تركت الأدغال الكثيفة التي كانت تنتشر فيها زقزقات الطيور الغريبة محلها لتلة جرداء تنتشر فيها آلات استخراج
الفحم في جزيرة بورنيو حيث تقضي حمى الذهب الأسود الجديد على الغابات والبلدات.يصدر كل سنة من مقاطعة كاليمانتان الشرقية 200 مليون طن من الفحم يذهب بأغلبيته إلى الاقتصادات الشديدة النمو مثل الصين والهند.
وتقع هذه المقاطعة في الجزء الإندونيسي من جزيرة بورنيو ثالث أكبر جزيرة في العالم. وقد باتت
مناجم الفحم تنتشر في 70% من مساحة عاصمتها ساماريندا، بحسب معطيات رسمية.
وقد دفع الاقبال الكثيف للمجموعات الدولية على هذه المنطقة الكثير من سكانها إلى مغادرتها، ما أدى إلى تسارع وتيرة إزالة الأحراج تسارعا كبيرا.
وبحسب الصندوق العالمي للطبيعة، خسرت بورنيو نصف أدغالها التي كانت تغطيها بنسبة تتخطى 90% قبل بضعة عقود، وذلك بالرغم من فرض الحكومة الإندونيسية وقف عمليات إزالة الأحراج في العام 2011.
وتتمتع هذه الغابة المدارية بتنوع حيوي كبير مع 1400 نوع من الحيوانات و1500 نوع من النباتات التي تمتص الكربون وتساعد على إبطاء وتيرة الاحترار المناخي.
ولسخرية القدر، ينقطع التيار الكهربائي بانتظام في ساماريندا بسبب شبكتها الكهربائية المتقادمة في حين أن الفحم المستخرج منها يسمح بتشغيل محطات كهربائية كثيرة في الصين.
ولد السائق أودين في ساماريندا قبل 30 عاما وهو لا يزال يتذكر الغابات الشاسعة التي كانت تحيط بمنطقته وهو أخبر وكالة فرانس برس "عندما كنت صغيرا، كان منزلي يقع في قلب الأدغال".ولم يؤثر انتشار المناجم على الطبيعة فحسب، بل كان له أثر أيضا على الزراعة.
وقال كوماري الذي يعيش في المنطقة منذ 1985 "ينمو الأرز في المياه الملوثة ... ونحن لا نزال نأكله وأظن أنه يضر بصحتنا".وقد تقدم كوماري مع 18 مزارعا آخر بشكوى ضد السلطات، متهما إياها بتلويث المنطقة من خلال السماح بإقامة مناجم في مواقع جد قريبة من مزارع الأرز.
ولا يطالب المزارعون بتعويضات مالية، بل يطلبون من السلطات إلزام المجموعات المنجمية بإزالة التلوث من المنطقة.لكن هذه المطالب تبدو صعبة المنال، إذ أن المجموعات المنجمية تحظى بدعم كبير من السلطات المحلية، حتى ان الإدارة الفاسدة منحتها تفويضا على بياض.
وقال ميراح جوهنسياه من منظمة "جاتام" غير الحكومية التي تعنى بشؤون السكان المتضررين من انتشار المناجم في إندونيسيا "يلقبونهم بمافيا المناجم".
وقد كشفت هذه المنظمة بمساعدة جمعية "إندونيجا كورابشن ووتش" عن فضيحة فساد طالت المجموعة الإندونيسية "غراها بينوا إتام"، مبينة أن هذه الأخيرة دفعت رشاوى في العام 2009 تقدر قيمتها بأربعة مليارات روبية إندونيسية (240 ألف يورو) لوزير
الطاقة المحلي، مقابل الحصول على رخصة تنقيب.
وتعذر الاتصال بالمجموعة للتعليق على هذه المعلومات.ويسمح الفساد المستشري للمجموعات المنجمية بالتنقيب في مواقع لا يجوز لها التنقيب فيها، من دون الامتثال لأي معايير بيئية أو اجتماعية، على حد قول ميراح جوهنسياه.
ويبدو أن نشاطات استخراج الفحم ستواصل ازدهارها في المستقبل، وقد حذرت منظمة "ذي وورلد ديفيلبمنت موفمنت" من ازدياد مشاريع استخراج الفحم في مقاطعة كاليمانتان الوسطى حيث لا تزال بعض الغابات صامدة.