في
الانتخابات الرئاسية التركية الماضية شككت
الأحزاب المعارضة في الصحة الجسدية
للرئيس رجب طيب
أردوغان، والتي كانت ربما إحدى حيل الانتخابات، وهو ما نفته
الدوائر الرسمية في الدولة حينها. وكُللت الانتخابات بفوز أردوغان بالرئاسة، في
ولاية هي الأخيرة وفق الدستور التركي، ووفق تصريحات لاحقة للرئيس نفسه، ثم كانت
الانتخابات المحلية التركية، والتي شهدت خسارة هي الأولى منذ التأسيس لحزب العدالة
والتنمية الحاكم أمام حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في البلاد، وهو
ما أثار التساؤلات حول ما الذي ينتظر الأتراك بعد أردوغان، أو بالأحرى ماذا إذا لم
يتدارك حزب
العدالة والتنمية أخطاءه ويستعد للانتخابات القادمة؟
تاريخ غير مستقر
خلال أكثر
من مئة عام منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، لم تشهد
تركيا حالة استقرار
سياسي إلا خلال حكم حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان.
فمنذ تأسيس الجمهورية التركية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر عام
1923، على يد مصطفى كمال أتاتورك، كان عدم الاستقرار السياسي هو الغالب على معظم
الحقب الزمنية، فكان الحكم الديكتاتوري هو الغالب في أكثر الأوقات، فمنذ التأسيس أُجبر
المتدينون الأتراك على تغير نمط حياتهم الإسلامي لآخر علماني، في إطار عملية تغريب
للدولة، كما قُمع الأكراد تحت وطأة القومية التي كانت كالعلمانية من مبادئ تأسيس
الجمهورية التركية، كما شهدت تركيا قبل العدالة والتنمية أربعة انقلابات كانت
جميعها ناجحة، وكان أعنفها انقلاب 1980، الذي قاده الجنرال كنعان أفرين.
أغلب الانقلابات العسكرية في تركيا، جاءت بذريعة عدم الاستقرار السياسي في
البلاد، خاصة مع أعمال العنف التي يقوم بها اليساريون الأكراد أو من الإسلاميين أو
حتى القوميون، بالإضافة للأوضاع الاقتصادية السيئة في البلاد.
في تلك الاضطرابات كان النظام البرلماني هو النظام السياسي السائد في
تركيا، قبل أن يتحول لنظام رئاسي بموجب استفتاء شعبي عام 2017، كان للنظام
البرلماني خصائصه المميزة بجمع الأحزاب الأيديولوجية المختلفة في حكومات ائتلافية،
وهو ما يؤدي لتمثيل أكبر لطوائف الشعب المختلفة، لكنه كان أيضا نقمة بسبب حالة عدم
الاستقرار السياسي.
يتميز المجتمع التركي بالتعدد العرقي والديني والأيديولوجي ولكل
فئة منهم حزب سياسي يمثلهم، فتقترب نسبة الأتراك من 70 إلى 78 في المئة، والأكراد
المتواجدون في الشرق والجنوب الشرقي من تركيا بين 14 و20 في المئة من السكان،
بالإضافة إلى أقليات من القوقاز والعرب والروم وغيرهم، وذلك وفق إحصائيات غير
رسمية.
وعلى الرغم من أن الأتراك هم مسلمون بنسبة تتجاوز الـ99% إلا أن ما يقارب
الـ20 في المئة منهم من المذهب الشيعي وخاصة العلوي.
كما تمثل الأحزاب السياسية في تركيا أيدولوجيات مختلفة ربما تكون متطرفة في
بعضها، وتحمل عداء تاريخيا مع أحزاب أخرى أو طوائف من الشعب.
تقلص نفوذ حزب العدالة والتنمية أو الأحزاب المشابهة التي لا تملك عداء مع طوائف الشعب، قد يهدد السلم الاجتماعي في تركيا، وقد تدخل البلاد في مرحلة غير مستقرة، كما أن ارتباط الاستقرار البلاد بشخصية سياسية متميزة كالرئيس أردوغان، بما يتملكه من ذكاء وكاريزما، خاصة بعد تحول البلاد لنظام رئاسي، دون وجود بديل حقيقي على الساحة من الحزب أو خارجه ذي خلفية معتدلة، هي معضلة تجعل من المشهد أكثر صعوبة
الأحزاب القومية مثل حزب الحركة القومية وحزب الجيد لديها عداء تاريخي مع
الأكراد، وعلى الجانب الآخر حزب المساواة والديمقراطية والذي يسوق نفسه كممثل
للأكراد، لديه علاقات بمنظمات انفصالية تصنفها تركيا إرهابية كمنظمة البي كا كا،
على الجانب الآخر حزب الشعب الجمهوري المعارض له موروث سيئ عند الإسلاميين
الأتراك، بالإضافة للأكراد أنفسهم وإن تحالفوا معه في بعض الاستحقاقات الانتخابية
مؤخرا.
هل الحل في الأحزاب المحافظة؟
مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2013، اتخذ نموذجا متصالحا مع
طوائف الشعب التركي المختلفة دون عداء مع إحداها، وذلك من خلال مرجعيته الأقرب
للوسط المحافظ، فلم يصطدم مع النظام العلماني التي أُسست عليه الدولة، وفي نفس
الوقت أعاد للإسلاميين الأتراك حقوقهم في التعبد والملبس والتعليم وغيرها من
الحقوق، كما حاول الوصول لتسوية سياسية مع حزب العمال الكردستاني عام 2015، وهو
الذي أعطى للأكراد حقوقهم التاريخية والثقافية كغيرهم من المواطنين الأتراك، كما أولى
اهتماما خاصة بالطائفة العلوية وسعى في إرضائها.
لذلك فإن تقلص نفوذ حزب العدالة والتنمية أو الأحزاب المشابهة التي لا تملك
عداء مع طوائف الشعب، قد يهدد السلم الاجتماعي في تركيا، وقد تدخل البلاد في مرحلة
غير مستقرة، كما أن ارتباط الاستقرار البلاد بشخصية سياسية متميزة كالرئيس أردوغان،
بما يتملكه من ذكاء وكاريزما، خاصة بعد تحول البلاد لنظام رئاسي، دون وجود بديل
حقيقي على الساحة من الحزب أو خارجه ذي خلفية معتدلة، هي معضلة تجعل من المشهد
أكثر صعوبة، فهل يصحح حزب العدالة والتنمية من مساره في الفترة القدامة ويقدم
بدائل، أو تخرج أحزاب أخرى تحمل أيديولوجية مقاربة كحزب الرفاه من جديد الذي يرأسه
فاتح أربكان، أم تنجح المعارضة في الوصول للحكم من جديد؟!