سياسة دولية

نيويورك تايمز: سيطرة روسية كاملة على القرم

أرشيفية
وصف الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي تجربة جندي روسي في حرب القرم  1853-1856  في سلسلة من "اسكتشات سيفاستوبول كيف تحمل جندي قطعت رجله الألم المبرح " الأمر المهم، سيدي المحترم هو أن لا تفكر، وعندما لا تفكر لا ألم كبير، لأن كل الألم يأتي من التفكير". وفي الوقت الحالي لا يريد أي من سكان المدينة الإستماع لهذه النصيحة، فكل شارع من شوارع سيفاستوبول يحمل إسما بطل عسكري روسي، أو معركة شنيعة، فيما يتسيد منتزهها الجميل المطل على البحر نصب السفينة الغارقة، وأطلق على ساحتها المركزية إسم أمير للبحر قاد القوات الروسية ضد القوات الفرنسية والبريطانية والتركية في القرن التاسع. كل شيء في سيفاستبول كما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" يغذي التفكير بالحرب والألم. 

وكما تقول الصحيفة فالمدينة لا تزال تتذكر حرب القرم التي عانت فيها حصارا استمر عاماً ما بين 1854-1855 ومواجهة مع النازيين في الحرب العالمية الثانية حتى سقوطها بيدهم في تموز/ يوليو 1942 وأخيرا كان عليها التعامل مع عملية البتر التي قام بها نيكتيتا خرشوف في عام 1954 وضمها للأراضي الأوكرانية.  
وبجرة قلم أمر خرشوف بنقل سيفاستوبول وبقية القرم للأراضي الأوكرانية في ظل الإتحاد السوفييتي السابق، وفي ذلك الوقت لم تثر العملية الجراحية التي قام بها الزعيم السوفييتي الأوكراني الأصل أي ألم لأن أوكرانيا وروسيا كانت في ظل الإمبراطورية السوفييتية والتي عملت على قمع كل التنوعات الإثنية والثقافية واللغوية. ولكن ألام العملية الجراحية بدات تستفيق عندما انفصلت أوكرانيا عام 1991 عن الإتحاد السوفييتي حيث بدأت المشكلة بالبروز خاصة أن الأسطول الروسي يتمركز في البحر الأسود منذ القرن الثامن عشر. ووصلت الأزمة ذروتها عندما أعلن برلمان القرم يوم الخميس الإستفتاء على الانضمام لروسيا والذي سيعقد يوم 16 آذار/ مارس. ونقلت عن فيكتوريا كربكو "نحن راجعون للبيت"، "انتظرنا طويلا حتى نعود".

وفي حديث لمرشدة سياحية في متحف حرب القرم، قالت إيرينا نيفوروفا  قالت للزوار كيف حاولت قوى مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا وألمانيا تفكيك عرى العلاقة الوثيقة بين القرم وروسيا وكلها فشلت. وقال "كل حجر، وشجرة في سيفاستوبول منقوعة بدم الجنود الشجعان الروس". وتشتكي نيفوروفا  من عدم ذكر الكتب المدرسية الأوكرانية وبناء على المسؤولين في أوكرانيا للدور الذي لعبته المدينة في التاريخ، وتركز عوضا عن هذا على  بطولات القوميين الأوكرانيين في غرب أوكرانيا والذي ينظر إليهم الكثير من الروس كعملاء لا أبطال. وتؤكد نيفوروفا أن المدينة "بالتأكيد روسية وليست  أوكرانية". 

وتقول الصحيفة إن الأصوات الداعية لانضمام القرم لروسيا ظلت أصواتا متنافرة من المحاربين السابقين في أفغانستان وجماعات هامشية والتي كان يقوم أعضاؤها بلف العلم الروسي حول أنفسهم ويدعون للإستفتاء حول وضع القرم لكنهم لم يذهبوا بعيدا وغالبا ما نظر إليهم كمجانين وأشخاص يحنون لأمجاد الإمبراطورية السوفييتية السابقة.

 كل هذا تغير الشهر الماضي عندم أزاح المتظاهرون في كييف فيكتور يانوكوفيتش عن السلطة، وقام التلفزيون الروسي الذي يتابع بشكل واسع في القرم بتغطية الأحداث. وقام عدد من المؤيدين لروسيا بالسيطرة على مراكز السلطة في القرم، وتحول هذا الفعل الهامشي  ومن عمل محكوم عليه بالفشل إلى لعبة جديدة حول الأعمال البطولية التي كانت سيفاستوبول مركزا لها. مما سمح لأعداء الدولة الأوكرانية تصوير أنفسهم على أنهم ورثة المقاومة التي  تصدت للجيوش النازية الغازية. 

وقام ألالاف من السكان بالتجمع خارج مكتب عمدة سيفاستوبول الذي عينته كييف وأجبروه على الإستقالة لصالح ألكسي تشالي، القوم الروسي ورجل الأعمال المعروف بدعمه للنصب التذكارية للحرب.

وتظهر الشعارات المنتشرة في كل أنحاء المدينة والتي أحيت ذكريات الحروب والحصار الأجنبي لها وتقول "اثبتي  سيفاسبتول، وهو الشعار الذين يزين الساحة التي يتجمع فيها المؤيدون لروسيا. 

ومع كل الحمى التي اجتاحت المدينة للإنضمام لروسيا لكن ليس كل شخص فيها اندفع نحوها، ومنهم فيكتور نيغاروف الذي قام بتنظيم سلسلة من الإحتجاجات الصغيرة المؤيدة للمحتجين في كييف، واضطر للإختباء خوفا من استهدافه، وأصبح ملاحقا بعد أن وضع المؤيدون لروسيا، صورته ورقم هاتفه النقال ورقم لوحة سيارته وعنوان بيته على الإنترنت واتهم بالعمالة والفاشية.
وأثار نيغاروف غضبا عارما عندما تحدث للتلفزيون الأوكراني عن تاريخ سيفاستوبول التي قال إنها قاتلت بشجاعة ولكنها خسرت للغزاة في حرب القرم والحرب العالمية الثانية. وقال للصحيفة "في الحقيقة، سيفاستوبول هي مدينة الخاسرين" مع أن الناس لا يحبون الإستماع لهذا لكنه هذا هو التاريخ.
ولا يرى نيغاروف أي أمل باستعادة أوكرانيا أراضيها التي بترت منها، فالوضع سيء كما يقول. ويعتقد أن الكثيرين يدعمون القوات المؤيدة لروسيا "وغسلت ادمغتهم". وترى الصحيفة أن المسلحين الملثمين الذين يقول بوتين أن لا علاقة للكرملين بهم استقبلهم الناس بحفاوة وهناك يافطة تقول "روسيا تقف وراءنا". 

وتختم بالقول إن سيطرة روسيا على القرم كاملة لدرجة أن الرحلات التجارية لكييف من مطار سيمفيروبول، عاصمة الإقليم التي تبعد 50 ميلا عن سيفاستوبول تقلع من المدرج الدولي وليس من المحلي كما كانت تفعل قبل أسبوع. والتحول يعني أن كييف وبقية أوكرانيا أصبحت تعتبر مناطق أجنبية. وتقول إن الجنود الروس يحرسون المطار، ومع أنهم لا يرتدون الزي الروسي لكنهم تخلو عن تحفظهم وقال أحدهم لأنه جندي في وحدة المدفعية جاء للقرم، لحمايتها من العدو: أوكرانيا".