سياسة تركية

"لم نعد نشعر بالأمان".. سوريون في تركيا "خائفون" من تداعيات تسريب بياناتهم

يعيش 3 ملايين و114 ألفا و99 سوريا في تركيا تحت بند الحماية المؤقتة (الكمليك) وفقا للبيانات الرسمية- الأناضول
أثار تسريب بيانات ملايين السوريين في تركيا موجة من القلق والاستياء في الأوساط السورية، حيث يتخوف كثيرون منهم من تبعات الكشف عن معلوماتهم الخاصة للعلن وأثر ذلك على أمنهم وسلامتهم، في وقت تتصاعد فيه أعمال العنف في العديد من الولايات التركية تجاه اللاجئين بالتزامن مع اتفاق الحكومة والمعارضة على ضرورة تطبيع العلاقات مع النظام السوري بشار الأسد لإنهاء قضية اللجوء في البلاد.

ويتحدث ياسر (اسم مستعار)، وهو لاجئ سوري يعيش منذ سنوات في ولاية بورصا التركية، عن القلق الذي اعتراه بعدما وجد بياناته الشخصية ومكان إقامته ضمن البيانات المسربة، بعد عودته من عمله في وقت متأخر من مساء الخميس.

ويتساءل في حديثه لـ"عربي21"، "هل ستحميني الحكومة التركية من أي اعتداء قد يحدث لي بعد نشر رقم هويتي ومكان إقامتي وتاريخ ميلادي واسمي أبي وأمي؟".

ويضيف: "لا زلت أنظر إلى طفلتي ذات الخمسة أشهر وأقول في نفسي هل أستطيع أن أحميها من أي اعتداء قد يحدث لنا؟".

وتفاجأ ملايين السوريين، مساء الخميس، بتسريب بياناتهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تضمنت معلومات مثل الاسم واللقب والرقم الوطني ومكان الإقامة (الولاية والحي)، بالإضافة إلى اسمي الأب والأم.

وشملت التسريبات بيانات اللاجئين السوريين المقيمين تحت بند الحماية المؤقتة "الكيملك"، وحاملي بطاقات الإقامة السياحية والعمل، بالإضافة إلى معلومات حاصلين على الجنسية التركية، حسب ما رصدته "عربي21" عبر تواصلها مع طيف من السوريين داخل تركيا.

وأكد سوريون تواصلت معهم "عربي21"، توافق بياناتهم مع البيانات المسربة، كما أوضح بعضهم أنه عثر على بياناته قبل الحصول على الجنسية التركية، وبياناته المحدثة بعد الحصول عليها ضمن الملفات المسربة.

الصحفي والباحث التركي ليفينت كمال، يرى أن "هذا التسريب ليس من قبيل الصدفة"، وأن "هذا استفزاز مخطط ومركزي من قبل منظمات إجرامية عنصرية"، وفقا لحديثه مع "عربي21".

وبحسب وزارة الداخلية التركية، فإن بيانات السوريين جرى تسريبها من خلال مجموعة على منصة "تلغرام" تحمل اسم "انتفاضة تركيا"، ويديرها طفل عمره 14 عاما.

وكانت المجموعة المعنية، نشرت دعوات للانتفاضة في منطقة سلطان بيلي بمدينة إسطنبول ضد اللاجئين السوريين هناك، كما نشرت العديد من المنشورات العنصرية والمحرضة ضد الوجود السوري.

وقال وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، إن إدارة الهجرة تأكدت أن بيانات السوريين المنشورة تعود لتاريخ قبل 8 أيلول /سبتمبر عام 2022. وأضاف أن الوزارة كلفت "المدعي العام بالتحقيق بكافة جوانب هذه القضية لمعرفة متى وكيف ومن أي مصدر جاءت هذه التسريبات".



وشدد الوزير خلال مؤتمر صحفي في ولاية قيصري التي شهدت أعمال عنف مروعة بحق اللاجئين السوريين وممتلكاتهم قبل أيام، على أن بلاده "على علم بالمخططات التخريبية التي يختبئ أصحابها خلف الأطفال الذين يدفعون بهم لتنفيذها".

وتركزت مخاوف كثير من السوريين المسربة معلوماتهم، حول إمكانية أن يتم فتح عدادات مياه وكهرباء أو خطوط هاتف على أسمائهم دون علمهم، فضلا عن توريطهم بجرائم أو أعمال إرهابية أو اختراق حساباتهم الشخصية على منصة الخدمات الإلكترونية الرسمية، عبر استخدام بياناتهم بما في ذلك الرقم الوطني من قبل مجموعة عنصرية أو تنظيمات إجرامية.

ويقول ياسر: "ما الهدف من نشر معلوماتنا نحن كلاجئين في تركيا؟ هل سنكون ضحية لتصفية حسابات ما بين المعارضة والحزب الحاكم؟"، ويضيف: "سنوات طويلة لي في تركيا وأنا لا زلت أخاف على أمني وأمن عائلتي، وبعد هذه التسريبات زادت مخاوفي أكثر".

"أدعي أنني فلسطيني لأحمي نفسي"
من جهته، يشدد أحمد، وهو سوري حصل على الجنسية التركية مع عائلته قبل 4 سنوات، على أن "أكثر مخاوفه من تسريب البيانات هو توريط السوريين بأعمال إرهابية"، وينبه إلى أن "لا أحد في مأمن من ذلك، خصوصا وأن التسريبات تضمنت بيانات المجنسين أيضا".

ويتساءل "هل من الممكن أن يكون طفل عمره 14 عاما مسؤولا عن إدارة مجموعة تنظم أعمال شغب وتعتدي على السوريين وتنشر معلومات لا تتوفر إلا لدى الجهات الرسمية؟"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "أكيد وراءه أشخاص خطيرون حتى على أمن الدولة".

كما يلفت أحمد (اسم مستعار)، إلى أن الاعتداءات التي يتعرض لها السوريون في تركيا "تحولت من مشكلة لاحتواء الأحداث العنصرية في ولاية قيصري، إلى مشكلة تهدد أمن الدولة والسلم الأهلي بالمجتمع"، حسب تعبيره.

ويشرح لـ"عربي21" كيف وجد بياناته وعائلته في الملفات المسربة قبل وبعد حصولهم على الجنسية، ويضيف: "أنا شخصيا لم أعد أشعر بالأمان خوفا من معرفة الآخرين أنني سوري الأصل، الأمر الذي دفعني لأقول للبعض أحيانا إني فلسطيني من أجل أن أحمي نفسي من أي اعتداء".

وخلال الأيام الأخيرة، شهدت تركيا موجة من أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في عدد من الولايات، عقب اعتداءات نفذها عشرات الأتراك بحق سوريين بولاية قيصري، مساء الأحد.

وسرعان ما انتقلت التوترات إلى مناطق سيطرة القوات التركية في شمال غرب سوريا، حيث شهدت مناطق مختلفة تظاهرات منددة بالاعتداء على اللاجئين السوريين في تركيا، وقد تخلل موجة الاحتجاج مظاهر مسلحة رافقها إنزال للعلم التركي عن المباني الرسمية.

"تدخلات الدولة غير كافية"
وكشف وزير الداخلية التركي، عن القبض على 1065 شخصا في عموم تركيا على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها العديد من الولايات مؤخرا، مشيرا إلى أن 855 من الموقوفين في ولاية قيصري التي شهدت انطلاق موجة أعمال العنف.

وأوضح الوزير التركي في أحدث تصريحاته بهذا الصدد، أنه جرى اعتقال 13 من الموقوفين في قيصري، وتم إصدار قرارات بالرقابة القضائية على 145 منهم، كما ذكر أن 468 موقوفا في الولاية الواقعة وسط البلاد كان لديهم سجلات جنائية تتعلق بـ 50 جريمة مختلفة، مثل السرقة والاعتداء الجنسي والتهديد والإهانة والمخدرات والإضرار بالممتلكات والاحتيال والابتزاز.

في هذا السياق، يوضح ليفينت كمال أن "بعض تدخلات الدولة لم تكن كافية"، في إشارة إلى الإجراءات التي تتخذها الجهات الرسمية للحد من الخطاب العنصري والاعتداءات بحق اللاجئين السوريين.

فقد "كان من الممكن منع العصابات العنصرية في وقت سابق، ولكن لم يتم ذلك"، وفقا لكمال.

ويكمل في حديثه لـ"عربي21"، أن "الاعتقالات التي تمت بعد الأحداث الأخيرة ليست كافية"، موضحا أن "المشكلة تكمن بشكل أساسي في عملية التلاعب بالتصورات".

ويوضح كمال أن على "الدولة أن تتدخل بسرعة ضد الأخبار الكاذبة والمنشورات التحريضية وأن تشرح العملية السياسية بدقة".

حملات مناهضة للسوريين
لطالما كانت قضية اللاجئين السوريين ورقة انتخابية في يد أحزاب المعارضة التركية مع كل استحقاق انتخابي، تهدف من خلالها إلى جذب أصوات الناخبين والضغط على الحكومة. وفي سبيل ذلك، تضمنت تصريحات العديد من السياسيين الأتراك ادعاءات بحق اللاجئين لا تمت للحقيقة بصلة، ابتداء من تضخيم أعدادهم ليصل إلى ما يفوق 10 ملايين، وصولا إلى تحميلهم المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار ونقص المياه بمدن مثل إسطنبول.

كما كان السوريون عرضة في كثير من الأوقات إلى حملات تشويه وتحريض متعمدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبر نشر الأخبار المضللة بحقهم من قبل مناهضين لوجودهم في تركيا.

لكن في النهاية "سوف يتجاوز كل من الشعبين السوري والتركي هذه الفتن كما فعلوا سابقا، لأنه لا يوجد لدينا حل آخر غير التآخي والعيش بمنطقة جغرافية واحدة مع كل هذه الصعوبات"، حسب الباحث التركي علي أسمر.

ويقول أسمر في حديثه لـ"عربي21"، "يجب علينا أن نرجع للخلف ونرى الصورة كاملة، فعندما تم الإضرار بالسوري في قيصري كان يوجد أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعيش بسلام في مناطق أخرى".

ويوضح: "ما أقصده هو أنه لا يجب أن نركز على الأحداث السلبية فقط، فكل يوم يولد العديد من الأطفال السوريين، كل يوم يذهب آلاف من الطلاب السوريين إلى المدارس، ناهيك عن امتلاء المطاعم والمقاهي السورية، أي أن الوضع ليس كما يصوره الإعلام".


ويشير في معرض حديثه عن إمكانية تجدد التحريض وأعمال العنف ضد السوريين، إلى أن "موجات العنصرية سوف تستمر إلى أن تحل الحكومة التركية جذور هذه المشكلة، لذلك يجب علينا حاليا أن نقوي مناعتنا تجاه هذه الأحداث الاستفزازية".

و"هنا أقصد عدم التركيز على هذه الأحداث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم  تصديق أو نشر الأخبار الكاذبة، وعدم الاهتمام لكل من فتح مجموعة على تلغرام أو دعا لهجوم على السوريين، لأنهم على الأغلب ذباب الكتروني يقوم بضخ الرعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط"، يقول أسمر.

تطبيع العلاقات مع الأسد
تأتي موجة العنف والتحريض ضد اللاجئين السوريين في تركيا، بالتزامن مع حديث الرئيس رجب طيب أردوغان عن عدم وجود ما يمنع أنقرة من إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، فضلا عن الارتقاء بتلك العلاقات إلى مستوى الاجتماعات العائلية مجددا، كما كان عليه الحال قبل الثورة السورية.



وجاء حديث أردوغان في أعقاب تقارير عن لقاء مشترك جرى بين وفدين تركي وآخر تابع للنظام على الأراضي السورية برعاية من روسيا، كما تبع ذلك تأكيد من الأسد على أن نظامه "منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بتطوير العلاقات مع تركيا" شرط أن تكون "مستندة إلى سيادة الدولة السورية".

وفي حديثه مع الصحفيين خلال عودته من مشاركته بقمة "شنغهاي" في كازاخستان، قال أردوغان إنه "من الممكن أن نوجه دعوة مع السيد بوتين إلى بشار الأسد، وإذا تمكن بوتين من زيارة تركيا، فقد يكون هذا بداية لمرحلة جديدة".

في السياق ذاته، أعلن زعيم حزب "الشعب الجمهوري" التركي المعارض، أوزغور أوزيل، عزمه التوجه إلى العاصمة السورية دمشق عبر لبنان في وقت لاحق من تموز /يوليو الجاري من أجل لقاء الأسد، موضحا أنه يسعى إلى حل أزمة اللاجئين السوريين في تركيا عبر الحوار مع النظام.

الصحفي والباحث التركي ليفينت كمال يرى أن "السوريين في تركيا ضيوف، لكن عودتهم تعتمد على قبول النظام للقرار 2254 وإخراج التنظيمات الإرهابية من البلاد" ويستدرك "لكن النظام لا يتخذ أي خطوات في هذا الصدد".

والقرار رقم 2254، هو قرار أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2015، ويتعلق بوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وبدء مفاوضات سياسية، وتشكيل "حكومة وحدة" في غضون عامين تليها انتخابات.

وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن "مسألة عودة السوريين هي قضية سياسية واجتماعية واقتصادية، ولا يمكن إعادتهم إلا إذا توفرت المتطلبات في هذه الجوانب الثلاثة"، وفقا لحديث كمال لـ"عربي21".