انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم
نور شمس في مدينة
طولكرم شمالي الضفة الغربية، بعد قتال دام 52 ساعة متواصلة مع المقاومين المحليين، ما أسفر عن استشهاد 14، وتدمير العديد من المنازل والطرقات، فيما لم يعترف الاحتلال سوى بإصابة 4 من ضباطه وجنوده.
العدوان على مخيم نور شمس ليس الأول من نوعه هذا العام، لكنه الأعنف منذ الانتفاضة الثانية قبل أكثر من عقدين، ويمكن ربط حجم هذا العدوان بتنامي الحالة النضالية التي تعيشها طولكرم ومخيماها (طولكرم ونور شمس) في هذه الفترة.
وحصدت مشاركة المقاومين في تشييع رفاقهم الشهداء بعد انسحاب الاحتلال تفاعلا واسعا، لا سيما حينما ظهر قائد "كتيبة طولكرم" محمد جابر "أبو شجاع" وسط الجموع، وحُمل على الأكتاف، بعدما أشيع أنه استشهد خلال العدوان على المخيم.
"سيف القدس" النواة
في أيار/ مايو 2021، أطلقت "سرايا القدس"، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، وكتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، معركة "سيف القدس"، التي كانت انتفاضة شاملة في عموم فلسطين، لا سيما أن من أسبابها الرئيسية طرد الاحتلال لعوائل في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، واقتحام قوات الاحتلال والمستوطنين للمسجد الأقصى المبارك.
كانت معركة "سيف القدس" بمثابة باكورة انطلاق العمل المقاوم بشكل منظم في مناطق مختلفة بالضفة الغربية، بعد سنوات من الركود، كانت المقاومة فيها تقتصر على العمل الفردي، أو المجموعات الصغيرة.
في غضون عام من "سيف القدس"، بدأت تتشكل بالفعل مجموعات مقاومة منظمة في مناطق، بينها
جنين ومخيمها (كتيبة جنين)، ونابلس (عرين الأسود)، ومخيم بلاطة (كتيبة بلاطة)، وطوباس، وغيرها.
طولكرم حاضرة
لم تتأخر طولكرم ومخيماها (طولكرم، ونور شمس)، عن الالتحاق بركب المدن والمخيمات المنتفضة في وجه الاحتلال، وبدأ المقاومون الشبان فيها بالفترة بين 2022-2023 بتنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال.
وفي صورة تشبه ما حدث في مخيم جنين ونابلس، كان الشبان في الفئة العمرية (17-26) هم الأكثر نشاطا في العمل المقاوم داخل طولكرم ومخيميها.
وتميزت المقاومة في طولكرم بالعمليات النوعية، إذ فجّرت "كتيبة طولكرم" التابعة لسرايا القدس عبوات ناسفة في آليات الاحتلال المتوغلة في المدينة، ومخيم نور شمس.
كما نفذ المقاومون في طولكرم عدة عمليات خلال الأشهر الماضية، استهدفت قوات الاحتلال المتواجدة في الحواجز القريبة، على غرار حاجز سناعوز، إضافة إلى التسلل وتنفيذ عمليات في مستوطنتي "عناب"، و"بات حيفر".
وتزايدت وتيرة عمليات المقاومة في طولكرم، بعد معركة "طوفان الأقصى"، مع تطور ملحوظ في تصنيع العبوات الناسفة، التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف الاحتلال.
واللافت أن عناصر المقاومة في طولكرم كانوا قد شاركوا في عمليات داخل جنين ومخيمها رفقة "كتيبة جنين"، كما وردت أنباء أن مقاومين من كتائب "بلاطة" و"جنين" وغيرها شاركوا في صد عدوان الاحتلال الأخير على "نور شمس".
وأطلقت "كتيبة طولكرم" شعار "لن نترك السلاح.. حاضرون في كل ساح"، للتأكيد على تمسكها بالمقاومة داخل وخارج طولكرم.
"مجموعات متوحدة"
على نحو متزامن في عامي 2022-2023، تشكلت عدة مجموعات داخل مدينة طولكرم ومخيميها، تعمل بشكل جماعي ومنظم.
وتعد "كتيبة طولكرم"، التي تأسست في آذار/ مارس 2022 على يد الشهيد سيف أبو لبدة (استشهد في جنين)، هي أبرز الكتائب المقاتلة، وتنتمي إلى "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
"كتيبة طولكرم/ الرد السريع"، هي من بين المجموعات التي برزت في المدينة ومخيم "نور شمس"، وترتبط بشكل وثيق في "كتيبة طولكرم (سرايا القدس)، وشقّت اسمها من لقب كان يُطلق على القائد العام لكتائب شهداء الأقصى سابقا، الشهيد رائد الكرمي، الذي اغتيل عام 2004.
ويعد الشهيد أمير أبو خديجة، الذي خدم سابقا في جهاز الحرس الرئاسي، أحد مؤسسي الكتيبة رفقة الشهيد جهاد مهراج شحادة.
"كتائب القسام" لها حضور هي الأخرى في طولكرم ومخيميها، وأعلنت أن 3 من بين الشهداء الـ14 قبل أيام هم من عناصرها، علما أن قائدها، عز الدين عواد، استشهد رفقة جهاد شحادة نهاية العام الماضي.
وبثت "القسام" مشاهد لاستهداف آليات الاحتلال على مدخل طولكرم، كما ظهر مسلحون يتبعون لها عدة مرات في شوارع المدينة ومخيم نور شمس.
ويتواجد في طولكرم ومخيميها كتائب ومجموعات أخرى على غرار "جند الله" التي أسسها الشهيد عدي الزيات، الذي اغتاله الاحتلال بواسطة طائرة مسيرة نهاية العام الماضي رفقة خمسة آخرين بينهم الشهيد رامي الشوملي القائد في "شهداء الأقصى"، الذي أسس "كتيبة الثأر والتحرير" في طولكرم.
"الحاضنة الشعبية"
أحدث عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مخيم "نور شمس" دمارا هائلا غير مسبوق، شمل تفجير منازل، ومسحا كاملا للبنية التحتية في عدة شوارع.
وبرغم الدمار الذي قام به الاحتلال، فإن الحاضنة الشعبية للمقاومين في طولكرم ومخيميها لم تتأثر، وبدا ذلك واضحا بخروج حشود هائلة في تشييع جثامين الشهداء.
وقالت إحدى سيدات مخيم "نور شمس"، في تصريح عقب انسحاب قوات الاحتلال، إن "هذا الدمار كله بتعمّر إن شاء الله، بس كتيبتنا تضل بخير، واحنا كلنا فداء للكتيبة، وكلنا مشروع للشهادة".
وأضافت أن قتل واعتقال الشبان وذويهم في المخيم، هو دليل على "حجم الذل الذي يعيشه الاحتلال"، مضيفة أن الأهم في هذه المعادلة هو عدم تأثر المقاومة داخل طولكرم ومخيم نور شمس.
دور السلطة؟
نصبت السلطة الفلسطينية العداء لطيف واسع من المقاومين في طولكرم ومخيّميها، ما دفع كتائب المقاومة إلى إصدار عدة بيانات تدين فيه الدور الذي تقوم به السلطة.
ولاحقت السلطة عناصر المقاومة في طولكرم ومخيمها، ومخيم نور شمس، وحاولت اعتقال "أبو شجاع" قائد كتيبة طولكرم، إلا أن الأخير ورفاقه اشتبكوا مع الأجهزة الأمنية ونجحوا بالنجاة.
ولاحقا، أعلنت "كتيبة طولكرم" أن الأجهزة الأمنية قتلت أحد قادتها، وهو الشهيد معتصم خالد العارف، محذرة من خطورة استمرار السلطة في استهداف المقاومين.
وذكرت كتيبة طولكرم، وكتيبة "الرد السريع"، أن أجهزة السلطة تقوم بتسهيل عمل قوات الاحتلال، من خلال إزالة الحواجز والسواتر الترابية التي ينصبها المقاومون.