يدرك تماما أن أي اتفاق مقبل حول سوريا، وأي حكومة قادمة لا مكان للأسد فيها، فها هو يصرح بأن مبادرة دي ميتسورا جديرة بالدراسة، وبكل تأكيد فهي بالنسبة إلى نظام الأسد حاجة في الوقت الراهن، ليستعيد تجميع قواته، ويمنح نفسه وقتا لحل مشكلاته الداخلية التي تأكل نظامه وتحول من مواليه إلى خصوم، وخصوصا بعد الاحتجاجات الكبيرة ضد الأعمال القذرة التي تمارسها قياداته مع المواطنين في المناطق التي تقع تحت سيطرته، ومن جهة أخرى فهي فرصة لإيقاف تقدم قوات المعارضة خصوصا في المناطق الشمالية والشرقية والتفرغ لمقاتلة تنظيم الدولة ، بالتالي نيل استحسان المجتمع الدولي وتعاطفه من خلال قتاله لتنظيم الدولة الاسلامية  .               

دمشق سوقت لقوانين أو مبادئ لا بد أن تلتزم في مبادرات وحلول قادمة، كوحدة الأراضي السورية، والاعتراف بالعدوان الخارجي على سوريا والارهاب الداخلي ،وغيرها ونحن نتفق بكل تأكيد مع دمشق على هذه المبادئ فأي حل قادم لا بد وأن يشمل وحدة الأراضي السورية والاعتراف بالعدوان الخارجي، والإرهاب الداخلي، ولكننا نختلف في تحديد المقصود بالعدوان الخارجي والمصنف ضمن قوائم الإرهاب الداخلي . واعتقد بأن المجتمع الدولي قادر على حل هذا الخلاف. 

وفي الختام نسأل: من هي الشخصية التي تتجرأ على المفاوضة مع المعارضة دون موافقة و دعم وإرشاد الأسد ؟ وهل يدرك الغرب أن هذه المهمة قد تكون أعقد من إيجاد اتفاق لتجميد الاقتتال في المناطق الساخنة ؟ 

وهل فعلا يمكن أن تتصالح المعارضة مع  نظام كالطاعون يفتك كل من يقترب منه ؟ 

وماذا يعني أن تسوق قنوات الفتنة، التابعة لنظام الأسد للشيخ معاذ الخطيب على أنه شخصية وطنية ! ألأجل أن تشكك به كمعارض عبر إعلامها وتبلغ هدفها في نسف ما تبقى من  صفوف المعارضة ؟  
 
والسؤال الأخير هل يعني استبعاد وتهميش الائتلاف السوري من التأسيس لأي جهود سياسية قادمة موته ؟ أو ليس إكرام الميت دفنه !