كتب خالد الجابر:
المثال كان يضرب في لبنان، واليوم المرض الفتاك هو مزيج من
الطائفية والعشائرية والقبلية والمذهبية، منتشر في جل أرجاء العالم العربي ويختلف من دولة إلى أخرى. تحولت الدولة إلى مجتمعات ممزقة تهتم بشؤون أتباعها ومريديها والمحسوبين عليها، وتضرب وتسحق وتحارب وتقتل كل من يخالفها ولا يسير على هواها ويتجرأ ويطالب بتغير أو إصلاح، والمشهد ممتد من بلاد الشام وسوريا والعراق واليمن إلى
المغرب العربي والبقية.
لقد تلاشت دولة المؤسسات، وغاب المجتمع المدني، واضمحل حتى الفكر الوطني الذي يدعو إلى مساواة حقيقية بين الناس ويدفعهم لتجاوز حدود طوائفهم ويساعدهم في التحول إلى مواطنين أحرار ومتساوين في الحقوق والواجبات في دولة عصرية تقوم على حكم القانون والمؤسسات.
النزاعات الدينية، والطائفية والمذهبية والقبلية التي نشهدها اليوم في ارتدادات "الربيع العربي"، ليست وليدة صدفة عابرة انفجرت في وجهنا، بل وليدة تعليم وتربية متعاقبة لأجيال تعهدها نظام موروث مفروض بدأ مع تكوين أسس الدولة التي جاءت نتيجةً أفرزها استعمار أجنبي، وعززته أجندات وعصبيات مصطنعة لا مصلحة للشعب فيها بقدر ما للسياسيين والمتنفذين الذين كانوا على قمة الهرم، وظلوا يقتاتون على هذه النزاعات فبغيرها لا يستطيعون الاستمرار في الحكم إلا من خلال هذا النظام الذي يوفر لهم السند والحماية.
تجربة الهند في إرساء المواطنة والاعتراف بالآخر رغم التناقض في جوانبها جديرة أن تدرس ويتم التعلم منها وتجاوز أخطائها وعثراتها. الدولة تعزز من قيمة الحريات السياسية والاجتماعية والدينية مقارنة بنظيرتها الباكستانية، دون تمايز لفئة على أخرى، وحضور الدين بارز لكل الطوائف والأديان والمذاهب في كافة مظاهر الحياة.
لكن الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتحتفظ لنفسها بحق التدخل في حالة هيمنة طائفة على أخرى، وتقوم بتوزيع الموارد بالتساوي على الطوائف جميعاً، حتى في تمويل المدارس والمؤسسات ودور العبادة.
وأي امتياز يمنح لطائفة دينية، يقابله امتياز مماثل للطوائف الأخرى. على سبيل المثال كما يذكر المفكر الهندي راجيف بهارجافا، يعفى السيخ من الالتزام بارتداء خوذة الشرطة الرسمية، ليتمكنوا من ارتداء العمائم الدينية، وفي الوقت نفسه، يسمح لليهود بارتداء العمائم الخاصة بهم، كما يسمح للنساء المسلمات بارتداء الشادور.
وكذلك تطبق كل طائفة، القوانين الخاصة بها في شريعتها، سواء في الزواج أو الطلاق أو قوانين الإرث أو الملكية أو التحكيم في المنازعات المدنية، فلا تتدخل الدولة في هذه القوانين، وينطبق ذلك على الطوائف جميعاً.
دول الطوائف هي عامل الهدم في كل مشروع حقيقي يحاول أن يساعد العالم العربي الخروج من مأزقه التاريخي!.
(عن موقع بوابة الشرق 12 آذار/ مارس 2014)