سياسة دولية

حراك السويداء في عامه الثاني يخلط أوراق التطبيع مع نظام الأسد

حراك السويداء السلمي بدأ في 16 آب /أغسطس عام 2023- إكس /السويداء24
أتم حراك السويداء المعارض للنظام السوري عامه الأول لتدخل احتجاجات المحافظة السورية ذات الأغلبية الدرزية بذلك عامها الثاني، مصرة على إسقاط نظام الأسد الذي يحاول إعادة تصديره نفسه للعالم وكسر عزلته الدولية بعد أكثر من 13 عاما من الثورة السورية.

وتثبت احتجاجات السويداء المستمرة منذ 16 آب /أغسطس عام 2023، أن نظام بشار الأسد ليس "شريكا"، وأن تطبيع العلاقات معه لن يؤدي أبدا إلى الاستقرار الذي تتطلع إليه الدول المجاورة، حسب تقرير لمعهد واشنطن للدراسات، أعده إريك يافورسكي وهو مساعد تطوير في "معهد واشنطن".

في 16 آب/أغسطس، أحيت محافظة السويداء الواقعة في جنوب غرب سوريا ذكرى مرور عام على الاحتجاجات المستمرة ضد نظام بشار الأسد.

وأحدثت الحركة بقيادة المجتمع الدرزي، الذي يشكل 90 بالمئة من سكان السويداء وحوالي 3 بالمئة من سكان البلاد ككل، ثغرات في الفسيفساء الطائفية للنظام وفي سردية الأسد بأنه الحامي الوحيد للأقليات السورية، حسب التقرير.

ولفت التقرير إلى أنه "حتى الآن، اختار النظام السوري عدم شن حملة قمع واسعة النطاق على المحافظة، واستخدم بدلا من ذلك أساليب التخويف، والاغتيالات المستهدفة، ونقاط التفتيش العسكرية، وعمليات الاختطاف في محاولة لقمع الحركة.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تؤدي الاحتجاجات إلى الإطاحة بالأسد، إلا أن استمرارها يُسلط الضوء على حقيقتين صارختين، هما: لا يزال النظام يعاني من صعوبة في بسط سيطرته على الأراضي التي يُفترض أنه يسيطر عليها (حوالي 70 بالمئة من البلاد)، وأن العوامل الأساسية التي أشعلت الاحتجاجات في المقام الأول (الاقتصاد السيء، ونقص الحريات السياسية، وانتشار العصابات المسلحة) قد أصبحت جميعها أكثر سوءا بعد مرور عام، وفقا للتقرير.

وشدد معد التقرير، على أن الاحتجاجات تشكل تحذيرا للعديد من الدول في المنطقة التي تعمل على إعادة الأسد إلى الساحة الإقليمية.

ونظراً لفشل النظام في تلبية احتياجات غالبية سكانه وأقلياته أو حتى تحقيق الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها، فمن غير المرجح أن يتمكن الأسد من الوفاء بوعوده لهؤلاء الجيران، ومن بينها مطالبهم بالحد من التهريب الهائل للكبتاغون، والأسلحة، والسلع غير المشروعة الأخرى عبر الحدود السورية.

نشأة الاحتجاجات والتصعيد البطيء
عندما اندلعت المظاهرات للمرة الأولى في السويداء في آب/أغسطس 2023، كانت تركز بشكل أساسي على معالجة المشاكل الاقتصادية المحلية والقمع السياسي.

وقبل يومين من بدء الاحتجاجات، أعلن القصر الرئاسي عن مضاعفة الأجور والمعاشات التقاعدية العامة، وجاء ذلك جزئيا ردا على تدهور الأوضاع الاقتصادية (على سبيل المثال، فقدت الليرة السورية 80 بالمئة من قيمتها في الأشهر الثلاثة السابقة). ومع ذلك، خفض النظام في الوقت ذاته دعم الوقود، ما تسبب في ارتفاع أسعار الديزل بنسبة 180 بالمئة، وفقا للتقرير.

وظلت المؤشرات الاقتصادية سيئة للغاية في عام 2024، حيث يبلغ سعر الليرة السورية 14,800 ليرة سورية للدولار الأمريكي (مقارنة بـ 46 ليرة قبل الثورة)، ومن المتوقع أن ينكمش "الناتج المحلي الإجمالي" الحقيقي بنسبة 1.5 بالمئة، ويرتفع التضخم إلى 99.7 بالمئة. وقد جعلت هذه المشاكل حتى السلع الأساسية بعيدة عن متناول المواطن السوري العادي.

وذكر التقرير، أنه لم يمض وقت طويل بعد تشكل حركة السويداء حتى تحولت مطالبها إلى الدعوة إلى الإطاحة بالأسد، ويرجع ذلك جزئيا إلى تدهور التوقعات الاقتصادية، ولكن أيضا إلى الرد العنيف من دمشق. وتماشيا مع أسلوب النظام القديم في صيانة النظام، بدأت عناصر الأمن باستخدام الذخيرة الحية لقمع الاحتجاجات في وقت مبكر، واستمرت في هذا النهج حتى عام 2024.

وبحلول أوائل الصيف، كانت دمشق تستخدم مجموعة واسعة من أساليب القمع. وأشارت بعض هذه الأساليب إلى إدراك النظام السوري أن السويداء هي منطقة تهيمن عليها الأقليات وأن سكانها كانوا تقليديا موالين للأسد ولكن قد ينضمون بشكل دائم إلى المعارضة إذا أمر الأسد بشن حملة قمع واسعة النطاق؛ وقد عكست أساليب أخرى أيضا رغبة النظام في إبقاء الاحتجاجات بعيدا عن العناوين الرئيسية وسط جهود التطبيع الإقليمية المتزايدة: 

◼ الحاكم العسكري الجديد: في 12 أيار/مايو، أعلن النظام السوري تعيين اللواء أكرم علي محمد حاكماً جديداً للسويداء، في خطوة اعتبرها العديد من السكان المحليين تهديداً للحركة الاحتجاجية. وعلى الرغم من أن الحكام السابقين كانوا يتمتعون بخلفيات أمنية أيضاً، إلا أن اللواء محمد كان متورطاً بشدة في القمع العنيف للمدنيين طوال الحرب. وجاء اختياره على غرار تعيين فراس أحمد الحامد في آب/أغسطس 2023، وهو مسؤول استخباراتي بارز آخر تم تعيينه محافظاً لطرطوس بعد تصاعد الاحتجاجات في تلك المحافظة وفي اللاذقية. ومن الجدير بالذكر أن اللاذقية هي معقل الطائفة العلوية التي تشكل نواة عائلة الأسد، وهي أقلية سورية رئيسية أخرى.

اشتباكات عند نقاط التفتيش:  في حزيران/يونيو، اشتبكت جماعات محلية مع قوات النظام بعد إقامة حاجز عسكري دخيل في العاصمة السويداء. واستمرت المواجهة لساعات وأسفرت عن وقوع إصابات كثيرة لدى الطرفين. وبعد توسط الوجهاء المحليين، وافق النظام على إبقاء نقطة التفتيش على ما هي عليه ولكن دون استخدامها لتوقيف المدنيين واستجوابهم. وفي ذلك الوقت، أشار المحللون إلى أن الاشتباكات كانت أول حادثة بهذا الحجم في السويداء "منذ سنوات".

عمليات الاختطاف: ازدادت عمليات الاعتقال والخطف المتبادلة، وقد تؤدي إلى تصعيد في المستقبل القريب. وكانت أبرز الحالات التي ظهرت هي في 21 حزيران/يونيو، بعد أن اعتقلت  قوات الأمن رائد المتني، أحد كبار الشخصيات الاحتجاجية. ورداً على ذلك، قام رفاقه باختطاف أربعة من ضباط أمن النظام. وتم الإفراج عن المتني بعد يوم واحد، ثم أُطلِق سراح رجال الأمن بعد ذلك بوقت قصير. وعلى الرغم من أن السويداء تزخر بتاريخ طويل من عمليات الاختطاف، إلا أن هذه الحادثة سلطت الضوء على كيفية تصاعد الأحداث بسرعة إذا استمر النظام في استهداف الوجهاء المحليين.

فرّق تسُد: في وقت سابق من هذا الشهر، تم تشكيل فصيل جديد له صلات بالاستخبارات العسكرية السورية في مفعلة وأعلن ولاءه للأسد. ووفقاً لبعض التقارير، حاول المتظاهرون تنظيم مظاهرة معارضة لهذا الفصيل، لكن يبدو أن سكان البلدة الآخرين تجمعوا بين الفصيلين خوفاً من التصعيد. كما حاول النظام التفريق بين رجال الدين الدروز في السويداء، حيث لا يزال الشيخ يوسف جربوع، الحليف الرئيسي للنظام، الذي تعهد بأن المحافظة "لن تحيد عن قرار الدولة السورية" خلال خطاب معارض للاحتجاجات تبنته وسائل الإعلام الموالية للنظام في آب/أغسطس 2023.

أعمال عنف انتخابية: عندما تم الإعلان للمرة الأولى عن انتخابات "مجلس الشعب السوري" في 15 تموز/يوليو، كانت الاحتجاجات المحلية تمثل مكاناً مركزياً لتجمع الناشطين في السويداء لتنظيم المقاطعة. وحالما بدأت عملية التصويت، أحرق بعض المتظاهرين صناديق الاقتراع بينما أطلق رجال الأمن النار على الحشود. وفي الشهر ذاته، شارك العديد من السكان المحليين في تصويت منفصل لاختيار أحد عشر عضواً لهيئة احتجاجية جديدة تسمى "اللجنة السياسية للحركة الشعبية في السويداء".

الاغتيالات: في 18 تموز/يوليو، قُتل زعيم الاحتجاجات مرهج الجرماتي أثناء نومه في منزله، ويُزعم أن الجريمة تمت بواسطة سلاح كاتم للصوت. وحملت العملية جميع ملامح تورط النظام في عملية الاغتيال، واعتبرها السكان المحليون محاولة لبث الخوف داخل الحركة. وكان الجرماتي يقود "لواء الجبل"، وهو ميليشيا بارزة تشارك في مكافحة عمليات تهريب المخدرات المتفشية المدعومة والمدارة من قبل النظام وحلفائه المحليين، ومن بينها الاشتباكات المسلحة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة في حزيران/يونيو. وفي اليوم الذي أعقب جنازته، استحضر المتظاهرون ذكراه بهتاف "رصاصات الغدر لن تخيفنا". وبعد ثلاثة أسابيع، نجا زعيم الاحتجاجات رواد صديق من محاولة اغتيال مزعومة أخرى على يد مسلحين مجهولين.

التداعيات السياسية
أشار التقرير، إلى أن جميع هذه الاتجاهات توضح احتمال استمرار الاحتجاجات في السويداء. وقد أظهرت الجماعات المسلحة المحلية استعدادها للرد على قوات النظام عند شعورها بأن هناك خطا أحمر قد تم تجاوزه.

ولن يؤدي استمرار عمليات الخطف، وخاصة ضد الشخصيات البارزة التي تحظى بتأييد واسع، إلا إلى زيادة احتمال تصاعد الاشتباكات. وبعيدا عن القضاء على الحركة، أدى قمع النظام إلى زيادة المشاعر المعادية للأسد.

ومن المرجح أن تشير حسابات دمشق إلى أن شن حملة قمع أوسع نطاقا ضد الدروز لا يزال ينطوي على مخاطر كبيرة. ونتيجة لذلك، تشبه سياستها تجاه السويداء على نحو متزايد نهجها تجاه درعا المجاورة، حيث تزداد وتيرة عمليات الخطف والاغتيال، حسب التقرير.

وفي النهاية، اعتبر معد التقرير أنه أمام هذه الاحتجاجات لا يوجد سوى فرصة ضئيلة للإطاحة بالنظام، حيث أثبتت دمشق استعدادها لاستخدام أي وسائل وحشية ضرورية للحفاظ على سيطرتها. ومع ذلك، لا تزال تستحق اهتماما أمريكيا وثيقا، ما يعزى جزئيا إلى أن لدى الولايات المتحدة وحلفائها مصلحة كبيرة في وقف تدفق الكبتاغون والأسلحة من جنوب سوريا إلى الأردن وخارجه.

وبحسب التقرير، فإن إحدى الطرق التي يمكن لواشنطن أن تساعد في ذلك هي من خلال تعزيز رسائلها حول التكتيكات العنيفة للنظام، باستخدام كل من وسائل الإعلام الإنجليزية والعربية لتسليط الضوء على أن هذه الأعمال تجعل التوصل إلى تسوية نهائية للحرب أبعد من أي وقت مضى.

وينبغي تعزيز هذه الرسائل من خلال فرض عقوبات على مسؤولي النظام والأفراد المشاركين في قمع الاحتجاجات، بهدف ردع حملة قمع أوسع نطاقاً أو، في حال فشل ذلك، تحميل الجناة المحددين المسؤولية.

وبما يتماشى مع تأكيد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، قد تكون هذه المقاربة أيضا، وفقا للتقرير، تذكيرا صارخا لتلك الدول التي تدفع نحو التطبيع، بأن حكم الأسد لا يزال قائما على العنف والقمع الشديدين، وأنه غير قادر على تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية وتلبية المطالب الرئيسية مثل الحد من تجارة الكبتاغون.

ومن الناحية المثالية، ينبغي على هذه الدول الامتناع عن مزيد من التعامل مع النظام السوري إلى أن يبدأ في إحداث تغييرات واضحة في سلوكه الداخلي والإقليمي، وفقا للتقرير.