مقالات مختارة

تعديل دستوري في الأردن

1300x600
كتب بسام بدارين: مساحة القناعة بإنتاجية وجدوى وعوائد التعديلات الدستورية الأخيرة التي قررها البرلمان الأردني يمكن أن تزيد وتتضاعف إذا ما بددت دوائر القرار، فعلا لا قولا فقط، شكوك النخبة السياسية سواء في المعارضة أو في النظام نفسه، بمستقبل الخطوة المنتظرة بعنوان «حكومة أغلبية برلمانية».

الملك شخصيا كان قد ايّد وفي العديد من المناسبات برنامجا للاصلاح السياسي ينتهي بتشكيل حكومة اغلبية برلمانية ،لكن الخطوات من هذا النوع لا تزال بطيئة او تنمو ببطء، والكثير من الساسة ما زالوا يثيرون التساؤلات حول السقف الزمني الذي تتطلبه مرحلة الحكومة البرلمانية التي اقرنتها الحكومة بالتعديلات الدستورية عندما اقترحتها كسبب موجب.

الربط بين السياقين على الاقل في الشروحات الرسمية التي قيلت حتى الان او قدمت، لا يبدو موفقا، والطريقة التي عرضت فيها تعديلات الدستور تثير الكثير من الملاحظات، وأحسب ان هذه الملاحظات والتساؤلات وبصورة ادق حتى الاعتراضات ناتجة بشكل اساسي عن اخفاق النخب الرسمية، سواء في الحكومة او البرلمان واخفاق الاعلام الرسمي معها في شرح الرابط الحقيقي بين المشروعين.

لا احد يعرف كيف يمكن للمواطن الاردني ان يطمئن لسلامة الاتجاه نحو حكومة برلمانية، فيما تميل
النخب المحافظة التي تتصدر المشهد في دائرة القرار الى انتاج كمية هائلة من الرسائل التي
تعاكس اتجاهات رأس الدولة والقصر الملكي الاصلاحية.

لا توجد في الاردن عمليا شكوك بنوايا ومبادىء الاصلاح، ولكن بالمقابل لا توجد قرائن او ادلة على وجود نخبة اصلاحية وديمقراطية في الواقع الموضوعي والخارطة النخبوية يمكنها ان تبني وتمأسس عملية الاصلاح.

أغلب النخب الموجودة معيقة للديمقراطية والاصلاح وتحترف التخويف من هاجسين كبيرين هما سقوط الدولة المحتمل بيد الاسلاميين، والوطن البديل، ومع بقاء هذين الهاجسين كأسطوانة مشروخة تتردد بمناسبة وبدونها، سيبقى من الصعب على المواطن الاردني والمراقب المحايد شراء رواية الاصلاح او تصديق الخطاب الحكومي المتعلق بمنهجية الاصلاح البطيء والنمو الطبيعي في حواضن المجتمع.

نقولها بوضوح وللمرة الألف لا يمكن الاستعانة بطبقة من الكلاسيكيين وعتاة التيار المحافظ لطمأنة الرأي العام بخطوات اصلاح منهجية ودستورية كبيرة، ولا يمكن اقناع الناس بان المستقبل الاصلاحي سعيد ومفرح بواسطة نفس الوجوه التي تعهد لها مهام محددة في بناء الديمقراطية، وهي لم تمارسها يوما او تعبر عن ايمانها بها في اي لحظة.

الاصلاح الحقيقي لا ينتهي عند وضع وثائق وافكار ومقترحات اصلاحية، لكنه يبدأ باختيار رموز لعملية الاصلاح والتغيير الايجابي والديمقراطية يؤسس لها الديمقراطيون اصلا، ومن غير المنطقي ولا المعقول ان يطالب رموز العهود العرفية ببناء عملية اصلاحية، ولا من المنطقي مطالبة ممثل برلماني نجح بالتزوير او خدمته بوصلة العشيرة والجغرافيا بالتصويت لصالح عملية استقرار دستورية اصلاحية معمقة.

لا نشك اطلاقا بنوايا الاصلاح في المفردة الملكية ولا بحسن نية الدولة الاردنية، لكن نتحدث عن ملاحظات منهجية قد تساعد في الاجابة على السؤال المتعلق بأسباب عزوف الناس والمواطنين والمؤمنين بالاصلاح اصلا عن المشاركة في تأييد مشروع بناء المستقبل.

افكار ومقترحات مؤسسة القصر الملكي نبيلة ووطنية وتتحدث فعلا عن مستقبل افضل للاردنيين لكن تصرفات وسلوكيات واحيانا قرارات النخب والدوائر البيروقراطية تتحدث بعدة لغات في الاتجاهات المعاكسة تماما وبصورة لا تليق بسمعة الدولة الاردنية العميقة ولا بدور الاردن الاقليمي والانساني.

على هذا الاساس يمكن القول بأن الرابط في الجولة الاخيرة من الحوار حول التعديلات الدستورية وحكومة الاغلبية البرلمانية لم يكن متوفرا او مقنعا، رغم ان الثانية عرضت كسبب موجب للاولى.

حكومة اغلبية برلمانية لا يمكن تصديقها قبل قانون انتخاب عصري واصلاحي يعتمد على فكرة المواطنة فقط، بدون محاصصات او كوتات او اعتبارات منقوصة او مكتسبة.

الشعوب التي تحررت من عقدة الجهة والجغرافيا تخندقت حول منهجية المواطنة، والحديث عن حكومة اغلبية برلمانية قبل تجاوز عقبة المواطنة او حتى تعريف من هو المواطن الاردني، شكل من اشكال التحايل البيروقراطي على المنطق، وصيغة اقرب لوضع العربة امام الحصان.

بالتلازم مع قانون الانتخاب لا بد من ازالة كل العوائق من امام ثقافة التعددية الحزبية واخضاع جميع المؤسسات لرقابة الدستور والتوقف عن تقليم اظفار ومخالب الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وتعزيزها بشخصيات قوية تستطيع فرض سطوتها على الوحش البيروقراطي، واحيانا تعبيراته الأمنية التي تنقض على منظومة النزاهة .

خطوات كثيرة مهمة تتطلبها حكومة اغلبية برلمانية .. على هذا الاساس يمكن الاشارة الى ان ربط التعديلات الدستورية بهذه الحكومة لم يكن موفقا ولا مقنعا وضعف الحجج التي قيلت لعرض التعديلات الدستورية بتسارع هي المغذي الاساسي للشكوك.

تعديلات الدستور الاخيرة في الاردن مهمة واساسية وتكرس الواقع الموضوعي وتحمي وتخدم النظام، وفي ذلك بالتأكيد مصلحة مباشرة واساسية لكل اردني، لكن الطريقة التي عرضت بها والاسلوب الذي استخدم على المستوى التنفيذي خالف هذا المضمون وكرّس رسالة تعيد التأكيد على ان الحلقات الوسطى او الوسيطة بين النظام والدولة والناس اما خاملة او غير منتجة، او كلاسيكية تسحب من رصيد النظام عند الشعب.

(القدس العربي)