سياسة دولية

مستوطنون متطرفون يستولون على مزيد من أراضي الضفة الغربية بوتيرة متسارعة

هناك حاليا ما لا يقل عن 196 بؤرة في أنحاء الضفة الغربية- بي بي سي
كشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن عدد البؤر الاستيطانية قد ارتفع بسرعة في السنوات الأخيرة. وهناك حاليا ما لا يقل عن 196 بؤرة في أنحاء الضفة الغربية؛ تم إنشاء 29 منها خلال العام الماضي، وهو أكثر من أي سنة سابقة.

وأوضحت "بي بي سي" أن "هذه البؤر، التي يمكن أن تكون مزارع، أو تجمعات منازل، أو حتى مجموعات من الكرفانات، غالبا ما تفتقر إلى حدود واضحة وهي غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي والدولي على حد سواء".

"لكن خدمة "بي بي سي" العالمية اطّلعت على وثائق تظهر أن منظمات ذات صلات وثيقة بالحكومة الإسرائيلية قدمت مالاً وأراضيَ تم استخدامها لإنشاء بؤر استيطانية جديدة غير قانونية" يبرز التقرير نفسه، الذي أعدّه كل من جيك تاكي، وزياد القطان، وأمير نادر، وماثيو كاسيل.

وأردف التقرير نفسه: "حلّلت بي بي سي معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر لفحص انتشار هذه البؤر الاستيطانية"، مشيرا إلى أن الخبراء يقولون إن "البؤر الاستيطانية قادرة على الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي بسرعة أكبر من المستوطنات، وهي مرتبطة بشكل متزايد بالعنف والمضايقة تجاه المجتمعات الفلسطينية".



وتابع بأنه لا توجد أرقام رسمية لعدد البؤر الاستيطانية. لكن فريق "بي بي سي"، قد "استعرض قوائم حول هذه البؤر وأماكنها التي جمعتها منظمات إسرائيلية مناهضة للاستيطان مثل "السلام الآن" و"كرم نابوت"، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية التي تدير جزءاً من الضفة الغربية المحتلة".

"قمنا بتحليل مئات الصور الفضائية للتحقق من أن البؤر الاستيطانية قد أُنشئت في هذه المواقع ولتأكيد السنة التي تم فيها إنشاؤها. كما أننا تحقّقنا من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنشورات الحكومة الإسرائيلية، والمصادر الإخبارية للتأكد من ذلك وإظهار أن البؤر الاستيطانية ما تزال قيد الاستخدام" أضاف التقرير.



وأوضح أن التحليل يشير إلى أن ما يقرب من النصف (89) من الـ 196 بؤرة استيطانية التي تحققنا منها، قد تم بناؤها منذ عام 2019. فيما ترتبط بعض هذه البؤر الاستيطانية بتزايد العنف ضد المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية.

واسترسل بأنه "في وقت سابق من هذا العام، فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على ثمانية مستوطنين متطرفين لتحريضهم على العنف ضد الفلسطينيين أو ارتكابهم له. ستّة منهم على الأقل قد أنشأوا بؤرا استيطانية غير قانونية أو يعيشون فيها".

إلى ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، في تصريح لـ"بي بي سي": "نحن ندين بشدة المستويات غير المسبوقة من عنف المستوطنين ضد المجتمع الفلسطيني، كما هو موضح في التقرير، ونحثّ السلطات الإسرائيلية على إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب وقمع المسؤولين عنها".

من جهته، قال آفي مزراحي، وهو القائد السابق للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، لـ"بي بي سي" إن "معظم المستوطنين هم مواطنون إسرائيليون يلتزمون بالقانون، لكنه يعترف بأن وجود البؤر الاستيطانية يجعل العنف أكثر احتمالا".

وأضاف مزراحي: "كلما وضعت بؤراً استيطانية غير قانونية في المنطقة، فإنها تجلب التوترات مع الفلسطينيين... الذين يعيشون في نفس المنطقة". فيما أشار التقرير نفسه، الذي تحدّث مع عدد من الفلسطينيين وكذلك المستوطنين، إلى أن "القانون الدولي يحظر نقل السكان المدنيين إلى أرض محتلة. إلا أن العديد من المستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية يزعمون أنهم كيهود لديهم ارتباط ديني وتاريخي بهذه الأرض".

"قالت أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، في تموز/ يوليو، في رأي تاريخي، إن على إسرائيل أن توقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة وأن تجلي جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة". رفضت إسرائيل هذا الرأي واعتبرته "خاطئاً بشكل جوهري" ومنحازاً" وفق التقرير نفسه.

وتابع: "على الرغم من عدم تمتع البؤر الاستيطانية بأي وضع قانوني، إلا أن هناك أدلة قليلة تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تحاول منع النمو السريع في أعدادها"، فيما اطلعت "بي بي سي" على أدلة جديدة تُظهر كيف قدمت منظمتان تربطهما صلات وثيقة بالدولة الإسرائيلية أموالاً وأراضيَ استخدمت لإقامة بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية.

"إحدى هذه المنظمات هي "المنظمة الصهيونية العالمية" (WZO)، وهي هيئة دولية تأسست قبل أكثر من قرن، ولعبت دورا مهما في تأسيس دولة إسرائيل. لديها قسم يُسمى "قسم الاستيطان" وهو مسؤول عن إدارة مساحات شاسعة من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. يُمول هذا القسم بالكامل من الأموال العامة الإسرائيلية ويصف نفسه بأنه "ذراع للدولة الإسرائيلية"، بحسب التقرير.

وأبرز أن "العقود التي حصلت عليها منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، تُظهر أن "قسم الاستيطان" قد خصص مرارا وتكرارا أراضي أقيمت عليها بؤر استيطانية. تنص العقود على حظر بناء أي هياكل وتقول إن الأرض يجب أن تُستخدم فقط للرعي أو الزراعة، لكن صور الأقمار الاصطناعية تكشف أنه في أربع حالات على الأقل تم بناء بؤر استيطانية غير قانونية عليها".

وأشار معدّو التقرير إلى أنهم تواصلوا مع "المنظمة الصهيونية العالمية" لسؤالها عمّا إذا كانت على علم بأن العديد من قطع الأراضي التي خصصتها للرعي والزراعة يتم استخدامها لبناء بؤر استيطانية غير قانونية. ولم ترد المنظمة. وقد كشفت "بي بي سي" عن وثيقتين تُظهران أن منظمة استيطانية رئيسية أخرى، هي "أمانا"، قدمت مئات الآلاف من الشواكل كمساعدة لإقامة بؤر استيطانية.



وأردف: "في إحدى الحالات، قدمت المنظمة قرضا بقيمة 1,000,000 شيكل (270,000 دولار) لمستوطن لبناء دفيئات زراعية في بؤرة استيطانية تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي" في إشارة إلى أن منظمة "أمانا" أُسِّسَت في عام 1978 وعملت بشكل وثيق مع الحكومة الإسرائيلية لبناء مستوطنات في الضفة الغربية منذ ذلك الحين.

وأبرز أن الحكومة الكندية هذا العام، ضمّت منظمة "أمانا" إلى قائمة العقوبات ضد الأفراد والمنظمات المسؤولة عن "أعمال عنيفة ومزعزعة للاستقرار ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية". لم تذكر العقوبات البؤر الاستيطانية. واتصلت "بي بي سي" بالمنظمة للبحث في سبب تقديمها للقروض المستخدمة في إنشاء البؤر الاستيطانية، لكنها لم تتلقّ رداً.

ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا (OCHA) إن "عنف المستوطنين وصل إلى مستويات غير مسبوقة في جميع أنحاء الضفة الغربية". وفي الأشهر العشرة الأخيرة، سُجّل أكثر من 1100 هجوم من المستوطنين ضد الفلسطينيين، وقد قُتل ما لا يقل عن 10 فلسطينيين وأصيب أكثر من 230 من قبل اعتداءات المستوطنين منذ 7 أكتوبر، بحسب ما يفيد المكتب.

كما أنه قُتل خمسة مستوطنين على الأقل وأصيب 17 على الأقل من قبل الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال نفس الفترة الزمنية، وفق المكتب الأممي.