بورتريه

وقر الزمان.. "مدرّس التكتيكات" يتولى المسؤولية في بنغلادش

عربي21
أربعة عقود قضاها في المؤسسة العسكرية في بلاده، ختمها بإعلانه بأنه "سيتولى المسؤولية كاملة" في بنغلادش، بعد استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة وفرارها من البلاد إلى الهند المجاورة في مروحية مع اقتحام متظاهرين قصرها.

بعد أيام قليلة من تعيينه وجد نفسه على رأس الهرم القيادي في بنغلادش يرسم مستقبل البلاد والمسار السياسي لبلد يعاني من الفقر والبطالة.

ولد العسكري المخضرم، وقر الزمان عام 1966 في منطقة شيربور، شمال شرق بنغلادش.

وتلقى دراسته العسكرية في بنغلادش وبريطانيا. حاصل على شهادة الماجستير في الدراسات الدفاعية من بنغلادش، وماجستير في الدراسات الدفاعية من كلية كينغز بجامعة لندن.

التحق بالجيش البنغالي عام 1985، وبدأ مسيرته المهنية من سلاح المشاة ثم أصبح قائدا لكتيبة المشاة، ولاحقا تولى منصب ضابط الأركان بقسم القوات المسلحة التابع لمكتب رئيسة الوزراء حسينة واجد.

وتدرج في الرتب العسكرية حتى حصل على رتبة فريق أول، وهي أعلى رتبة في جيش بلاده.

وخلال مسيرته العسكرية الطويلة، قام بالتدريس في أكاديمية ضباط الصف، ومدرسة المشاة والتكتيكات، ومعهد بنغلادش للتدريب على عمليات دعم السلام.

وخلال عقد التسعينيات خدم وقر الزمان ضمن قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في كل من أنغولا وليبيريا.

وفي حزيران/ يونيو الماضي أصبح رئيسا لأركان جيش بنغلادش لمدة ثلاث سنوات خلفا للفريق أول شفيع الدين أحمد، وكانت ثقة الشيخة حسينة في القائد الجديد للجيش بفضل صلة القرابة البعيدة التي تربطهما.

تسلمه للمنصب الأعلى في الجيش تزامن مع اندلاع احتجاجات واسعة النطاق رفضا لنظام يخصص 30% من الوظائف العمومية لأفراد عائلات المقاتلين الذين شاركوا في حرب الانفصال عن باكستان عام 1971، والذي كان قد ألغي بموجب إصلاحات أعقبت موجة احتجاجات شعبية عام 2018.

وسرعان ما أصبح الجيش تحت قيادة وقر الزمان في مواجهة الاحتجاجات بعد أن استعانت به حسينة واجد لفرض حظر التجول إثر فشل الشرطة في السيطرة على الوضع رغم إطلاقها الرصاص على المحتجين.

وانتشرت وحدات الجيش في شوارع العاصمة داكا وغيرها من المدن الكبرى في البلاد، وعلى الرغم من ذلك فقد تواصلت الاحتجاجات، وقتل 300 شخص على الأقل في الاضطرابات.

وفي أغسطس/ آب الحالي أعلن وقر الزمان في خطاب إلى الشعب عن استقالة حسينة واجد بعد أسابيع من الاحتجاجات المتواصلة ضدها، ووعد بتشكيل حكومة مؤقتة بعد مشاورات مع رئيس البلاد، ودعا المتظاهرين إلى العودة إلى بيوتهم والثقة في الجيش.

وتضمن خطابه الحديث عن لقاءات مع ممثلي الأحزاب السياسية الرئيسية، كما أنه وعد بالتحقيق في كل وقائع القتل منذ اندلاع الاحتجاجات.

ويعرف عن بنغلادش تاريخها الطويل في الانقلابات، حيث يتمتع الجيش بنفوذ سياسي كبير في البلاد، التي واجهت أكثر من 20 انقلابا أو محاولة انقلاب منذ الاستقلال عام 1971.

وأمر رئيس بنغلادش محمد شهاب الدين، بالإفراج عن رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة المعارضة خالدة ضياء، وكذلك عن الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات، وذلك بعد ساعات من مغادرة رئيسة الشيخة حسينة البلاد.

وبناء على ضغط من الطلاب والمحتجين الذين قادوا التظاهرات، ودون ممانعة من الجيش، كلف الخبير الاقتصادي والمالي محمد يونس برئاسة الحكومة المؤقتة في بنغلادش، الذي كان منتقدا شديدا للشيخة حسينة. وأدى يونس (84 عاما) القسم بعد أن وصل إلى دكا قادما من باريس حيث كان يتلقى العلاج، وستشرف حكومته على إجراء انتخابات لاختيار رئيس وزراء جديد.

وواجه يونس، الذي وصف استقالة حسينة بأنها "يوم التحرير الثاني" للبلاد، عددا من اتهامات الفساد وتم تقديمه للمحاكمة أثناء حكم رئيسة الوزراء السابقة التي اتهمته بـ"مص دماء" الفقراء.

وسبق أن حصل يونس على جائزة نوبل للسلام في عام 2006 بعد أن كان رائدا في مجال الإقراض الصغير، وقال إن اتهامات الفساد الموجهة إليه كانت بدافع الانتقام.

وجاء في بيان لوقر الزمان قبل يوم من فرار حسينة أن "جيش بنغلادش هو رمز لثقة الشعب. الجيش موجود دائما وسيكون دائما موجودا لمصالح الشعب ولأي احتياجات للدولة".

هذا التصريح وغيره ذكر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بما تلا أحداث كانون الثاني/ يناير عام 2011 في مصر، حين تولى الجيش الحكم لأكثر من عام قبل أن يجري انتخابات فاز فيها الرئيس الراحل محمد مرسي، ثم الإطاحة به بعد عام واحد.

وبعدها بعامين، قال عبد الفتاح السيسي، في الخطاب الذي أعلن فيه الإطاحة بمرسي، إن "القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني، وليس دورها السياسي، على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي".

ودعا ناشطون على وسائل التواصل الشعب في بنغلادش إلى عدم الوثوق بوعود الجيش.

وتندر آخرون من خلال مقارنة ضمنية بين وعود قائد الجيش في بنغلادش والوعود التي قطعها الرئيس السيسي منذ توليه الحكم في مصر.

وتمر مصر بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.

وخلال عشر سنوات وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 49 جنيها، ما أدى إلى تضخم كبير في أسعار المواد الأساسية في البلاد. كذلك زادت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164.7 مليار دولار.

ويبدو الحديث عن دور سياسي للجيش في بنغلادش مبكرا، لكنه سيبقى في الواجهة لمدة من الزمن، فحكومة يونس ليست أكثر من غطاء في انتظار نضوج الوضع السياسي لاختيار رئيس منتخب للحكومة.

ولا يبدو قول وقر الزمان بأنه "سيتولى المسؤولية كاملة" تصريحا لحظيا، فالعسكر عادة ملوك التكتيك ولا يتركون التفاصيل تهرب من تحت خوذاتهم.