باستثناء الأرجنتين جميع دول أمريكا الجنوبية كان لها موقف مشرف من القضية الفلسطينية ومن إدانة العدوان الصهيوني على غزة.
وقد وصل الأمر ببعضها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان وقوفا إلى جانب الحق الفلسطيني، ورفضا للإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين.
آخرها كانت “نيكارغوا” التي قطعت علاقتها مع العدو الصهيوني أول أمس مُتَّهِمة الحكومة الصهيونية بالفاشية وبأنها تمارس الإبادة الجماعية. وكانت كل من كولومبيا وبوليفيا قبلها قد اتخذتا ذات القرار، في حين استدعت كل من بليز ” هندوراس البريطانية” وتشيلي وهندوراس سفراءها من الكيان، وجميعها اتهمت الصهاينة بانتهاك القانون الدولي الإنساني. يحدث هذا رغم الضغوط الأمريكية على هذه الدول ورغم العقوبات التي تنتظرها.
وكان الرئيس البرازيلي “داسيلفا” باعتباره رئيس أكبر دولة في المنطقة قد شبّه ما يحدث بغزة في فبراير من العام الجاري بالمحرقة، ووصف القادة الصهاينة بالنازيين مما جعل الإعلام الموالي للكيان يتهمه بمعاداة السامية، ولكنه أصر على موقفه ولم يتراجع، وهكذا باتت كبرى الدول في أمريكا الجنوبية مؤيدة للحق الفلسطيني، وفي ذلك دلالة كبيرة على التراجع الواضح للنفوذ الأمريكي والصهيوني في المنطقة.
بين أسباب هذا الموقف الأمريكي الجنوبي هو شعور شعوب وقادة دول المنطقة أن الفلسطينيين يتعرضون لنفس ما تعرضوا له هم في العقود الماضية
ومن بين أسباب هذا الموقف الأمريكي الجنوبي هو شعور شعوب وقادة دول المنطقة أن الفلسطينيين يتعرضون اليوم لنفس ما تعرضوا له هم في العقود الماضية، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الدكتاتورية، وكان الكيان الصهيوني يدعمها بالمال والسلاح.
لم يقف الطرفان أبدا إلى جانب شعوب المنطقة أو إلى جانب حركات تحررها، بل العكس هو الصحيح.
وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت هذه الدول مُهيَّأة للوقوف في وجه المشروع الأمريكي الغربي المُهميمِن. وهو ما يفسر صعود اليسار اليوم في أمريكا الجنوبية أو ما يُعرَف بالاشتراكية الجديدة، في موجات متتالية من الفوز بالسلطة عبر صناديق الاقتراع. إذا أضفنا إلى هذا التأثير الكبير لانضمام البرازيل إلى مجموعة “بريكس” يتبين لنا التبدل الواضح في موازين القوة بالمنطقة لصالح الشرق على حساب الغرب.
هذا الواقع الجديد يجعلنا نتوجه بالتحية إلى شعوب وقادة دول أمريكا الجنوبية، ويجعل مساحة الأمل تتسع لدينا بأن العالم الغربي اليوم بِرأس حربته الصهيونية المغروسة في قلب فلسطين يتجه نحو الانهزام أمام القوى الصاعدة، إن كانت دول عظمي كالصين وروسيا أو كانت دول ناشئة كالبرازيل وجنوب افريقيا وإيران. إلا أن هذا التوجه الغربي نحو فقدان هيمنته على العالم يجعلنا ننتظر منه ردة فعل انتقامية كبيرة في نموذج ما يقوم به الكيان في فلسطين ولبنان.
لقد باتت الإبادة الجماعية في غزة، ومؤشراتها الأولى في لبنان دالة على هذا التوجه الانتقامي الأعمي. ومن شأن تطور الأحداث في الأسابيع والأشهر القادمة أن تعطينا مؤشرات أكثر دلالة على هذا التوجه.
وحتى وإن زادت همجية العدوان الصهيوني بتوسعة العدوان على لبنان إضافة إلى غزة، أو من خلال التصعيد العسكري مع إيران، فإم المؤكد أن القوى المتحكمة في الاتجاه العام لمنحنى الصراع الإقليمي والعالمي لم تعد اليوم الأدوات الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بل باتت قوى صاعدة جديدة وأخري تطمح للصعود يجمع بينها عامل مشترك واحد هو رفض النظام العالمي الحالي القائم على هيمنة القوى الرأسمالية الليبرالية ذات التوجه الصهيوني الواضح، ويحوِّدها العمل على بناء نظام أكثر عدلا تنال فيه الشعوب المضطهَدة حقوقها كاملة. وما التغير الحاصل في أمريكا الجنوبية اليوم سوى إشارة دالة على ذلك، فتحية مرة أخرى لشعوب وقادة هذه المنطقة الصديقة.
الشروق الجزائرية