مقالات مختارة

التحالف الأميركي - الإيراني ضد الرياض

1300x600

مخطئ من يظن أن التقارب الأميركي - الإيراني الأخير وليد اللحظة أو تصرف شخصي من أوباما، فأميركا سياساتها نتاج مؤسسات بالغة العراقة وثمرة دراسات دقيقة.

فمنذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) التي شارك فيها سعوديون من القاعدة ومراكز البحوث، تشير إلى "المدرسة الوهابية" كمصدر لتفريخ الإرهاب، استخدمت واشنطن إعلامها وضغوطها، فكانت معاهدنا تغلق من موريتانيا إلى رأس الخيمة، ووضعت مؤسساتنا الخيرية على قوائم الإرهاب، في حين يجمع الملالي بلايين "الخمس" من الغرب بتسهيلات واضحة، ومن وجهة نظر واشنطن فإن أعظم فوائد حققتها سياستها هو عبر تعاونها مع طهران.

فعبر ذلك التحالف احتلت واشنطن أفغانستان والعراق، وهو ما تفاخر به هاشمي رفسنجاني في تصريحه الشهير. عملت واشنطن على إبعاد الرياض عن حلفائها، فعمان لعبت دوراً أساسياً في الاتفاق النووي الأخير، والإمارات هرعت لطهران مباركة،

وقبلها كان موقف واشنطن مؤيد للمعارضة الشيعية في البحرين، وأوقفت قطع الغيار عن جيش المنامة فور دخول درع الجزيرة، فيما انتصبت سفارة أميركا في صنعاء تدافع عن الحوثي، وتمنع استئصاله ليبقى شوكة في خاصرة السعودية، وقبلها سلمت العراق لطهران، وهي تستعد الآن لدفع مقاليد أفغانستان لحلفاء إيران أيضاً. لم تكن الصواريخ التي أطلقتها أخيراً على الأراضي السعودية جماعات عراقية مدعومة من إيران إلا رسالة إلى الرياض، بأن الجبهة الشرقية ليست محصورة في البحرين وقلاقل المنطقة الشرقية، بل ستمتد لألف كيلومتر من الحدود مع العراق.

يذكر أنه عندما فاز إياد علاوي صديق السعودية بالانتخابات العراقية، نسقت واشنطن مع طهران لحرمانه من تشكيل الحكومة، الملفت إلى أن إيران تعتمد على الشيعة الذين لا يتجاوز عددهم 10 في المئة من المسلمين، وحققت بهم نتائج مذهلة، في حين أن البقية من المسلمين، وهم 90 في المئة، يجدون في السعودية رمزهم الديني وقبلتهم، لكن المشكلة في الرياض أنها لم تفعل علاقتها بهم في الشكل المطلوب. فإيران تعمل بخطين متوازيين، الأول يعمل مع الحكومات، وفي الوقت ذاته تعمل مؤسساتها الشعبية والدينية والإغاثية والمالية مع الجهات الشعبية الشيعية في شكل فاعل، ولذلك فالحوثي الذي يبعد عن إيران آلاف الأميال بقي ونما وسيطر على مناطق واسعة من اليمن، في وقت يستغيث مناؤوه ولم يلتفت لهم أحد، وبقيت شوكة الحوثي على تخوم حدودها، فيما يئن أهل العراق من دون مجيب.

لقد تمكنت السعودية من الوقوف ضد موجات عارمة من الناصرية والقومية، وصمدت أمام نقمة السوفيات بفضل سياسة التضامن الإسلامي، وتستطيع الثبات الآن أمام تحالف واشنطن - طهران إن هي أعادت تموضع سياستها لجعلها رسمياً وشعبياً في آن واحد.

* باحث في القضايا الفكرية

(عن صحيفة الحياة)