بعد سقوط النظام
السوري، ورثت البلاد واقعًا اقتصاديًا منهارًا وبنية تحتية شبه معدومة، سنوات من
الحرب خلفت أثارًا عميقة على كافة القطاعات، من التجارة والصناعة إلى الزراعة
والخدمات الأساسية، وبات المواطن السوري يواجه أعباءً يومية معيشية غير مسبوقة،
حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتراجعت القدرة الشرائية لليرة السورية حتى اللحظات
الأخيرة من عهد نظام الأسد المخلوع.
التحديات لم
تقتصر فقط على الداخل؛ بل كانت هناك تركة ثقيلة من الديون والعقود المرهقة التي
أبرمها النظام السابق، إلى جانب عزلة سياسية واقتصادية أدت إلى صعوبة الوصول إلى
الأسواق العالمية وتباطؤ جهود إعادة الإعمار.
وفي هذا السياق،
أجرت "عربي21" لقاء خاصا مع
وزير التجارة الداخلية السوري ماهر خليل
الحسن، للكشف عن خطط الوزارة لمواجهة هذه التحديات، من استقرار الأسعار وتوفير
السلع الأساسية، إلى إعادة بناء القطاع التجاري وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.
فماذا كشف الوزير عن رؤية الوزارة لرفع مستوي معيشة المواطن السوري؟
ما رؤيتك لدور وزارة التجارة الداخلية في تعزيز مستوى معيشة
المواطن السوري في ظل التحديات الراهنة؟
حقيقةً، دور
وزارة التجارة الداخلية في تحسين حياة المواطنين في هذه الظروف الحالية ليس دورًا
مستقلًا أو بمعزل عن باقي الوزارات، وجميع الوزارات مرتبطة ببعضها البعض، وفي عدة
اتجاهات، هناك خطط في هذا الاتجاه ربما تكون خططًا قصيرة المدى ومنها خطط متوسطة المدى ومنها بعيدة المدى.
على المدى
القريب، عملنا على تحرير السوق لكسر القيود أمام التجار، وتم فتح السوق لجميع التجار للعمل على
قيام الاستيراد والتصدير، وأصدرنا الرسوم الجمركية الجديدة التي كانت منخفضة بشكل
كبير عن الرسوم في النظام البائد، وربما على المدى المتوسط، فتح المجال أمام
الاستثمارات العربية أو حتى العالمية لإعادة بناء المؤسسات أو القطاعات الاقتصادية
الضخمة لإعادة عجلة الحياة الاقتصادية للدوران، والعودة بشكل سريع إلى النهضة
الاقتصادية المأمولة لسوريا.
ربما على المدى
البعيد،
سوريا كما يعلم الجميع، هي دولة غنية بموارد عديدة واستراتيجية
ومهمة. نعمل منذ الآن على وضع الخطط اللازمة لإعادة دورها الريادي في المنطقة من خلال
الاستفادة من الموارد التي تتمتع بها سوريا والانتقال إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي،
خصوصًا من المنتجات والسلع التي تُنتج محليًا والتقليل قدر الإمكان من الاستيراد،
والاعتماد على التصنيع.
ما هي
خطط الوزارة لضمان استقرار أسعار وتوفير السلع الضرورية؟
في هذا المجال، تم
تجاوز هذا الأمر الآن، كما ذكرت، السوق متاح وجميع البضائع متواجدة في جميع
أشكالها وأنواعها وحتى مصادرها، سواء الداخلية من خلال فتح الطرقات بين المحافظات
لتبادل السلع الداخلية، أو من خلال فتح المجال أمام الاستيراد للمواد غير المنتجة
محليًا أمام جميع التجار دون قيد أو شرط.
وكذلك قمنا كسر القيود التي كانت مفروضة السوق، وإزالة جميع أنواع الإتاوات، هذه
العوامل كلها أدت إلى انخفاض في أسعار، وقد لمسنا هذا الانخفاض بشكل كبير في
جميع المواد.
هل
هناك تأثير لقرار زيادة الرواتب على التضخم؟
الحقيقة، الأسعار في مجملها انخفضت، لكن ربما
حدث أو سيحدث ارتفاع في بعض أسعار المواد التي كانت تحت بند المواد المدعومة ظلمًا
وزورًا، وإنما لم يكن هناك شيء من
الدعم، بل كانت تواجهه لإدارة منظومة فساد خلفية تحت هذه الواجهة، وقرار
زيادة الرواتب سوف يلغي هذا الأثر الناتج عن رفع الدعم عن بعض السلع أو المواد، كما
نلاحظ أن هناك استقرارًا في سعر صرف الليرة السورية والدولار وتحسنًا في
الفترة القليلة الماضية. ونتوقع أنه سيكون هناك انخفاض بمعدلات لا بأس بها، لكن سيحتاج الأمر إلى
المزيد من الوقت.
ماذا
عن توافر المخزون الاستراتيجي من السلع؟
الحقيقة منذ
بداية تحرير سوريا بشكل كامل، عملنا على تشكيل عدة لجان لإدارة هذا الملف وإعادة ترتيب الأمور الداخلية والفنية
الخاصة بهذا الملف، ووصلنا إلى كميات لا بأس بها تكفي ربما لعدة أشهر تصل لأربعة أو خمسة أشهر، خاصة في مادة
القمح تحديدًا، والمواد الأساسية كلها متاحة في السوق وموجودة، ولا أعتقد أن هناك
نقصًا في أي مادة أمام المواطنين.
ولكن
ربما نعاني من ارتفاع بعض أسعارها نتيجة أن معظم المواد مستوردة وتعتمد على
الاستيراد من الخارج، وغياب المنتج المحلي الذي كان رائدًا في فترات سابقة، ونسعى
ليعود كما كان كمنتج محلي منافس في السوق المحلية، والاكتفاء الذاتي في مواد
أساسية واستراتيجية مهمة.
عربي 21 رصدت وعود لرجال الأعمال في تركيا وغيرها للتجارة في سوريا هل هي وعود
وفرص حقيقة أم أنها مجرد تعاطف؟
إذا نظرنا إلى
الوضع في البلدان المجاورة العربية الشقيقة والدول الصديقة والأجنبية، نلاحظ أن
سوريا في وضعها الحالي هي أرض خصبة جدًا للاستثمار، وهناك رغبة حقيقية من جميع أو معظم
الدول والشركات ورجال الأعمال للبدء في الاستثمار هنا في سوريا في قطاعات متنوعة
وعلى مختلف المستويات.
ولكن ننتظر حتى يتم إصدار أو إقرار انطلاق الهيئة
العامة للاستثمار أو الهيئة السورية للاستثمار، قد تحتاج الهيئة شهرين أو أكثر أو
أقل قليلاً، كي تقوم بتنظيم عملية الاستثمار على شقيه المحلي أو العربي
كيف
سيتم التعامل مع العقود والاتفاقات التجارية التي أبرمها النظام المخلوع؟
العقود المبرمة مع النظام البائد هي على مستويات
مختلفة، بعضها قد مضى وانتهى ولكن له آثار مالية مترتبة، وهذه تمثل عبئًا كبيرًا،
خاصة وأنها تركة صعبة وثقيلة ودولة مرهقة بالديون على المستويين المحلي والخارجي.
أما القسم الآخر
من العقود الجارية ما بدأ ولم ينته، مثل هذه العقود قمنا بدراستها بشكل عاجل، وأغلبها
استمرت، وأعطينا التعليمات في الاستمرار في هذه العقود.
والعقود
التي كانت في مرحلة الدراسة ولم يتم الإقرار بها، فهذه قمنا بتجميدها، ونحن في
انتظار الترتيبات الإدارية الخاصة بتشكيل لجان قانونية ومالية وتشريعية للنظر في
هذه العقود والمستحقات المالية المترتبة سواء على الوزارة بعينها أو بشكل عام.
كيف
ستعالج الوزارة قضايا الاحتكار والغش التجاري والإتاوات؟
موضوع الإتاوات
هو صفحة وانطوت وإلى زوال لم يعد هذا الأمر موجودًا، وبدون إصدار أي قانون أو أي
تعليمات أو أي توجيهات، وانتهى مع زوال النظام الفاسد البائد.
أما فيما يخص
موضوع الاحتكار، فتحرير السوق وإطلاق السوق أمام جميع التجار وجعل السوق متاحًا
لجميع رجال الأعمال على اختلاف مستوياتهم، سيلغي ظاهرة الاحتكار.
وما يخص الشق
الثاني وهو موضوع الغش، هناك ضابطة تموينية تجول في الأسواق، مهمتها الأساسية هي
مراقبة الأسعار، إلزام الفعالية التجارية بالإعلان عن أسعار المواد التي تريد
بيعها، وفحص المواد الموجودة من حيث مطابقتها للمواصفات
العالمية ومراقبة موضوع الغش أو انتهاء صلاحية المواد، وهذه هي من مهام الضابطة التموينية.
هل
هناك نية لإعادة هيكلة برامج الدعم؟
الحقيقة نعتقد
أن موضوع منظومة الدعم على مستوى العالم هو مقتصر على عدد قليل من الدول، التي تتعامل بهذه المنظومة التي تريد
من خلالها أن تنشئ منظومات فساد واحتكار لمعظم التجار ووضعها في أيدي عدد قليل من
الشخصيات التابعة للأنظمة الحاكمة.
وهذه
المنظومة مضى عليها الزمن وغير مجدية خاصة في ظل انفتاح السوق العالمي، لا يوجد
لدينا رؤية لدعم بعض المواد، إنما الهدف الأساسي هو رفع مستوى الدخل،
رفع مستوى دخل الفرد ليكون قادرًا على شراء جميع حاجياته بسهولة وتحسين حياته
الاقتصادية والمعيشية، وفي سبيل ذلك بدأنا العمل في إدارة عدة قوانين مناسبة.
ما هو
موقف الوزارة من دعوات تحرير أسعار بعض السلع؟
الوزارة منذ
الأيام الأولى من انطلاق العمل فيها بالمرحلة الجديدة حررت أغلب السلع وأصبحت
متاحة للجميع، ويقتصر دور الضابطة التموينية المنتشرة في الأسواق على مراقبة جودة
المواد ومطابقتها للمواصفات.
ما هي
الأولويات التي ستعمل عليها الوزارة في المرحلة الانتقالية؟ وهل ليدكم خطط لإصلاح
أنظمة التوزيع؟
الحقيقة، يوجد
مديريتان في الوزارة ليس لهما عمل سوى أن تكون واجهتهما لعمليات فساد كبيرة جدًا ومخصصة
لبعض الشخصيات لإفساد السلع وتحقيق أرباح كبيرة جدًا على حساب الدولة، وتم العمل على مقترح لإلغاء العمل في
هاتين المؤسستين
كيف
ستدعم الوزارة الصناعة والصغيرة والمتوسطة؟
التجارة والصناعة مرتبطة ارتباط وثيق جدا فلا يمكن أن ينجح الصانع من دون
وجود التاجر الذي يروج له بضاعته ويسويقها وقد ولا يمكن للتاجر أن يعمل أو ينجح إن
لم يكن هناك صناع خلفه.
رغم أن المسئول
الأول عن الصناعة هو وزارة الصناعة لكن كما ذكرت من خلال تحرير القيود على جميع
الصناعيين والحرفيين ذوي الحرف الصغيرة أو حتى التجار من المستويات المتوسطة، سيملكون
فرصًا أكبر في سوق جديدة جذابة وتتوفر فيها كل متطلبات النجاح
كيف تنسق الوزارة مع الوزارات الأخرى في الحكومة لتحقيق
التوازن الاقتصادي؟
حقيقة هو تنسيق عالي جدا ولا بد منه بين وزارة الداخلية وجميع الوزارات
خصوصا وزارة الصناعة ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وزارة المالية وحتى ووزارة
الزراعة
لا بد أن تكون منظومة العمل متكامل على سبيل المثال في موضوع القمح تنطلق
الدراسات والإحصائيات من وزارة التجارة الداخلية إلى وزارة الزراعة ليعطاهم
الأرقام أو الكميات التي يحتاجها البلد ليقوموا بدورهم لتسويق هذا الأمر وتجهيزه
بإصدار التشريعات التي يخبرون فيها المزارعون لكي يتم زراعته بكميات تناسب
الاستهلاك الداخلي .
ما هو تصوركم لدور القطاع الخاص في دعم التجارة
الداخلية؟
طبعا القطاع الخاص هو قطاع مهم وشريك رئيسي للدولة ونعمل على دعمه في الفترة القادمة، سنعمل على تسهيل الإجراءات أمام الصناعيين
والمستثمرين في القطاعات المختلفة، وخاصة في القطاعات الحيوية التي تساهم بشكل
مباشر في رفع مستوى الإنتاج المحلي، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد.
كما سنعتمد
أيضًا على تحسين البيئة الاستثمارية، من خلال تسهيل الإجراءات القانونية والمالية،
وتوفير الحوافز للمستثمرين المحليين والعرب، وحتى الأجانب. هذا سيسهم في خلق فرص
عمل جديدة، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام.
ولا
شك أن تحسين البيئة الاقتصادية يتطلب جهدًا مشتركًا من جميع الأطراف. وهذا يتضمن
التعاون بين الحكومة، القطاع الخاص، والقطاع الصناعي، بالإضافة إلى التعاون مع
الجهات الدولية التي يمكن أن تقدم الدعم الفني والمالي لإعادة بناء الاقتصاد
السوري.
ماذا عن استياء المواطنين في إدلب من التعريف الجمركي
الجديد وخوفكم من العودة كمحافظة منسية؟
إدلب لن تعود كما كانت مدينة أو حافظة منسية، بالعكس إدلب أصبحت رمز لجميع
الأحرار في العالم وأصبح لها وزنها وكلمتها على المستوى الداخلي وحتى على المستوى
العربي والإقليمي.
أما فيما يخص الرسوم الجمركية الحقيقة نحن كنا نعمل في حكومة الإنقاذ في إدارة
محافظة إدلب على رسوم شبه صفرية وأما الرسوم المعمول فيها بالنظام السابق هي رسوم
باهظة ومرهقة للتجار في الوقت الحالي كان لابد من وضع رسوم متساوية لجميع المعابر
والمنافذ.
لذلك فقامت هيئة المنافذ بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية
وبتشاور معنا وعمل بدراسة سريعة للرسوم الجمركية، وحقيقة هي أعداد كبيرة تتجاوز
آلاف من المواد وتحتاج إلى دراسة طويلة ومرهقة لكن ضرورة الوقت اقتضت أن تكون
الدراسة سريعة وتصدر لثلاث أشهر كحل سريع لضبط الأسعار في الداخل وتوحيده.
وهذا الأمر أدى إلى انخفاض في الأسعار في المحافظات المحررة وارتفاع في بعض
الأسعار في إدلب وعموما نزولا للوحدة الشرائية الأخيرة عند المستهلك تأثيرها بسيط
وفي حال كانت أي مادة يكون فيها الرسم مرتفع ويسبب غلاء فيها سنقوم بمراجعتها بشكل
سريع وتم بالفعل مراجعة أكتر من مادة وتم تخفيض الرسوم التي صدرت خلال اليومين
الماضين ولكن أحب أن أقول إن هذه مرحلة طارئة يتم إعادة مراجعة الرسوم وهي لمدة
ثلاثة أشهر فقط.
الوزير يوجه رسالة من خلال "عربي21"
من خلال منبركم الكريم أريد أن أوجه رسالة خاصة
إلى أهلنا في محافظة إدلب بشكل خاص وإلى عموم أهلنا في سوريا بشكل عام نحن صبرنا
كثيرا وبقي القليل لا بد من الصبر لفترة بسيطة ونعدكم أن الأمور في تحسن مستمر.
وأريد أن أضرب مثال في هذا الجانب مثلنا كحكومة المهاجر الذي هجر من بيته
لسنوات وفي هذه المرحلة عاد إلى بيته فرحا مسرورا، لكن صدم أن البيت متصدع غير
قابل للسكان والأرض غير قابلة للزراعة ووحدته الصناعية أو المصنع أو المعمل غير قابلة للإنتاج وغير مهيئة ولديه مبلغ
مالي صغير أو استدانة من شخص يعينه لكن هذا الذي بين يديه لا يكفي
ليقوم بإعادة تأهيل فعليه أن يوازن بين تأهيل البيت وكذلك أرضه أو مصنعه وهذا
مثلنا حقيقة كحكومة أتينا إلى واقع مهترئ متهالك بنية تحتية مدمرة اقتصاد مدمر
متعمد فخياراتنا قليلة من الصعب أن نستمر في دعم بعض المواد أو حتى إزالة الرسوم الجمركية
فنعمل على الصبر قليلا وإعادة تأهيل البنى التحتية بالحد الأدنى وإعادة تشغيل
المصانع إعادة تشجيع المزارعين .
وبعد فترة بسيطة سوف تعود سوريا إلى مكانتها الأصلية وسوف يتحقق الازدهار
الاقتصادي المنشود والمأمول وسوف يرى الناس سواء في الداخل أو في الخارج هذا الأمر
ونملك المقومات والموارد الطبيعية الكافية لذلك بإذن الله.