اقتصاد عربي

كيف نجحت "السعودية الجديدة" في استقطاب ملايين الزوار؟

منذ بدأت المملكة في إصدار تأشيرات سياحية قام عدد من المؤثرين بتوثيق تجاربهم- جيتي
"في جميع أنحاء السعودية، رأيت مشروعات لا تعد ولا تحصى يتم بناؤها، من المتاحف البسيطة إلى المنتجعات الراقية" هكذا انطلق المحرر والمصور في قسم السفر بصحيفة "نيويورك تايمز"، ستيفن هيلتنر، في تقريره عن تجربته السياحية في السعودية.

وعبر تقرير حمل عنوان "مفاجئ ومقلق وسريالي: التجوال داخل المملكة العربية السعودية"، قال هيلتنر، الذي قضى شهرا وهو يجوب بالسيارة ما يزيد على الـ8000 كيلومتر من مختلف مناطق السعودية: "سافرت وحدي، دون مرافق أو سائق أو مترجم".

وفي إشارته إلى أن السعودية تتطلع للانفتاح على العالم واستقطاب ملايين الزوار الدوليين، تابع هيلتنر بأنها "الثمار المبكرة لاستثمار بقيمة 800 مليار دولار في قطاع السفر، وهو في حد ذاته جزء من جهد أكبر بكثير يتمثل في رؤية 2030، لإعادة تشكيل المملكة وتقليل اعتمادها الاقتصادي على النفط".

وأضاف: "للتعرف على هذه المشاريع والتغيرات التي تتكشف في المجتمع السعودي، قضيت شهرا في استكشاف المملكة بالسيارة"، وقال: "باعتباري رجلا غربيا يسهل التعرف عليه، تنقلت عبر البلاد متمتعا بمجموعة من المزايا: لطف الغرباء وفضولهم المبهج، وسهولة المرور عند نقاط التفتيش العسكرية، وحرية التفاعل مع مجتمع يهيمن عليه الذكور في الأسواق والمتاحف والحدائق والمطاعم والمقاهي".

وأصبح استقطاب الزوار الدوليين، من الأمور المركزية في التحولات الحديثة التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 38 عاما، الحاكم الفعلي للمملكة.

وبحسب التقرير، نفسه، فإنه "يمثل تغييرا جذريا في بلد لم يصدر حتى عام 2019، أي تأشيرات سياحية غير دينية، وبدلا من ذلك كان يقدم خدماته بشكل شبه حصري للحجاج المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة، أقدس مدينتين في الإسلام". 

وأردف محرر "نيويورك تايمز" بأن "المملكة ارتبطت منذ فترة طويلة بالتطرف الإسلامي وانتهاكات حقوق الإنسان واضطهاد المرأة، وقد خطت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة لإعادة تشكيل مجتمعها وسمعتها في الخارج".

ويتابع: "تم تجريد الشرطة الدينية سيئة السمعة، التي أيدت قواعد السلوك المبنية على تفسير متشدد للإسلام، من سلطتها. كما أن الحفلات الموسيقية العامة، التي كانت محظورة في السابق، أصبحت الآن منتشرة في كل مكان. ومُنحت النساء حقوقا جديدة، ولم يعد مطلوبا منهن ارتداء أردية تصل إلى الأرض في الأماكن العامة أو تغطية شعرهن".

ويؤكد أن "هذه التغييرات جزء من مجموعة واسعة من الاستراتيجيات لتنويع اقتصاد المملكة، ورفع مكانتها في العالم وتلطيف صورتها"، مشيرا إلى أن السعودية تأمل أن تجذب 70 مليون سائح دولي سنويا بحلول عام 2030، حيث تسعى لأن تساهم السياحة بنسبة 10 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي. 

وبحسب الأرقام الرسمية السعودية، فإنه خلال عام 2023، سجّلت البلاد 27 مليون سائح دولي، إذ ساهمت السياحة بحوالي 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

جولة السعودية.. أي تفاصيل؟
يقول هيلتنر: "بدأت رحلتي في جدة، حيث قضيت فيها يومين لاستكشاف منطقتها التاريخية، ثم استأجرت سيارة وقمت بالقيادة لمدة 8 ساعات شمالا إلى العلا، وهي معيار للمبادرات السياحة السعودية الجديدة".

وتحدّت عن "العلا" المتواجدة في شمال غرب السعودية، وهي التي تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، حيث تم بناء مدينة الحِجر على يد الأنباط، وهم شعب قديم ازدهر منذ 2000 عام. وقال عن مدينة الحِجر، إنها "أول موقع للتراث العالمي لليونسكو في المملكة وأكبر معالم العلا الأثرية، تقع على بعد 30 دقيقة بالسيارة شمالي المدينة القديمة، وهي متاهة من الطين المتفتت".

ووفق السلطات السعودية، فإنه من المتوقع أن تكون العلا قادرة على استقبال ما بين 1.5 و2.5 مليون زائر سنويا.

ويضيف محرر الصحيفة الأمريكية، في وصفه لتجربته: "كان المشهد رائعا: انزلقنا عبر واد ضيق، وخرجنا إلى سهل صحراوي واسع ومفتوح، ثم استقررنا في واد واسع محاط بمدرج منحدر".

واسترسل الصحفي في توثيق زيارته للعلا بما وصفه بـ"تذوق الخصوصية"، بالقول: "هذه المدينة من خلال حضوره حفلا غنائيا للفنانة الأمريكية، لورين هيل، في قاعة مرايا".

ويردف: "للوصول إلى القاعة، مررت عبر بوابة أمنية حيث قام أحد المرافقين بفحص تذكرتي الإلكترونية ووجهني على بعد أكثر من ثلاثة كيلومترات عبر طريق متعرج إلى قلب وادي عشار، موطن العديد من المطاعم والمنتجعات الراقية".

ويضيف: "عند المنعطف الأخير، شعرت كما لو أنني وقعت في صورة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر: كان البشر بحجم النمل يتضاءل أمام بنية عاكسة تؤكد نفسها وتندمج في المشهد الطبيعي. وفي الداخل، كان النوادل يقدمون المقبلات والكوكتيلات ذات الألوان الزاهية لحشد من الشباب الأنيقين".

"بعد العلا، توجهت بالسيارة إلى أحد المشاريع باهظة التكلفة في المملكة: مشروع البحر الأحمر، الذي وُصف بأنه (الوجهة السياحية المتجددة الأكثر طموحا في العالم)" يتابع الصحفي نفسه، في توثيق رحلته للسعودية.

ويستطرد: "بعد أن اجتزت عوائق حركة المرور المتعلقة بالبناء، استقللت يختا، برفقة مجموعة مرحة من الشخصيات السعودية، وتمت قيادتي على بعد حوالي 24 كيلومترا إلى جزيرة نائية، حيث نزلت في عالم من البذخ (..) بفندق سانت ريجيس، وهو أحد المنتجعات الفخمة بمنطقة البحر الأحمر".

إلى ذلك، أشار إلى أن السعودية، لا تزال تحظر بيع واستهلاك الكحول، رغم أنها افتتحت مؤخرا، متجرا لبيع المشروبات الكحولية للدبلوماسيين غير المسلمين في الرياض.

ومنذ بدأت المملكة في إصدار تأشيرات سياحية، قام عدد من المؤثرين بتوثيق تجاربهم في أماكن مثل جدة والعلا، وغالبا ما كانت الحكومة السعودية تدفع تكاليف رحلاتهم، بحسب التقرير نفسه.

ويوضح الصحفي أن "حرية التعبير في السعودية محدودة للغاية، ولا يتم التسامح مع المعارضة، كما أنه لا يتم التسامح مع الممارسة العلنية لأي دين غير تفسير الحكومة للإسلام"، وفق قوله.

ويتذكر: "أثناء وقوفي خارج حرم المسجد الرئيسي في المدينة المنورة، حيث دُفن النبي محمد، تم اعتقالي من قبل أحد أفراد القوات الخاصة الصارمين. إذ استجوبني الحارس، وبعد أن اتّصل بزميل للتشاور، طلب مني مغادرة المنطقة".

ويشير إلى أنه كان ملتزما "بالقواعد عبر البقاء خارج حرم المسجد النبوي، وهو خط حدودي أكدته مع مسؤولي السياحة مسبقا"؛ ويصف أمان رحلته بالقول: "الجرائم الصغيرة في السعودية نادرة للغاية".