مدونات

قراءة في المشهد الإقليمي: نحو تقارب استراتيجي للمشروعين السني والشيعي تحت مظلة القدس

"القدس نقطة الالتقاء الأساسية التي تجمع الاهداف الاستراتيجية"- جيتي
تتجلى القدس كدرة التاج ومؤشر التمكين والقوة في الصراع الحضاري الطويل والممتد بين المشروع الإسلامي والمشروع الصهيوغربي، فالقدس ليست مجرد بقعة جغرافية تاريخية مقدسة، بل تمثل عمق الهوية الإسلامية ورمز عزتها وقوتها.

وفي عصر تزداد فيه التهديدات لأمة ممزقة، تتعاظم الحاجة إلى إعادة تموضعها وترتيب أولوياتها وبناء خريطة تحالفاتها الاستراتيجية برؤى رشيدة وعميقة. فالمشهد الإقليمي الحالي يتطلب منا استجابة مسئولة ورشيدة تُعيد توجيه البوصلة نحو العدو ووحدة الهدف والمصير لكل مكونات الأمة الإسلامية.

المشهد الإقليمي: ديناميكيات متداخلة وصراعات سياسية وجيوسياسية طاحنة

تتسم الساحة الإقليمية الحالية بالتعقيدات الشديدة، حيث تتنازعها ثلاثة مشاريع رئيسية تتنافس على الهيمنة والنفوذ. يأتي في مقدمة هذه المشاريع المشروع الصهيوغربي، الذي يمثل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والغرب. ورغم كونه التهديد الوجودي التاريخي والحقيقي للأمة الإسلامية وهويتها، إلا أنه يحظى بدعم غير مشروط من معظم الأنظمة العربية الحاكمة الحالية، مثل الإمارات، والسعودية، ومصر، والأردن، والبحرين، التي تبرر تحالفاتها مع القوى الصهيونية بدافع الحفاظ على عروشها ومصالحها الشخصية.

في عصر تزداد فيه التهديدات لأمة ممزقة، تتعاظم الحاجة إلى إعادة تموضعها وترتيب أولوياتها وبناء خريطة تحالفاتها الاستراتيجية برؤى رشيدة وعميقة. فالمشهد الإقليمي الحالي يتطلب منا استجابة مسئولة ورشيدة تُعيد توجيه البوصلة نحو العدو ووحدة الهدف والمصير لكل مكونات الأمة الإسلامية

على الجانب الآخر، يظهر المشروع الإيراني، والذي يتبنى الرؤية الشيعية ويعمل على تعزيز نفوذه في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها. ويعكس هذا المشروع تنافسا حادا مع المشروع الصهيوغربي، لكنه في الوقت نفسه يمثل تحديا كبيرا للمصالح السنية، مما يزيد من حدة الصراع القائم.

وفي سياق مماثل، يتصاعد المشروع السني، الذي تقوده تركيا تحت زعامة أردوغان، بالإضافة إلى قطر وبعض الحركات الإسلامية السنية مثل حركة حماس، حيث يسعى هذا المشروع لتحقيق توازن إقليمي وتبني قضايا الأمة والدفاع عن هويتها، وخاصة قضية القدس كأولوية مركزية.

تباين المصالح والقضية الجدلية

تعكس هذه الديناميكيات تباين المصالح بين المشاريع الثلاثة، حيث تتنافس كلٌ منها على النفوذ والهيمنة. وفي خضم هذا التنافس، يبرز سؤال جوهري حول أهمية وكيفية تحقيق تقارب استراتيجي بين المشروعين السني والشيعي تحت مظلة القدس، رغم التحديات والخلافات التاريخية والتوترات الحالية.

نحو تقارب استراتيجي والدور المحوري للنخب

وأطرح في السطور التالية 4 مقترحات اولية قد تدعم التقارب الاستراتيجي بين المشروعين السني والشيعي:

1- تعزيز الحوار المفتوح: تُعد النخب الفكرية، الدينية والسياسية، من أبرز العناصر الفاعلة في تعزيز الحوار بين المشروعين. وينبغي أن تتبنى هذه النخب نهجا قائما على الاحترام المتبادل والقواسم المشتركة، حيث يصبح الحوار منصة لتبادل الأفكار والآراء بعيدا عن التهميش. ويمكن تنظيم منصات ومنتديات ومؤتمرات حوارية تهدف إلى تبادل الرؤى حول القضايا المشتركة، بدءا من القدس وصولا إلى التحديات التي تواجه الأمة.

تعكس هذه الديناميكيات تباين المصالح بين المشاريع الثلاثة، حيث تتنافس كلٌ منها على النفوذ والهيمنة. وفي خضم هذا التنافس، يبرز سؤال جوهري حول أهمية وكيفية تحقيق تقارب استراتيجي بين المشروعين السني والشيعي تحت مظلة القدس، رغم التحديات والخلافات التاريخية والتوترات الحالية

2- صياغة رؤى مشتركة: يتعين على النخب العمل على صياغة رؤية استراتيجية مشتركة تستند إلى مصالح الأمة. يمكن أن تشمل هذه الرؤى مجالات مثل الأمن والهوية الإسلامية، مع التركيز على تقليل حدة التوترات التاريخية والفكرية التي أثرت على العلاقة بين السنة والشيعة.

3- تشكيل تحالفات: من المهم تشكيل تحالفات استراتيجية تعزز التعاون بين الدول السنية والشيعية، من خلال توحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، مثل المشروع الصهيوغربي، ويمكن أن تُعزز هذه التحالفات المصالح الاقتصادية والسياسية للأمة الإسلامية.

4- أهمية القدس كنقطة التقاء: يجب أن تكون القدس نقطة الالتقاء الأساسية التي تجمع الاهداف الاستراتيجية للمشروعين السني والشيعي، حينها ستتمكن الأمة من توحيد صفوفها تحت راية القدس وتحقيق آمالها وطموحات شعوبها.

وفي ختام هذا المقال، لا يمكن التغافل عن ضرورة العمل الجاد والمشترك لتحقيق التقارب، فالقدس، كرمز للهوية وعزة الأمة، تستحق منا جميعا الالتفاف حولها والدفاع عنها.