ملفات وتقارير

مسلسلات تلفزيونية وثقت السياسة والانتخابات الأمريكية.. "سوداوية وسخرية وواقعية"

نجحت المسلسلات في تقديم شرح مفصل لمختلف جوانب السياسة الأمريكية وخفاياها- جيتي
طالما كانت المواضيع السياسية والانتخابات الأمريكية من أكثر المواضيع الملهمة للعديد من الأعمال الفنية والدرامية، وبسببها ظهرت مسلسلات تلفزيونية هامة عكست بشكل كبير حقيقة "اللعبة السياسية"، أو حتى كانت وسيلة "غير مملة" تقدم فهم أعمق لما يحدث في واشنطن.

وبسبب وفرة الأعمال الفنية العديدة والمتنوعة، نجحت هذه المسلسلات في تقديم شرح مفصل لمختلف جوانب السياسة الأمريكية وخفاياها، بل وتوقع أحداث وسيناريوهات نادرة الحدوث، وذلك على طول سنوات من إنتاجها ضمن مئات وآلاف الحلقات.

"هاوس أوف كاردز"
في كثير من الأحيان، تركز البرامج التلفزيونية السياسية على وعد الحكومة بمساعدة الناس، وتقديم السياسيين ورجال السلطة بمظهر وطني، لكن هذا ليس ما حصل في مسلسل "نتفلكس" الشهير، الذي قدم بطله والعديد من شخصيات الرئيسية بشكل كئيب وشرير.



ويشرح المسلسل ويوثق المؤامرات والبيروقراطية، وكيف بإمكان لعدد قليل من المسؤولين السيئين الكذب والغش والسرقة والقتل حرفيًا في طريقهم إلى المكتب البيضاوي. 

ويعرض المسلسل في مواسمه الأربعة الأولى، التي تعد الأهم والأكثر نجاحا، قصة خداع الإدارة الأمريكية المنتخبة حديثا عام 2012 لعضو مجلس النواب البارز، فرانك أندروود، وذلك من خلال التنصل من وعدٍ حصل عليه خلال الحملات الانتخابية بتعيينه وزيرا للخارجية.

وبسبب هذه الخديعة، يقرر أندروود الانتقام واتباع مصلحته الشخصية، ويبدأ بنصب المكائد لمرشح المنصب الذي جاء بدلا عنه واسمه، مايكل كيرن، من خلال تسريب مقالة قديمة تنتقد احتلال "إسرائيل" للضفة وغزة، ونشرت ضمن أحداث المسلسل في صحيفة كان يرأس تحريرها.


ونتيجة هذه المكيدة، يرتكب كيرن خطأ ساذجا في أثناء الدفاع عن نفسه أمام الإعلام، ويضحك بشكل مفرض على سؤال "هل كانت هذه أفكارك في ذلك الوقت؟"، في إشارة إلى عدم شرعية احتلال "إسرائيل" للضفة وغزة.



وبحسب المسلسل، فإن أندروود شخصية ذكية وماكرة ومتمرسة في السياسة، لذلك فهو يعرف أن مجرد "ضحك كرين" على سؤال مثل هذا سوف يغضب اللوبي الإسرائيلي بشكل كبير، وفي رد فعل تلقائي، يطلب فرانك من سكرتيرته مكالمة رابطة مكافحة التشهير "ADL" فورًا، ويخبر رئيسها بما يجري على الهواء مباشرة مع كرين حول نقاش "أفعال إسرائيل" في الضفة وغزة.

وبعد هذا الفاصل، تبدأ الهجمات الإسرائيلية على كرين، ويقول رئيس رابطة مكافحة التشهير في المسلسل، واسمه دينيس ميدل: "هذه المسألة لا تحتمل الضحك، وكرين يقول إننا لسنا شرعيين.. حسنا إنه معادٍ للسامية ومخطئ، ونحن قلقون من ترشيحه لمنصب وزير الخارجية".

وتنتهي الأحداث بسحب الرئيس الأمريكي لترشيح كرين، رغم أنه بحسب أحداث المسلسل لم ينتقد "إسرائيل"، بل هو من أكبر داعميها، إنما أندروود استغل نمطية "ADL" بمهاجمة أي شخص ينتقد "إسرائيل" متسلحا بمصطلح "معاداة السامية".

وكان هذا فقط ما حصل في الحلقات القليلة الأولى من الجزء الأول من المسلسل، وبعدها تبدأ مؤامرات أكبر لها علاقة بلوبيات وجماعات ضغط أخرى وصولا إلى خلق حالة من أجل وصول أندروود إلى منصب نائب الرئيس، ومن ثم إضعاف الرئيس نفسه وإدخاله في دوامة من الفضائح التي تدفعه إلى الاستقالة.

يصبح أندروود نائب الرئيس الأمريكي وعلى خطوة واحدة من أعلى منصب، دون أن يصوت له أي أمريكي، وحينها يقول عبارته الشهيرة "الديمقراطية مبالغ فيها جدا".



ولا تتوقف أحداث المسلسل إلى هنا، بل تمتد إلى حلول انتخابات عام 2016 التي يخوضها ضد المرشح الجمهوري والشاب صاحب الشعبية الكبيرة، ويل كينواي، الذي هو بدوره يمارس العديد من أساليب "السياسية الفاسدة" ويتلاعب بمحرك بحث شهير لدعم حملته الانتخابية.


وتضمن المسلسل أيضا محاولات لتعطيل الانتخابات وعدم الاعتراف بشرعيتها مع طلبات إعادة الفرز، وحتى اللجوء إلى الكونغرس من أجل اختيار الرئيس، وهذا كلها حالات جرى الحديث عنها بشكل واسع خلال انتخابات 2016 و2020 على أرض الواقع التي جربت بين دونالد ترامب من جهة وهيلاري كلينتون وجو بايدن على الترتيب.

"فييب"
يتحدث عن منصب "نائب الرئيس - Veep"، لكن بنظرة أقل حدة، لكنها كانت أكثر سخرية بطريقة ما، ويوثق مغامرات نائبة الرئيس سيلينا ماير، مع تقديم السياسيين ليس كأشرار وعقول مدبرة، ولكن كمجرد مهرجين وأغبياء.



وعلى الرغم من كون المسلسل مضحكا وواقعيا إلى حد ما، فهو قدم العديد من المحتوى المضحك والكوميدي لانتقاد "عبثية وعدم عدالة الأنظمة الحكومية والانتخابية الأمريكية الفريدة"، بحسب تقرير لـ"يو إس أيه توداي".

وعاد الاهتمام بهذه المسلسل الذي اختتم عام 2019 بعد انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي وتأييده لنائبة الرئيس كامالا هاريس، بعدما أظهرت إحدى حلقاته أنه يتنبأ بالانتخابات التاريخية.

ويتتبع المسلسل الذي تم بثه على قناة " إتش بي أو - HBO"، في خاتمة الموسم الثاني، كشفت ماير لفريقها أن الرئيس ستيوارت هيوز لن يترشح بعد الآن لإعادة انتخابه، ما يجعلها أول رئيسة.

وتداول محبو البرنامج المقطع الشهير على منصات التواصل، مشيرين إلى أوجه التشابه بين الموقف الخيالي والتغيير المفاجئ في تذكرة الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة.

وتضمنت التعليقات على هذا المشهد أنه "من المثير للاهتمام أن رحلة كامالا أصبحت مثل رحلة سيلينا في Veep"، وأن المسلسل "يتنبأ بالمستقبل بطريقة مشابهة لتلك الخاصة بسيمبسونز"، وأن "ما حدث في السياسة خلال السنوات الثماني الماضية هو أمر جنوني، وقد شاهدناه على شاشة التلفزيون أولا.. هذا جنون".


وحصل المسلسل في المجمل على استحسان النقاد وفاز بعدة جوائز، ورُشح أربع مرات متتالية لجوائز "الإيمي برايم تايم" لأفضل مسلسل كوميدي، وفاز بالجائزة في موسمه الرابع، وفازت بطلة المسلسل جوليا لوي دريفوس بخمس جوائز "إيمي" متتالية.

الجناح الغربي
لا يمكن الحديث عن المسلسلات السياسية الأمريكية دون الحديث عن "ذا ويت وينغ" الذي تدور أحداثه في البيت الأبيض وتم إنتاجه في الفترة ما بين 1999 حتى 2006 بواقع سبعة مواسم تضمن 155 حلقة.



وكان "الجناح الغربي" أول مسلسل يتخذ موقفا بشأن القضايا الساخنة، ناهيك عن ذكر الأحزاب السياسية الحقيقية، مع التزامه بالحزبية والعاطفية بشكل علني، مع توثيق مخاطر التصويت في الكونجرس والقمم الأجنبية بشكل واقعي، نظرا الشخصيات كانت ديمقراطية وجمهورية تتحدث عن أجزاء حقيقية من العالم. 

وبشكل أو بآخر تأثر "هاوس أوف كاردز" بشكل كبير بهذا المسلسل الشهير والقديم المبتكر من قبل آرون سوركين، وذلك سواء في تقديم الشخصيات أو ذكر أسماء الأحزاب وتوجهاتها وبعض اللوبيات وجماعات الضغط بشكل واضح وصريح.

وتدور أحداث المسلسل بشكل أساسي في الجناح الغربي للبيت الأبيض، الذي يوجد فيه المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس الأمريكي) ومكاتب كبار الموظفين الرئاسيين في الإدارة الديمقراطية الخيالية للرئيس يوشيا بارتليت.


وقالت الكاتب البريطاني جوناثان فريدلاند في مقال نشره عبر صحيفة "الغارديان" عام 2008 إن كتًّاب سيناريو المسلسل عملوا على صياغة قصة المسلسل الخيالي لتحاكي التجربة الواقعية لحياة المرشح الرئاسي الديمقراطي حينها باراك أوباما.

 يقول كاتب المقال إن عشاق المسلسل الدرامي، أمضوا أسابيعهم القليلة الماضية في الحديث عن ذلك الشبه الكبير، الذي يصل إلى حد التطابق، بين القصة التي يعيشها بطل المسلسل وبين حياة أوباما الحقيقية. 



وأضاف فريدلاند أن "كلا من الحملتين الحقيقية (حملة أوباما) والمتخيلة (حملة بطل المسلسل) تتركز حول مرشح شاب كاريزمي ينتمي إلى أقلية عرقية، ويتجرأ على الوقوف في وجه ماكينة مؤسسة حزبه، متسلحا بوعد تخطيه قضية العرق، وسعيه لشفاء البلاد من الانقسام والشرخ الحزبي الذي تعاني منه.

وذهل عشاق المسلسل، الذي حاز على عدة جوائز، من الشبه الكبير بين نسخة ماتيو سانتوس من المسلسل وحياة أوباما الحقيقية، فهم لم يعلموا أن ذلك الشبه لم يكن محض صدفة، فكتاب سيناريو كانوا قد فصلوا قصته لتعكس حياة سياسي شاب من ولاية ألينوي واسمه باراك أوباما.