فيسك: السم الذي قتل عرفات هو ثقته بأمريكا وإسرائيل
لندن- عربي2118-Nov-1311:41 AM
شارك
وفاة عرفات
لم يشاهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مستوطنة في حياته، كان كبيراً في العمر أجهدته سنوات الكفاح، ولم تعد تنفع معه عبارات "سلام الشجعان" التي استعارها من الجنرال ديغول، ولهذا وثق بأمريكا وإسرائيل وقتله "سم الثقة"، هذا ما يراه الكاتب البريطاني روبرت فيسك في تقرير له نشرته صحيفة "اندبندنت" والذي لم يخف عدم اعجابه بعرفات سواء بلحيته غير المشذبة أو طريقة حديثه، لكن فيسك يقول إن حديث تسميم عرفات عاد للأضواء بعد قيام أرملته سهى عرفات بفتح القضية، وتوصل فريق سويسري إلى وجود نسبة عالية من مادة البولونيوم-210 في دم الرئيس الراحل.
ومايراه فيسك أن عرفات عاش أيامه الأخيرة في المقاطعة في وضع سيء حيث حاصرته إسرائيل قبل أن تظهر إنسانيتها وتسمح له بالخروج لفرنسا للعلاج حيث مات هناك. وقال إنه كان يتوقع فتح ملف عرفات والحديث عن تسميمه مثلما ظل الحديث يدور عن تسميم نابليون على يد البريطانيين. فهناك سابقة ثبتت وهي أن الإسرائيليين قاموا بتسميم رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، قبل ان يوافق الإسرائيليون على إعطاء الملك حسين العلاج المضاد للسم وإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحماس، والذي اغتالته إسرائيل فيما بعد وهو على كرسيه المتحرك.
ويرى فيسك أن الحديث عن تسميم عرفات ليس ثابتا عند الفرنسيين، حيث نقل عن ممرضة من داخل السجن الذي عولج فيه عرفات حديثها عن قيام الفرنسيين بتحليل دم عرفات ومحاولة تحديد سبب وفاته ولم يأت موضوع السم او لم يعثر على أثر له، فيما لم يتوصل التحقيق الروسي لاثبات سبب الوفاة بشكل قاطع. ويقول فيسك في مقالته "السم الحقيقي الذي قتل عرفات هو ثقته بامريكا واسرائيل- أخطاء ما زال أبناء شعبه يدفعون ثمنها حتى اليوم". ويعتقد فيسك أن الزعيم الراحل قدم الكثير من التنازلات لإسرائيل لأنه اصبح كبيراً في السن وأراد العودة إلى فلسطين قبل أن يموت. وقد فتح عرفات باب التنازلات فأنصاره او العديد منهم " ما زالوا يقدمون التنازلات حتى يومنا هذا".
ويشير فيسك إلى أن عرفات لم يكن قد رأى في حياته مستعمرة يهودية أقيمت على الأراضي المحتلة عندما وقع إتفاق أوسلو لأنه وثق بالأمريكيين وبالإسرائيليين وبأي شخص كان يقول له كلاماً معقولاً.
وتحدث الكاتب عن الطريقة التي تم فيها النظر لعرفات وهو ما يراه مرهقاَ أو مثيراً للتعب، فقد بدأ الزعيم الراحل حياته النضالية كـ "إرهابي خطير" في بيروت ليستقبل في البيت الأبيض على كـ "رجل دولة"، وبعد ذلك تقوم إسرائيل بتصنيفه ثانية كـ "ارهابي"" عظيم.
ويتحدث فيسك في مقاله عن الأيام الأخيرة لعرفات في مقره في رام الله وكيف كانت تسقط عليه القذائف الاسرائيلية. وفي ذلك الحين بدا على الزعيم "الضعف والإرهاق والمرض" كما وصفته القلة من زائريه. ونقل عن أحد الدبلوماسيين من إحدى الدول الإسكندنافية قوله إن "عرفات كان لا يرتدي الجوارب". وانه كان ينشغل بازالة القشرة من على قدميه بسبب البرد ولم يكن حال دورات المياه جيداً.
وكان يعتقد بتوقف الشائعات إن بقي عرفات على قيد الحياة، وإن مات فسيكون مات مسموماً كما مات نابليون الذي سمم من قبل البريطانيين، إلا أن عرفات بالفعل مات، وقيل لنا إنه مات مسموماً".
ومن هنا قامت " أرملة عرفات التي كانت تعيش في الخارج بعيداً عن زوجها ولسنوات بالحديث عن جريمة قتل تعرض لها زوجها"، بشكل أصبح فيه أي حديث عن عرفات مقرونا بالحديث عن تعرضه لتسميم.
وفي ختام مقاله يذكر الكاتب مخاوف عرفات من تعرضه لنفس المصير الذي تعرض له الحاج أمين الحسيني، المفتي الفلسطيني الذي مات في المنفى في بيروت. ونقل في هذا السياق ما قاله له الناقد الفلسطيني المعروف إدوارد سعيد عندما التقاه عام 1985 إن إن عرفات أخبره "إن الشيء الوحيد الذي لا أتمناه حصوله لي ، هو أن أكون مثل الحاج أمين، كان دائماً على صواب ومات في المنفى على أيدي البريطانيين، وكان الخطاً الذي ارتكبه الحاج أمين هو ذهابه إلى برلين خلال الحرب العالمية على أمل أن يساعد هتلر الفلسطينيين، وكانت هذه الخطوة هي أكبر خطأ يرتكبه الجانب الفلسطيني، ثم أتبعه عرفات بخطأ آخر عندما زار صدام حسين ليعلن عن تأييده لغزو الكويت، اعتقاداً منه أن حسين سيحرر فلسطين".
وفي النهاية لم يقتل عرفات السم الذي دس له بطعامه ولكن سم ثقته بالأمريكيين والإسرائيليين وهو ما نحتاج لدراسته.