بورتريه

"يعيش ويتنفس" في الاستخبارات وغرق في" الطوفان" (بورتريه)

سارييل هو المؤلف السري للكتاب الذي يقدم فيه رؤية جذرية لكيفية تحويل الذكاء الاصطناعي للعلاقة بين الأفراد العسكريين والآلات- عربي21
وحدة استخباراتية اتهمت من الإعلام الغربي والعبري بـ "الغطرسة التكنولوجية" و"إهمال" تقنيات التجسس التقليدية.

تتواجد بشكل مؤثر ومؤذ في الفضاء الافتراضي، ويتبعها جيش جرار من الحسابات الوهمية على جميع منصات التواصل.

لم يكن تاريخها مرصعا بالنجوم وبالإنجازات فقط، إذ ثمة إخفاقات كبرى في مقدمتها فشلها في توقع "طوفان الأقصى" وعملية "قاعدة غليلوت" اللتين وقعتا في عهد رئيسها الحالي المستقيل.

يوسي سارييل الذي ولد في عام 1978 في حيفا المحتلة، التحق بشعبة استخبارات جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1997 وعمل كضابط استخبارات وسيبراني في الوحدة 8200. ثم كضابط استخبارات في الفرقة 91، ورئيس الساحة الشمالية في قسم الأبحاث، وضابط استخبارات في القيادة المركزية، ورئيس قسم العمليات في "أمان".

عين في عام 2021، قائدا للوحدة 8200 بدلا من العميد أساف خوشان الذي تقاعد.

وحين اتسع الثقب الأسود وابتلع الرواية والسرد الذي اعتاد العالم سماعه حول دولة الاحتلال وحلت مكانه الرواية الفلسطينية، وباتت الإخفاقات متتالية لم يكن أمام رئيس الوحدة 8200 الاستخبارية الإسرائيلية، يوسي سارييل سوى مغادرة الموقع مقدما اعتذاره عن إخفاقاته.

بعد ثلاثة أخطاء أقدم عليها بعد تسلمه مهمته بأقل من عامين، الأول بكشف هويته على "غوغل"، والثاني إخفاقه في حماية قاعدة غليلوت من خلال إبلاغ الثكنات والمواقع العسكرية بأي تهديد جوي طارئ.

والإخفاق الثالث والأكبر والأخطر فشل كل التقنيات التي تستخدمها الوحدة بالتنبؤ بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

سارييل الذي وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية بأنه "يعيش ويتنفس" في عالم الاستخبارات، أبلغ رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء شلومي بيندر، بقراره، مقرا بفشله وتحمله المسؤولية إزاء هجوم قادته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وما ترتب عنه من نتائج.

وتعد هوية قائد الوحدة 8200 سرا محاطا بتكتم شديد فهو يشغل أحد أكثر الأدوار حساسية في جيش الاحتلال، حيث يقود واحدة من أقوى وكالات المراقبة في العالم والتي يمكن مقارنتها بوكالة الأمن القومي الأمريكية.

ومع ذلك، فإنه بعد أن أمضى أكثر من عقدين من الزمان في العمل في الظل، فقد ترك رئيس التجسس الإسرائيلي هويته مكشوفة على الإنترنت. وترتبط الثغرة الأمنية المحرجة بكتاب حمل عنوان "فريق الآلة البشرية" نشره على "أمازون"، وقد ترك أثرا رقميا لحساب خاص على "غوغل" جرى إنشاؤه باسمه، إلى جانب توثيق روابط الحساب وملفات التعريف.

وتأكد الجميع أن سارييل هو المؤلف السري للكتاب الذي يقدم فيه رؤية جذرية لكيفية تحويل الذكاء الاصطناعي للعلاقة بين الأفراد العسكريين والآلات.

الكتاب نشر عام 2021 باستخدام اسم مستعار مكون من الأحرف الأولى من اسمه (العميد ي. س) تضمنت النسخة الإلكترونية من الكتاب عنوان بريد إلكتروني مجهول يمكن تتبعه بسهولة إلى اسم سارييل وحساب "غوغل".

وتقول روايات أن هذه الثغرة الأمنية قد تكون جسر العبور لـ"حزب الله" في تتبع أثر سارييل وملاحقته إلى "عقر دار الوحدة 8200"، حيث استهدفت في آب/ أغسطس الماضي قاعدة "غليلوت" بالقرب من "تل أبيب"، التي تضم الوحدة 8200 المسؤولة عن الاستخبارات التقنية والاتصالات، وترتبط ارتباطا وثيقا بعالم التكنولوجيا.

"الوحدة 8200" هي إحدى وحدات مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وأكبرها، تأسست منتصف القرن الماضي عقب حرب عام 1948 من قبل جهاز "أمان"، الاستخباري الصهيوني، وتهدف إلى التنصت وفك التشفير بهدف إيصال المعلومات والتحذيرات للقيادة المركزية وهيئة الأركان الإسرائيلي.

وتضم اليوم عدة آلاف من الأعضاء وثلثي أفراد جهاز أمان، المخابرات العسكرية الإسرائيلية.

هي واحدة من أكبر قواعد التنصت في العالم القادرة على اعتراض المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وأنواع أخرى من الاتصالات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك تحديد مواقع السفن.

ولعبت الوحدة دورا أساسيا في الحرب الإلكترونية ضد المشروع النووي الإيراني، وساهمت في تطوير فيروس "ستوكسنت"، الذي استهدف عام 2009 المنظومات المحوسبة التي تتحكم بأجهزة الطرد المركزية المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم في المنشآت النووية الإيرانية، ما أدى إلى تعطيلها.

وبعد "طوفان الأقصى" نشطت هذه الوحدة في شق الصف العربي وزرع بذور النزاعات بين أبناء الأمة العربية والإسلامية وتفرقة الشعوب، لتبعدهم عن الهدف الأساسي والحدث الرئيسي في قلب الوطن العربي، مأساة فلسطين، وسبب كل مشاكل المنطقة وهو وجود دولة الاحتلال نفسها.

وتقود "الوحدة 8200 " نشاطا على مواقع التواصل الاجتماعي وتستهدف قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجهازها العسكري، كتائب عز الدين القسام، من خلال مجموعة من الحسابات العربية التي تديرها، فتركز على إثارة مشاعر الكره ضد المقاومة، وتكرر الرواية ذاتها عن استهداف "حماس" للمدنيين والانتهاكات التي تعرضت لها دولة الاحتلال على يد الفلسطينيين.

وأشار أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، مع بدء عملية طوفان الأقصى، في كلمة صوتية مسجلة، إلى أن عددا من المجاهدين "تمكنوا بسلام من الانسحاب من قاعدة أورين، التي تضم وحدة الاستخبارات 8200، بعد استكمال مهمتهم هناك وتكبيدهم قوات العدو خسائر كبيرة".

وتعد الوحدة المسؤولة عن تطوير نظام الذكاء الاصطناعي "لافندر" وهو واحد من تلك الأنظمة التي تستخدمها دولة الاحتلال في تتبع مقاتلي المقاومة الفلسطينية وبشكل خاص "حماس" عبر الذكاء الاصطناعي، لكنها تستهدف أيضا المدنيين الفلسطينيين بشكل ممنهج.

وعربيا فإن كل من دخل تحت عباءة أو جلباب "الوحدة 8200" دخل ضمن فئة "الذباب الإلكتروني"، "اللجان الإلكترونية"، "الصهاينة العرب"، و أتباع "الوحدة 8200" التي تقود الحرب الإلكترونية، بهدف "شيطنة المقاومة" والتي امتدت وتوسعت إلى "شيطنة الفلسطيني" نفسه.

سارييل استقال بعد مسيرة عسكرية طويلة في مجال الاستخبارات، ليصبح ثاني مسؤول كبير في شعبة الاستخبارات يستقيل من منصبه، بعد تقاعد اللواء أهارون هاليفا، الذي تحمل هو الآخر مسؤولية فشل 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

لقد أسقطت عملية "طوفان الأقصى" قادة كبارا في جيش الاحتلال، وسارييل الذي استقال بسبب دوره في "الإخفاقات التي أدت إلى المذبحة" بحسب ما جاء في بيان استقالته، لن يكون بالتأكيد آخر الهاربين من سفينة نتنياهو المثقوبة التي تعج بالفئران.