سياسة تركية

شبح الانقلابات العسكرية يشعل الجدل في تركيا.. هذه آخر تطورات "مظاهرة الضباط"

الجمهورية التركية شهدت منذ تأسيسها عام 2023 العديد من الانقلابات العسكرية- الأناضول
لا يزال جدل الانقلابات العسكرية يتصدر أجندة وسائل الإعلام في تركيا بعد حادثة "مظاهرة الضباط" التي جرت عقب حفل تخريج في كلية الحرب البرية، وسط انقسام حاد بين المعارضة والحكومة برئاسة رجب طيب أردوغان، الذي توعد بـ"تطهير" الجيش من المتورطين.

وقال أردوغان في كلمة عقب اجتماع وزراء الحكومة في العاصمة أنقرة، مساء الاثنين، إن بلاده "لن تسمح باستنزاف الجيش مجددا، كما أنها لن تسمح بإجراء الحسابات السياسية من خلال الجيش بأي شكل من الأشكال".

وأضاف أنهم "ضد أي محاولة من شأنها أن تلقي بظلالها على انضباط جيشنا وتماسكه وسمعته"، مشيرا إلى أن السلطات المعنية "تجري التحقيق اللازم بحساسية كبيرة وبطريقة متعددة الأبعاد في إطار آليات الرقابة الديمقراطية"، وذلك في ما يتعلق بأحداث كلية الحرب البرية.

وفي 30 آب/ أغسطس الماضي، قام ما يزيد على الـ300 ضابط متخرج من كلية الحرب البرية في جامعة الدفاع الوطني، بأداء قسم ثان بعد القسم الرسمي الذي أدوه خلال حفل التخرج الذي حضره الرئيس رجب طيب أردوغان وعدد من القيادات العسكرية، في كلية الحرب البرية.

وأظهرت لقطات مصورة لاقت انتشارا واسعا، لحظات إشهار الضباط سيوفهم في آن معا وترديدهم هتاف "نحن جنود مصطفى كمال"، الأمر الذي أسفر عن موجة من الجدل، وسط مخاوف أعرب عنها معلقون ربطوا الهتاف المردد بانقلابات عسكرية شهدتها تركيا في عقود سابقة.

والسبت، تعهد أردوغان بمحاسبة المتورطين في "مظاهرة الضباط"، وقال إنه "في حفل تخرج معين، ظهر بعض الأشخاص المسيئين وقاموا بإشهار السيوف" وتساءل: "في وجه من أشهرتم هذه السيوف؟".

وأضاف أنه سيتم تطهير الجيش من هذه القلة من الجهلة هناك، مشددا على عدم إمكانية إبقاء هؤلاء في الجيش سواء كان عددهم 30 أم 50 شخصا.

وانقسم المعلقون على وسائل التواصل الاجتماعي بين من رأى في الحادثة تعبيرا طبيعيا من الضباط عن احترامهم لمؤسس الجمهورية التركية، في حين رأى آخرون أن أداء القسم الخارج عن القانون وسل السيوف، كان بمنزلة "سل السيف في وجه الحكومة"، مذكرين بالانقلابات العسكرية التي عانت منها تركيا في أزمان سابقة.

المعارضة تدعم الضباط
ندد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بالتصريحات الرسمية بشأن القسم الذي أداه الضباط عقب حفل التخريج في كلية الحرب البرية.

وأعلن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى المعارض أكرم إمام أوغلو في كلمة له، الأحد الماضي، عن دعمه للتصرف الذي قام به الضباط، مطالبا إياهم بالاستمرار بالهتاف بشعار "نحن جنود مصطفى كمال أتاتورك".

وفي تصريح منفصل، شدد إمام أوغلو، خلال انتقاده لموقف أردوغان المتعلق بحادثة الضباط عبر تدوينة على منصة "إكس"، على أن هذا "العقل (يقصد الحزب الحاكم) يستخدم كل شيء لمصلحته السياسية ويقسم الأمة"، بحسب تعبيره.

وشدد السياسي المنتمي لحزب الشعب الجمهوري، على أن "ولاء قواتنا المسلحة التركية ومساعديها للقائد الأعلى مصطفى كمال أتاتورك هو فوق السياسة"، معتبرا أن "الشباب أرادوا التعبير عن احترامهم لمؤسس البلاد بحماس كبير في أسعد وأشرف يوم لهم، هذا كل شيء".

وطالب الحكومة بـ"التخلي عن عادتها في استخراج انقلاب من كل حادثة، والتوقف عن إلحاق الأذى بالشباب"، بحسب تعبيره.

من جهته، طالب زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزيل الحكومة بالتراجع عن استخدام الضباط المتخرجين في أغراض سياسية.

وقال في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس": "أدين استخدام الملازمين المتخرجين حديثا من الأكاديمية العسكرية، الذين دعموا قائدهم الأعلى الأبدي، مصطفى كمال أتاتورك، لأغراض سياسية".

وأضاف أنه "من غير الممكن التضحية بمستقبل الشباب الأذكياء من أجل سياسات الاستقطاب التي يتم انتهاجها على أمل وقف انحدارهم السياسي"، في إشارة إلى الحزب الحاكم.

واعتبر أوزيل أن هذا التصرف "السياسي غير المبرر وغير العادل، ليس تصرفا أخلاقيا"، معتبرا أن الشعب التركي "لن ينسى أو يغفر هذا الأمر"، بحسب تعبيره.

تقارير استخباراتية
في ظل الجدل المتواصل منذ ما يزيد على الـ10 أيام متتالية، كشف الصحفي التركي جيم كوتشوك عن كواليس جديدة لحادثة "مظاهرة الضباط"، دون التطرق إلى ذكر هوية مصادره.

وقال كوتشك خلال لقاء متلفز عبر قناة محلية، مساء الاثنين، أن جهاز الاستخبارات التركية "MIT" قدم تقريرا إلى الرئيس التركي حول تورط قادة في الأكاديمية العسكرية في "أعمال ضد الحكومة"، مشيرا إلى أن سل السيوف بعد حفل التخرج كان "حدثا مخططا له".

وأضاف أن نحو 300 من الضباط المتخرجين حديثا انخرطوا في العملية بطريقة مخططة، فيما نأى 650 ضابطا آخرين ممن كانوا في الحفل بأنفسهم.

وقال الصحفي التركي في مقال نشره اليوم الثلاثاء عبر موقع "صحيفة تركيا"، إن قضية الضباط المتخرجين حديثا في غاية الخطورة على النظام الديمقراطي.

وأضاف أنه من الضروري التأكيد على  بعض النقاط في هذا الإطار، مشيرا إلى أن تركيا شهدت "العديد من الانقلابات بحجة  حماية النظام الديمقراطي والعلماني"، مستدركا بالقول إن "هذه مسؤولية الحكومة الشرعية المنتخبة"، موضحا أن "كل جندي هو موظف تحت تصرف الإدارة المدنية".

وشدد على أن "أولئك الذين يحملون أسلحة لا يمكنهم التمرد على النظام، ولا يستطيعون تهييج الناس بلا سبب من أجل حماية النظام العلماني".

"محاولة لتوريط الضباط"
من جهته، أشار الصحفي التركي نديم شينار إلى تصريحات أردوغان حول ما جرى في كلية الحرب البرية، مشيرا إلى أن حديث الرئيس التركي تطرق إلى مشكلة أهم بكثير بناء على معلومات تلقاها وهي أن "هناك من قام بخداع الضباط".

وقال شينار إن هذا ما حاول شرحه من خلال ثلاثة مقالات كتبها هذا الأسبوع، مشيرا إلى أنه من غير الممكن لهؤلاء الضباط أن "يفعلوا مثل هذا الشيء دون علم أو إذن أو دعم أو أمر قائد الفصيلة أو السرية أو الكتيبة أو الفوج".

وأشار إلى أنه "بعد مشاركة وزارة الدفاع وجهاز الاستخبارات في التحقيقات بشأن الحادثة، فقد استقال قائد سرية الملازمين من القوات المسلحة التركية".

واعتبر الصحفي التركي في مقال نشره في صحيفة "حرييت"، أن تصريحات أردوغان ومصادر وزارة الدفاع "تؤكد أن هناك مشكلة كبيرة في النظام".

يشار إلى أن الجمهورية التركية شهدت منذ تأسيسها في عام 2023 عددا من الانقلابات والتدخلات العسكرية المتتالية في الحكم، الأمر الذي ألقى بظلاله على مختلف المجالات في المشهد السياسي التركي.

ونفذ الجيش ثلاثة انقلابات عسكرية رئيسية في أعوام 1960 و1971 و1980، كما أنه تدخل عن طريق مذكرة عسكرية عام 1997، ما أطاح بالحكومة الائتلافية التي شكلها آنذاك حزب الرفاه الإسلامي بزعامة السياسي البارز نجم الدين أربكان.

وفي 15 تموز/ يوليو عام 2016، شهدت تركيا محاولة انقلاب فاشلة نفذها عناصر من الجيش تتهمهم تركيا بالانتماء إلى تنظيم "غولن" الذي صنفته أنقرة "إرهابيا".

المحاولة الانقلابية، قوبلت باحتجاجات ‏شعبية عارمة في معظم المدن، ما أجبر الانقلابيين على سحب آلياتهم العسكرية وأفشل مخططهم.‏