صحافة دولية

داخل الأيام الأخيرة القاسية والمضطربة لحملة ترامب الانتخابية

أزمات عدة عاناها فريق حملة ترامب الانتخابي- الأناضول
نشرت مجلة "أتلانتك" تقريرا يسلط الضوء على حملة دونالد ترامب الرئاسية، مشيرا إلى طريقة ترامب العفوية والفوضوية التي تخالف نهج مستشاريه الأكثر انضباطا؛ حيث أدى ملل ترامب من ضبط النفس إلى توترات داخل فريقه في أثناء محاولتهم السيطرة على اندفاعاته، وهو ما أدى به إلى إعادة تشكيل حملته بطريقة قد تؤثر على فوزه بالانتخابات.

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن ترامب فاجأ مساعديه في نهاية شهر حزيران/ يونيو، بعد المناظرة التي دفعت الرئيس جو بايدن إلى إنهاء حملة إعادة انتخابه، بإعلانه أنه ابتكر لقبًا جديدًا لمنافسه.

وأعلن ترامب على متن طائرة حملته الانتخابية، وهو في طريقه إلى تجمع حاشد في ذلك المساء: "هذا الرجل متخلف، إنه متخلف. أعتقد أن هذا هو اللقب الذي سأناديه به من الآن".

وقد ناشد الموظفون الحاضرون وآخرون ممن سمعوا عن النعت ترامب ألا يقول ذلك علنًا، وحذّروه من أن ذلك سيثير عداء الناخبين المعتدلين الذين بدأوا ينجذبون إليهم، وسيثير تعاطفا مع سياسي كان في تلك اللحظة موضع سخرية واسعة النطاق، وبينما كان ترامب يفكر في ذلك، كان موظفوه يشعرون بالحيرة بشأن التوقيت؛ فقد كان بايدن في موقف حرج.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن ترامب قد حقق أكبر تقدم له في أي من حملاته الثلاث للرئاسة، وكان كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة للحزب الجمهوري ومرشحه، فلماذا يعرّض ذلك كله للخطر من أجل توجيه إهانة صبيانية؟

ويقول التقرير، إنه بينما ترقب مساعدو ترامب في الأيام التالية اللحظة التي سيطلق فيها هذا الافتراء الأخير للعلن، أدركوا أمرًا ما بشأن ترامب: لقد كان غير سعيد بالفوز؛ فعلى مدار العشرين شهرًا الماضية، كان مطوقا بحملة انتخابية مبنية على ضبط النفس والكفاءة، وتم كبح اندفاعاته بانتظام من قبل كبار مستشاريه؛ وتم تهميش أكثر حلفائه بغضًا وأكثر أفكاره غرابة.

وقد أدت هذه الحواجز إلى حملة احترافية تتجه نحو النصر، ولكن مثل حيوان مفترس يتلاعب بصيده الجريح، أصبح ترامب يشعر بالملل.

وأشارت المجلة، إلى أن ترامب لم يستخدم هذا اللقب علنا ضد بايدن، لكن الضجر الذي شعر به خلال تلك الفترة من السباق الانتخابي كان ينبئ بتحول جذري في لهجة ومضمون حملته الانتخابية، وفي غضون أسابيع، سينجو ترامب من محاولة اغتيال، وسيتخلى بايدن عن الترشيح، وستحل نائب الرئيس كامالا هاريس محله على رأس قائمة الحزب الديمقراطي، وستظهر استطلاعات الرأي أن الانتخابات التي بدت منتهية ذات يوم عادت فجأة إلى حالة من التقلب.

وطوال هذه الفترة، أصبح ترامب أكثر انزعاجًا بسبب ما اعتبره إستراتيجية "الثقة في الخطة" التي اتبعتها حملته الانتخابية، وأكثر اقتناعًا بأن هذا النهج الحذر سيكلفه الفوز بولاية ثانية.

وأكدت المجلة أن ما يقرب من اثني عشر من مساعدي الرئيس السابق ومستشاريه وأصدقائه أوضحوا أن شعوره بالملل في منتصف الصيف كان بمثابة لحظة حاسمة في حياته السياسية؛ حيث أطلق سلسلة من ردود الفعل التي كادت أن تدمر حملته الانتخابية ولا تزال تهدد فرصه في الفوز.

وقد أجمع المقربون من ترامب على أنه في خضم هذا الاضطراب، يوجد مرشح تزداد شهيته للفوضى، وهو ما يعد تذكيرًا بما يمكن أن يحدث في حال فوزه في 5 تشرين الثاني/نوفمبر.


وقرر ترامب أن الوقت قد حان لتولي زمام الأمور بنفسه، وخلال الأيام العشرة الأولى التي أعقبت خروج بايدن من السباق، كان ترامب يستمع إلى مديري حملته الانتخابية - وهما المستشاران المخضرمان في الحزب الجمهوري سوزي وايلز وكريس لاسيفيتا - وهما يشرحان له أن إستراتيجيتهما لا تزال متينة، وأنه لا شيء يحتاج إلى تغيير جذري مع تولي هاريس قيادة الحملة، لأنها ورثت نقاط الضعف التي استغلوها بنجاح ضد بايدن، وحذروه من المبالغة في رد الفعل، مؤكدين أن البقاء على المسار الصحيح هو أضمن وصفة للنجاح الانتخابي.

وقد سايرهم لفترة من الوقت، لكن كل ساعة أمضتها حملته في التعامل مع هاريس كما لو كانت خصمًا يعتد به، وليس باعتبارها تلك الحمقاء غير المؤهلة، كانت تزعج الرئيس السابق، وأخيرا نفد صبره، وخلال مقابلة مع الرابطة الوطنية للصحفيين السود في 31 تموز/ يوليو، أفرغ ترامب علنًا هذا النوع من الانتقادات اللاذعة العنصرية التي نجح مساعدوه سابقًا في احتوائها في خطاباته الخاصة.

وأفادت المجلة أن ترامب بدأ يفقد الثقة في فريقه في الأيام التي تلت ظهوره في الرابطة الوطنية للصحفيين السود، ومع صعود هاريس سريعًا وتراجع أرقامه في استطلاعات الرأي، كان ترامب يفكر للمرة الأولى في إجراء تغيير في فريقه.

وفي أوائل آب/أغسطس، بدأ ترامب في التودد إلى اثنين من حلفائه القدامى ومديري حملته الانتخابية في سنة 2016، وهما كيليان كونواي وكوري ليفاندوفسكي، وناقش معهما ما قد يبدو عليه الأمر إذا ما انضما مجددًا إلى حملته السياسية بصفة رسمية، وأخبر ترامب ليفاندوفسكي - الذي وافق فورا على الانضمام إليه - أنه يفتقد الطبيعة "المرحة" والحرة التي كانت تتسم بها حملته الأولى للبيت الأبيض، كما أخبر كونواي أنه يشعر بالقلق من أن فريقه الحالي "يتحكم به" بشكل مفرط.

وأزعجت محادثات ترامب مع كونواي مديري حملته، فقد كانا يعرفان أنها تتحدث مع ترامب بشكل متكرر؛ كما كانا يعرفان أنها تحب أن ينسب لها الفضل في انتخابه في سنة 2016. وقد كانت انتقادات كونواي الموجهة لحملة 2024 خفية لكنها كانت حادة؛ وخشي كبار مستشاري الحملة من أن أيامهم في إدارة الحملة قد تكون معدودة، وفقا للمجلة.

غير مصدر التهديد الحقيقي كان ليفاندوفسكي، فقد وعد ليفاندوفسكي ترامب بعودة الأجواء "القاتلة" التي كانت سائدة في سنة 2016، لكن تفاصيل دوره الجديد تُركت مفتوحة للتأويل، وقد اعتقد ليفاندوفسكي أنه سيتفوق على قيادة الحملة الحالية، بينما أكد ترامب نفسه لوايلز ولاسيفيتا أن ليفاندوفسكي سيكون رجلًا مساعدًا؛ حيث سيساعد في تنظيم الجهود الأمنية للانتخابات والعمليات الميدانية في الولايات المتأرجحة.

وأشارت المجلة أن ليفاندوفسكي كان مصممًا على فرض نفسه؛ حيث بدأ بالتصريح بأنه يتحدث باسم ترامب نفسه، وأعلن أنه سيكون مسؤولاً عن جميع النفقات، وأنه بحاجة إلى معرفة مواطن الخلل حتى يتمكن من إصلاحها، وبدأ في الاتصال بالوكلاء الرئيسيين للحملة في الولايات الحاسمة، مستكشفا نقاط الضعف في حملة ترامب على الأرض ومؤكدًا أن هناك تحولًا في الاستراتيجية قيد الإعداد.

وقد كان محقًا، فقد تزامن وصوله مع تحول ملحوظ في مزاج ترامب وسلوكه؛ حيث اختفى فجأة مرشح 2024، الذي كان على الرغم من كل الانفعالات التي لا مفر منها يتقبل التوجيهات ويدرك العواقب؛ وحل محله المرشح المغرور الذي يفعل ويقول ما يريد ويتجاهل كل من يسعى إلى كبح جماحه.

وخلال أسبوع المؤتمر الوطني الديمقراطي، شارك الرئيس السابق منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي يحتوي على إساءة جنسية لهاريس، واتهم هاريس بـ"الإطاحة برئيس الولايات المتحدة بطريقة شريرة وعنيفة"، واتصل بتغطية فوكس نيوز للمؤتمر، وهذى بشكل غير متماسك لدرجة أن المذيعين قطعوا اتصاله بعد 10 دقائق من المقابلة، وبعد استطلاع رأي للجمهور في تجمع حاشد في ولاية كارولينا الشمالية حول ما إذا كان ينبغي عليه أن يهاجم هاريس "بشكل شخصي"، واستجابة الجمهور بصخب لتشجيعه على انتقاداته اللاذعة، فكر ترامب في طرد مستشاري حملته.

وذكرت المجلة أن إحدى الحجج التي وجدها ترامب مقنعة أثناء اختياره فانس كنائب له كانت تتمحور حول الحيوية الشبابية، فقد زاد أسلوب السيناتور الشاب وحنكته الإعلامية من جاذبية الحملة الانتخابية، لكنه حافظ على حاشية من المؤثرين على الإنترنت ممن لا يملكون خبرة في الفوز بالحملات الانتخابية ولكنهم يملكون الكثير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، والآن سينضم بعض من هؤلاء المحرضين اليمينيين إلى حملة كانت تكافح بالفعل للحفاظ على مهمتها الأساسية.

وكان أول شهرين في حملة فانس الانتخابية هادئين إلى حد كبير، ثم جاء يوم 9 أيلول/سبتمبر، قبل يوم واحد من مناظرة ترامب مع هاريس في فيلادلفيا، وكان السيناتور الشاب قد انغمس في التحريض اليميني بشأن سبرينغفيلد بولاية أوهايو؛ حيث أشيع أن المهاجرين يسرقون ويأكلون الحيوانات الأليفة، وعندما علم حلفاء فانس في الحملة الانتخابية أنه تحدث بالفعل عن قضايا ذات صلة حثوه على اغتنام الفرصة وتحويلها إلى حملة دعاية لترامب، وقد وافق فانس على ذلك، ونشر منشورا على موقع "إكس" يؤكد فيه هذه الإشاعات، وهو ما فاجأ قادة حملة ترامب.

ورفض معظم الجمهوريين مجاراته في هذا الأمر، لكن ترامب نفسه وجد أن هذه المزاعم لا تقاوم، ورغم أنه كان منعزلاً في فترة الإعداد للمناظرة، وصله خبر أن فانس قد ضخّم الادعاءات المثيرة حول سبرينغفيلد، وشعر مستشاره بالحيرة من منشور فانس، وعلى الرغم من أنهم بذلوا قصارى جهدهم لتجنب أي حديث عن سبرينغفيلد طوال فترة الإعداد للمناظرة، إلا أنهم كانوا يشعرون بأن ترامب لن يتمكن من السيطرة على نفسه.

وبحلول الوقت الذي صعد فيه ترامب إلى المنصة في الليلة التالية كانت حملته تواجه أزمة أكثر خطورة؛ فقبل عدة أيام، تلقى ترامب مكالمة هاتفية من إحدى معجباته: لورا لومر، وهي محرضة يمينية اشتهرت بعنصريتها، وقد ظلت لومر واحدة من أكثر مؤيدي ترامب ولاءً حتى في أحلك لحظاته بعد 6 كانون الثاني/يناير، وقد منحها هذا الولاء خطًا مباشرًا مع الرئيس السابق، وبعد أن انضمت إلى المرشح على متن طائرته خلال رحلاته الحاسمة في أوائل السنة، ناقش مسؤولو الحملة طرقًا لتهميش لومر دون ضجة.

غير أن لومر بدأت تغضب في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر، واتصلت بترامب وطالبت بمعرفة سبب إبعادها عن الحملة الانتخابية، وطمأنها ترامب وأكد لها أنه سيحرص على دعوتها على متن الطائرة في رحلته القادمة، وعندما نقل ترامب هذا الطلب إلى وايلز اندهشت، فقد كانت الرحلة التالية إلى فيلادلفيا لحضور المناظرة.

وعرفت وايلز أن هذا الأمر ليس جيدًا، ولكنها رضخت بعد جولة أخرى من الضغط اللطيف، وقررت وايلز أن السماح للومر بالقيام بالرحلة لم يكن مشكلة تستحق القلق، لكنها كانت ينبغي أن تكون كذلك، بحسب التقرير.

فقد غضب بعض حلفاء الرئيس السابق عندما شاهدوا صورًا للومر وهي تنزل من طائرته في 10 أيلول/سبتمبر، وبدأ المسؤولون الجمهوريون المنتخبون في إرسال رسائل نصية إلى مساعدي الحملة يطالبون فيها بمعرفة سبب سفرها مع ترامب، لكن موظفي ترامب أنفسهم لم يعلموا أنها كانت على متن الطائرة، وكانوا حائرين وغاضبين مثل الجميع.

وبينما كانت الليلة تمضي، كان قادة الحملة يدرسون خطوتهم التالية، فقد كان سحبها من الطائرة مخاطرة قد تؤدي إلى بتحويل القصة إلى شيء أكثر فوضوية؛ وقرّرت وايلز أن تبقى ضيفة ترامب الخاصة طوال مدة الرحلة، لكن المشكلة الوحيدة أنهم كانوا متجهين مباشرة إلى مدينة نيويورك لحضور حفل لتكريم ضحايا هجمات 11 أيلول/سبتمبر، التي وصفتها لومر بأنها مؤامرة داخلية.

وبعد أن أظهرت الكاميرات لومر واقفة بالقرب من ترامب في موقع تكريم الضحايا، اتصل الأصدقاء والمقربون والمتبرعون برقمه بإلحاح جنوني، وقرأ له البعض التغريدات القديمة التي نشرتها لومر، وطالب آخرون بطرد من سمح لهذه المرأة بالصعود على متن الطائرة، وردّ ترامب على كل ذلك متذرعًا بالجهل، فردوا عليه بسحب أكثر منشورات لومر تحريضًا وعرضها عليه، فانزعج ترامب من بعضها وبدا غير متأثر بالبعض الآخر، لكنه وافق في نهاية الرحلة على ضرورة رحيل لومر.

وأشارت المجلة إلى أن ترامب اعتبر أن حادثة لومر كانت مجرد مشكلة عابرة، لكن مستشاريه كانوا يخشون من أن المشكلة أصبحت أكثر جوهرية، فقد شهد الشهر السابق انزلاق الحملة الانتخابية إلى دوامة من الفوضى، وكان ليفاندوفسكي يتصرف بطريقة متمردة، وانخفضت الروح المعنوية بين الموظفين، وبدا ترامب نفسه عازمًا على تخريب البرنامج - كبح الهجرة، ومكافحة التضخم، وإظهار القوة على الساحة العالمية - الذي تم تصميمه للفوز بالانتخابات، وأسرّت وايلز لأصدقائها أنها شعرت هي ولاسيفيتا أنهما فقدتا السيطرة على الحملة.

وعندما جلست هي ولاسيفيتا مع ترامب في منتصف أيلول/سبتمبر، حثت وايلز رئيسها على إدراك مدى سوء الأمور، وأنه لا يمكن تكرار هذه الأخطاء الأخيرة؛ وأن المسار الحالي غير قابل للاستمرار.

ورغم أن ترامب لا يتقبل التوبيخ بشكل جيد، إلا أنه بدأ يدرك الآن أنه كان منخرطا في تدمير نفسه بنفسه، وقال لوايلز إنه يوافقها الرأي: لقد حان الوقت لتصحيح الأمور.

وكان ترامب يعتقد أن المحادثة قد انتهت، ولكن كان هناك شيء آخر يشغل بال وايلز؛ فقبل أيام من جولة محفوفة بالمخاطر على الساحل الشرقي، أخبر ليفاندوفسكي ترامب بأنه بحاجة للحديث، موضحًا أن هناك معلومات يستحق المرشح معرفتها.

وأطلع ليفاندوفسكي ترامب على نتائج تحقيقاته في الشؤون المالية للحملة، موضحًا أن الأموال تُصرف على برامج غير مهمة، دون إشراف كافٍ على العقود التي تحقق مكاسب لبعض الموظفين. وأشار إلى أنه أحضر مستشارًا خاصًا لدراسة الحسابات، وخلص هذا المستشار إلى أن "موظفيك إما غير كفؤين تمامًا، أو أنهم يسرقون منك."

وبدت على ترامب مشاعر متضاربة، فهو يكره فكرة الاستغلال، لكنه كان يعتمد على وايلز. وفي النهاية، أمر ترامب ليفاندوفسكي بأن يتحدث بمخاوفه إليها.

وقالت المجلة إنه عندما تحدث ليفاندوفسكي مع وايلز خلال رحلة طيران، سارت الأمور بشكل غير متوقع. ورغم أنه لم يتهم أفرادا محددين، لكنه عبّر عن اعتقاده بأن بعض القرارات اتُخذت بهدف تحقيق مكاسب مالية. وشعرت وايلز بالإساءة من هذا التخمين وأخبرته بأنها لا تحتاج إلى تبرير. ومع ذلك، قضت ساعة تشرح له خيارات الموردين والعقود. وعندما استمر في التشكيك، أنهت وايلز المحادثة لتركيزها على إعداد ترامب للمناظرة.


وبعد المناظرة، ومع تخوف الكثيرين في الداخل من أن الحملة كانت تتداعى، شعرت وايلز أن ليفاندوفسكي يستعد للتحرك، فلقد طالب مرارًا بالتحكم في التوظيف وحق النقض على قرارات الإنفاق، مما كان سيجعله قائد الحملة. الآن كان يراهن بكل شيء، مبلّغًا ترامب بأن وايلز ولاسيفيتا استثمروا عشرات الملايين في حملات البريد المباشر التي كانت تُفيد بعض موظفي الحملة بدلاً من إعلانات التلفزيون.

وكان ليفاندوفسكي يدرك أن ترامب يهتم فقط بالإعلانات التلفزيونية، مما يعني أنه يُستغل وأن المال كان يمكن أن يجعله حاضرًا بشكل كبير على الشاشة.

وفي 12 أيلول/ سبتمبر، قالت وايلز لترامب: "لا يمكن أن يستمر هذا الأمر"، مشيرةً إلى أن المشكلة ليست فقط مع لوومر وسبرينغفيلد. وأخبرت ترامب أن ليفاندوفسكي قد أضر بالحملة، حيث زرع عدم الثقة ونشر الشائعات، مما جعل من الصعب عليها أداء وظيفتها. وأضافت: "إذا كان لديك شيء تود مناقشته، فلنتحدث. ولكن إذا كنت لا تثق بي وبكريس، فقل ذلك بصراحة."

واعتبرت المجلة أن ذلك كان بمثابة إنذار، وإذا كان ترامب يجد صعوبة في اتخاذ القرار بين إقالة وايلز ولاسيفيتا أو الإبقاء عليهما وطرد ليفاندوفسكي، فإنه لم يُظهر ذلك. ففي ذلك الوقت، منح وايلز الثقة. وفي اليوم التالي، على متن طائرة الحملة، جمع ترامب وايلز ولاسيفيتا وليفاندوفسكي حول طاولة، حيث قال لليافاندوفسكي: "لا يمكننا تحمل خسارة هؤلاء الأشخاص، إنهما المسؤولان."

وعرض ليفاندوفسكي على ترامب العودة إلى نيو هامبشاير، إلا أن ترامب رفض ذلك قائلا: "لا، أريدك أن تظهر على التلفاز من أجلي كل يوم". وسكت قليلًا ثم قال: "واذهب واحصل على تأييد نيو هامبشاير بينما تتواجد فيها". وقال ليفاندوفسكي بغضب: "لن تفوز بولاية نيو هامبشاير. لكن لا بأس".

وعندما استأنف الركاب الصعود إلى الطائرة، لم يكن ليفاندوفسكي على متنها، مما يُعتبر إهانة بارزة في المجال السياسي لترامب. وأخبر ليفاندوفسكي أصدقاءه أنه كان يخطط للسفر على متن طائرة تجارية إلى وجهته التالية، بينما قال ترامب لمساعديه إن غياب ليفاندوفسكي كان رسالة تفيد بأن المعارضة لن تُحتمل بعد الآن. لقد فقد ترامب الكثير من الأراضي لصالح هاريس، ولم يكن الانتصار ممكنًا إلا إذا انضبط الجميع في الحملة.

وأوضحت المجلة أن الأمور بدت مستقرة بعد ذلك، فمع دخول تشرين الأول/ أكتوبر، وبدأت هاريس حملة إعلامية للتواصل مع الناخبين، وكانت حملة ترامب تشعر بالرضا بالتراجع عن الأضواء. واعتقد كل من وايلز ولاسيفيتا أن ظهور هاريس أمام الكاميرات سيزيد أصوات الجمهوريين. وبدلاً من الظهور على الشبكات الكبرى، نظمت حملة ترامب جولة من البودكاست موجهة للشباب بقيادة برويسويتز، الذي يمتلك شبكة من المؤثرين. وكانت الاستراتيجية فعّالة، حيث أظهرت استطلاعات ترامب أن زخم هاريس توقف بينما ارتفعت أرقامه.

وبحلول منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ ترامب يتلقى العديد من الطلبات من المرشحين الجمهوريين للظهور معه، وهو ما كان نادرًا قبل شهر. حتى شاغلي المناصب الضعيفة، مثل النائب كين كالفرت من كاليفورنيا، حاولوا الاستفادة من شعبية ترامب. وقد أعجب حلفاء ترامب بتغير السرد، حيث أسفر التركيز على هاريس ومحاولة إبعاد ترامب عن المشاكل عن أكبر تحرك في صالحه منذ دخولها السباق.

ولا يعني ذلك أن ترامب لم يكن يبذل قصارى جهده لإفساد الأمور، فقد قضى أربعين دقيقة على المسرح في بنسلفانيا يتمايل بصمت على أنغام الموسيقى، مما دفع مساعديه للتساؤل عما إذا كان يمكنهم قطع الصوت لإخراجه.

وحتى مع استقرار الطبقة السياسية على ترامب كمرشح مفضل، لم يستطع حلفاؤه التخلص من شعورين سيئين. الأول كان بشأن العمل الميداني، حيث حولت موارد الحزب إلى جهود قانونية، مما أثر على أداء الجمهوريين في مواجهة الديمقراطيين وزاد اعتمادهم على المساعدة الخارجية. وأصبحت برامج إيلون ماسك مزحة في الدوائر الجمهورية، حيث غادر بعض الموظفين الشباب لشركات استشارية للقيام بحملات لصالحه مقابل عمولات مغرية. وأثبت نظامه أنه سهل التلاعب به، مما سمح لهم بزيادة عدد الاتصالات والاستفادة من المكافآت.

وأفادت المجلة أن الشاغل الأكثر إلحاحًا كان هو النزاع الذي مزق العملية السياسية للمرشح الجمهوري. فبعد شهر من إقالته، تمكن ليفاندوفسكي من العودة إلى دائرة ترامب. وفي تلك الأثناء، أخبرت وايلز لاسيفيتا أنها لم تعد قادرة على إدارة قائمة المسافرين، ففوضته بهذه المهمة، مما تسبب في مواقف محرجة عندما أراد ترامب أن يرافقه ليفاندوفسكي.

وحتى عندما لم يكن ليفاندوفسكي حاضرًا، كان تأثيره واضحًا. ففي إحدى المناسبات، انضمت حاكمة ساوث داكوتا كريستي نويم إلى طائرة ترامب بعد حدث، حيث قاطعت اجتماعًا إستراتيجيًا لتقول إن الحملة تتأخر عن الديمقراطيين من حيث أرقام تسجيل الناخبين. وصُدم مساعدو ترامب لأنها كانت تعارض بياناتهم، واعتقدوا أن ليفاندوفسكي حثها على ذلك لجعل وايلز ولاسيفيتا يبدو عليهما سوء الأداء، وقد نفت نويم هذه الفكرة وأبدت استياءها من أنها "تحتاج إلى رجل ليحثها على أي شيء."

وأضافت المجلة أنه مع اقتراب السباق من نهايته، وبدء مجموعة المساعدين والمقربين من ترامب في التمركز لأخذ الفضل أو تفادي اللوم، بدأ العديد من الأشخاص المقربين من المرشح في تسريب معلومات سلبية عن منافسيهم. وتسرب شعور بالقلق إلى الحملة، حيث أشار عدة مساعدين إلى أن التوتر كان كبيرًا، وأن شيئًا ما لا بد أن يظهر إلى العلن.

وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر، نشرت صحيفة "ديلي بيست" تقريرًا يتهم لاسيفيتا باختلاس 22 مليون دولار من الإعلانات والنفقات الأخرى. وقالت مصادر في الحملة إن هذه الادعاءات مبالغ فيها، وأن لاسيفيتا لم يكسب هذا المبلغ. وقد أكد لاسيفيتا أن الرقم مُختلق، لكن اعتراضاته لم تكن مهمة، فقد كان ترامب غاضبًا، وحتى عندما حاولت وايلز تهدئته، استمر ترامب في الغضب مطالبًا بمعرفة لماذا لم تتوقف الحملة عن نشر القصة.

وذكرت المجلة أن لاسيفيتا استُدعي فجأة إلى برج ترامب صباح يوم الجمعة، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، ليجد نفسه في ليموزين مع ترامب ورجل الأعمال هاورد لوتنيك. وخلال الرحلة إلى مطار لاغوارديا، شعر لاسيفيتا بالتوتر وكان ينتظر أن يفصله ترامب. ولكن عند وصولهم إلى مطار لاغوارديا، أشار ترامب إلى لاسيفيتا للانضمام إليه في المكتب الضيق على الطائرة؛ حيث عرض ترامب نسخة من تقرير "ديلي بيست"، بينما قدم لاسيفيتا مجموعة كبيرة من الوثائق ليدافع عن نفسه. ودار نقاش حاد بينهما حول الاتهامات، حيث أصر لاسيفيتا على عدم خداع ترامب، وفي النهاية، بدا ترامب راضيًا وطالبه بمقاضاة الصحيفة.

وتم تقريبًا حل التوتر بين ترامب ولاسيفيتا، حيث لم يثر ترامب قضية راتب لاسيفيتا منذ ذلك الحين، ومع ذلك، ظل التحالف هشًا. وبعد أقل من أسبوع، كشفت سي إن إن عن نشاط لاسيفيتا على تويتر في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، بما في ذلك إعجابه بتغريدة تدعو لعزل ترامب عبر التعديل الخامس والعشرين. وفي تلك المرحلة، قال ترامب إن لاسيفيتا "مات" بالنسبة له وأنه لن يكون له مكان في إدارته مستقبلاً.

وأشارت الصحيفة إلى أن خبر إبعاد ترامب لأحد مساعديه الرئيسيين أثار قلق باقي الفريق. فقد لاحظ الكثيرون وجود وجوه جديدة تسأل عن الأمور المالية، ومع ازدياد شكوك ترامب، أصبح كل موظف وكل قرار تحت المجهر حتى يوم الانتخابات.

ومع اقتراب نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ موظفو ترامب في الاستسلام، وذلك بعد أن كانوا قد اعتادوا على العمل في بيئة عالية الضغط، لكن المرحلة الأخيرة من الحملة كانت مخيبة للآمال. وبدأ العديد من المسؤولين، الذين كانوا متحمسين للعمل في البيت الأبيض المقبل، يغيرون رأيهم، مشيرين إلى أن الأشهر الثلاثة الماضية كانت من أسوأ فترات حياتهم المهنية. وقالوا إنهم سواء فازوا أو خسروا، فقد انتهوا من فوضى دونالد ترامب.

ووقفت مجموعة غاضبة من موظفي ترامب وأفراد أسرته والموالين له في قلب حديقة ماديسون سكوير غاردن مساء يوم الأحد 27 تشرين الأول/ أكتوبر، وكانوا يبحثون عن شخص ما لإلقاء اللوم عليه؛ حيث كان العرض الذي أقيم في وقت الذروة الذي كان يُعرض في وقت الذروة خلف ممرهم قد استغرق ثماني سنوات في الإعداد. فترامب سيقيم حفلًا متقنًا للاحتفال بغزوه للنفسية السياسية الأمريكية. إلا أنه فشل على الرغم من ارتفاع تكلفة الإنتاج بلغت مليون دولار.

وتضمن الحفل نكات سخيفة من الممثل الكوميدي، توني هينشكليف، ولكنها نجحت في استعداء الدوائر الانتخابية التي أمضى ترامب شهورًا في مغازلتها؛ حيث كانت إحدى النكات عن السود، وأخرى تصور اليهود على أنهم متعطشون للمال والعرب على أنهم بدائيون.

لقد كانت ردة الفعل العنيفة وعاجلة؛ حيث انتقد المسؤولون المنتخبون - الديمقراطيون والجمهوريون أيضًا - تصريحات الممثل الكوميدي. ووصفت العناوين الرئيسية للمؤسسات الإخبارية الرائدة في العالم الحدث بأنه مهرجان الكراهية الذي وعد الجمهوريون بأنه لن يكون كذلك. وانهالت الرسائل النصية على مساعدي ترامب من المشرعين والمانحين وجماعات الضغط الذين أرادوا معرفة من صاحب الفكرة اللامعة لدعوة كوميدي لهذا الحدث الأكثر أهمية في حملة الخريف.

وقد توصل كبار موظفي ترامب إلى المسؤول عن ذلك، وكان أليكس برويسويتز، موظف متوسط المستوى في حملة ترامب، والذي زادت شهرته بفضل إستراتيجياته في وسائل الإعلام اليمينية. ورغم نجاحه في تأمين ظهورات ترامب في بودكاستات، لم يتمكن من حجزه في برنامج "كيل توني" مع هينشكليف. وعندما علم ترامب بأنه يبحث عن مقدمي عروض لماديسون سكوير غاردن، ساعد برويسويتز في التعارف، بينما تبنى جاستن كابورال الفكرة دون التحقق من خلفية هينشكليف.


وبينما كانت احتفالاتهم تتحول إلى كابوس للعلاقات العامة، انشغل حلفاء ترامب باتخاذ قرارين سريعًا، وهما إبلاغه بالكارثة قبل صعوده إلى المسرح، وإصدار بيان يندد بتصريحات هينتشكليف. وكان البعض يخشى أن يؤثر ذلك على تركيزه، بينما رأى آخرون أن إظهار الضعف سيزيد الأمور سوءًا. وفي النهاية، أصدر لاسيفيتا بيانًا ينأى بالحملة عن هينتشكليف، بينما شرحت وايلز الوضع لترامب، الذي شعر بالانزعاج في البداية ثم غضب لاحقًا بسبب تعامل فريقه مع الموقف.

وفي كواليس الحدائق، بينما كان النقاش حول كيفية التعامل مع الأضرار مستمرًا، كان ستيفن ميلر هو الوحيد الذي تأمل في المشهد الأكبر. ووفقًا لشخصين كانا حاضرين، لم يشعر ميلر، مستشار ترامب المعروف بميوله القومية، بالإهانة من نكات هينتشكليف العنصرية، لكنه كان غاضبًا لأن الحملة ارتكبت خطأً كبيرًا غير مبرر. وكان يُعتقد أن بروسويتز ألحق ضررًا بفرص ترامب الانتخابية، وشعر بالقلق من غياب الانضباط وتأثيره على ترامب إذا عاد إلى السلطة.

واختتمت المجلة تقريرها موضحة أن ميلر وزملاءه انتقدوا بروسويتز لتهوره، بينما كان الجاني الحقيقي هو الرجل الذي خلص إدمانه على الفوضى الظروف التي أتاحت لممثل كوميدي طُرد من وكالته بسبب عبارات عنصرية أن يُدعى لافتتاح الحدث الختامي للانتخابات دون أي اعتراض. وقال ميلر للمجموعة: "إذا كنا لا نستطيع أن نثق بهذا الفتى في الحملة الانتخابية، فكيف يمكننا أن نثق به في البيت الأبيض؟".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع