تلقى
جيش الاحتلال الإسرائيلي صفعة موجعة هي
الأعنف في تاريخه، في السابع من شهر تشرين الأول، بعد أن فاجأت
كتائب القسام
الجناح العسكري لحركة حماس العالم، بهجوم غير مسبوق على مواقع لجيش الاحتلال في
غلاف غزة، بما عرف بعملية طوفان الأقصى.
سيطرت كتائب القسام خلال العملية على ثكنات
عسكرية، ودخلت عدة مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة المحاصر، نجم عن العملية مقتل
المئات من الجنود الإسرائيليين وأسر العشرات، وفق ما أعلنه القسام وجيش الاحتلال
في الوقت نفسه.
ضربة موجعة وغير متوقعة
الصفعة الموجعة للاحتلال حطمت أسطورة الجيش
الإسرائيلي، كسرت مقولة الجيش الذي لا يقهر، وجعلت الكيان الإسرائيلي في حالة من
التخبط واختلال في التوازن، بعد الموقف الصعب الذي تواجهه حكومة نتنياهو داخل
إسرائيل ومن حلفائها الغربيين وواشنطن، لفشلها في منع الهجوم أو تقليل الخسائر التي
تكبدها جيش الاحتلال خلال طوفان الأقصى.
بدأت حكومة نتنياهو البحث عن مخرج لرد اعتبارها؛ فبدأت بالتمهيد لعملية برية ضد قطاع غزة، حيث شنت حملة قصف عنيفة وممنهجة على
القطاع واتبعت سياسة الأرض المحروقة، أدت إلى استشهاد أكثر من 9 آلاف فلسطيني، وما
يزيد عن ثلاثة وعشرين ألف جريح، فضلا عن دمار كبير في البنية التحية، حيث مسحت
أحياء سكنية عن الخارطة، كما دمرت أكثر من نصف المشافي والنقاط الطبية في القطاع.
وفي السابع والعشرين من تشرين الأول، أعلن مكتب
الإعلام الحكومي في غزة، انقطاع الاتصالات والإنترنت في قطاع، وهو المؤشر على بدء
العملية البرية في قطاع غزة؛ بهدف تحرير الأسرى الإسرائيليين وفق ما أعنه جيش
الاحتلال، فما هي محاور العملية البرية التي اتبعها الاحتلال، وما هي نتائج تلك
العمليات؟
محاولات توغل بري من عدة محاور
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي التمهيد لمحاولات
التقدم البري، حيث توغلت مجموعة من الآليات العسكرية لعمق محدود خلف الجدار العازل
على أسوار القطاع الشرقية لوقت محدود ثم عادت أدراجها، وهي ما اعتبرت المرحلة
الأولى من محاولات
التوغل البري، ثم بدأت محاولات التوغل تتزايد وتزيد حدة القصف، حتى بدأت الآليات العسكرية تجاوز الجدار من الأطراف الشمالية للقطاع، وتوزعت محاور
القتال على ثلاث مناطق رئيسية هي:
المحور الشمالي
بدأ جيش الاحتلال أول محاولاته البرية للتوغل في
قطاع غزة من جبهة الشمال، حيث أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء أول علميات على
محور بيت حانون وبيت لاهيا، التي اعتبرت من أبرز نقاط التوغل البري لمسافة قدرت
من مصادر محلية بنصف كيلو متر في الأيام الأولى، ثم واصل جيش الاحتلال توغله لمسافة
أكبر.
وتتوزع أبرز المناطق الساخنة على طول الحدود
الشمالية للقطاع، بدءا من منطقة بيت حانون وقرية أم نصر وبيت لاهيا ومنطقة موقع زكيم
العسكري ومنطقة التوام على الشريط الساحلي.
وتوغلت القوات الإسرائيلية في محور شمال القطاع، وصولا إلى منطقة "الكرامة" على تخوم مدينة غزة من الجهة الشمالية
الغربية، وبلدة بيت حانون من الجانب الشمالي الشرقي.
وهذه المناطق عبارة عن أراض زراعية خالية من
السكان، أو مناطق سكنية كانت قد دمرتها الطائرات والمدفعية والبوارج الحربية
الإسرائيلية خلال الأيام الماضية من الحرب المتواصلة منذ 28 يوما.
تخوض فصائل المقاومة الفلسطينية على هذا المحور
أعنف الاشتباكات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكشفت "كتائب القسام" عن
اشتباكات ومواجهات مستمرة بين مقاتليها وقوات الجيش الإسرائيلي، في عدة نقاط
اشتباك في محاور القتال شمالي قطاع غزة.
محور الوسط
وهو المنطقة الأكثر خطورة في عمليات التوغل البري، حيث تفصل حدود القطاع مع الأراضي المحتلة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال
الإسرائيلي حوالي 6 كيلومتر فقط جنوبي مدينة غزة، شهدت هذه المنطقة قتالا عنيفا بين
جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية منذ اليوم الأول لتحرك القوات
الإسرائيلية في السابع والعشرين من شهر تشرين أول الماضي.
تمكنت قوات جيش الاحتلال، خلال هذه الأيام، من
التوغل إلى حي الزيتون وجحر الديك وصولا إلى شارع صلاح الدين، وتابعت توغلها إلى أن
وصلت إلى شارع 10 في جنوب مدينة غزة.
محور الجنوب
يمتد محور جنوب قطاع غزة من مناطق المواجهات في
الوسط دير البلح وخان يونس ورفح، وهذه الجبهة ما تزال باردة ولم تشهد مواجهات
مباشرة بين جيش الاحتلال والفصائل الفلسطينية، إلا أن طائرات الاحتلال استهدفت جميع
هذه المناطق بغارات مكثفة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، أدت إلى وقوع
مجازر وتدمير واسع في البنية التحتية.
كيف تمكنت قوات الاحتلال من التوغل؟
بدأت تطورات الأحداث تدريجيا منذ بدء العملية
البرية، حيث واصلت المدفعية الإسرائيلية والطائرات الحربية قصف منطقة التوغل بكثافة
ضمن سياسة "الأرض المحروقة".
زادت كثافة الغارات المدفعية بشكل غير مسبوق، بمحاولة إسرائيلية لتدمير أي دفاعات للفصائل الفلسطينية المسلحة في تلك المنطقة
قبل التوغل بريا إليها.
ثم بدأ تقدم القوات الإسرائيلية ضمن بلدة
"جحر الديك"، وهي أراض زراعية تخلو من أي منازل أو مبان، وبعد سلسلة
أحزمة نارية نفذتها المقاتلات الجوية والمدفعية الإسرائيلية، بدأت عدة دبابات
وجرافة مدرعة بالتقدم من الحدود الشرقية لبلدة "جحر الديك" داخل الأراضي
الزراعية، حتى وصلت خلال وقت قصير إلى شارع صلاح الدين.
وتعد هذه المنطقة بمفهوم الفصائل الفلسطينية
منطقة رخوة، وحصلت على هذه التسمية نظرا لكونها أراضي زراعية مفتوحة، علاوة على أنها
تعد أقرب نقطة بين شارع صلاح الدين والحدود الشرقية للقطاع، ومن ثم فإن حركة
المقالتين الفلسطينيين فيها تكون مكشوفة ومحدودة.
عوامل ساعدت الاحتلال على التقدم
ثلاثة عوامل رئيسية، ساعد الآليات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال على
التقدم السريع:
- الأول؛ هو أن
المنطقة زراعية مفتوحة كليّا، وأي حركة للفصائل الفلسطينية فيها تكون مكشوفة.
- والعامل الثاني؛ أن المسافة بين حدود شارع صلاح الدين قصيرة، لا تتعدى الـ3 كيلو
مترات.
- أما العامل الثالث؛ فيرتبط بحرق الطائرات
الحربية والمدفعية لأراضي المنطقة، بصواريخ وقنابل ثقيلة ومضادة للتحصينات والأنفاق
تحت الأرض، على مدار الأيام الماضية.
ما هو شارع صلاح الدين الذي وصلت إليه
قوات الاحتلال؟
شارع صلاح الدين أحد طريقين يربطان جميع مدن قطاع
غزة، فهو يمتد من معبر رفح على الحدود مع مصر، وصولا إلى معبر بيت حانون "إيرز"
أقصى الشمال الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل.
أما الطريق الثاني الذي يربط مدن القطاع، فهو شارع
"الرشيد"، وهو يمتد على طول الشريط الساحلي لغزة.
حصيلة الاشتباكات بين الفصائل
والاحتلال
كشفت كتائب القسام أن الاشتباكات مع القوات
الإسرائيلية في شمال غرب غزة أسفرت عن "استهداف آليتين بقذيفتي الياسين 105،
واشتعال النيران فيهما والإجهاز على أحد الجنود من نقطة صفر".
وقالت الكتائب في سلسلة بيانات مقتضبة، نشرتها
منصاتها الإعلامية؛ إن مقاتليها "أجهزوا على قوة صهيونية في بيت حانون، واستهدفوا جرافة وآلية كانتا تؤمنان القوة الراجلة".
وذكر الناطق الرسمي باسم كتائب القسام خلال بيانه
الأخير، أن فصائل المقاومة تمكنت من تدمير أكثر من 30 آلية عسكرية لقوات الاحتلال خلال
المواجهات على محاور القتال.
وأعلن عن أسلحة جديدة دخلت إلى الخدمة خلال
العمليات الأخيرة، منها "طوربيد العاصف" الموجه ضد الأهداف البحرية، الذي
استخدم للمرة الأولى في هذه المعركة، مشيرا إلى أن سلاح البحرية في القسام تمكن من
توجيه هجمات ضد أهداف بحرية قبالة سواحل غزة، بواسطة طوربيد العاصف الموجه عن بُعد، إضافة إلى عبوات ناسفة استخدمت لأول مرة من المسافة صفر ضد الدبابات.
وتوعد أبو عبيدة جيش الاحتلال الإسرائيلي بمزيد
من المفاجأت التي تنتظر قوات الاحتلال، التي تحاول التوغل البري على جبهات القتال
في شمالي القطاع والمنطقة الوسطى.
من جانبه، اعترف جيش الاحتلال بمقتل عدد من جنوده
خلال المواجهات، وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن عدد القتلى الذين سقطوا من قواته
خلال المواجهات بلغ 24 عنصرا بينهم ضباط برتب عالية، وسط اتهامات من قبل كتائب
القسام بأن أعداد القتلى أكثر من ذلك بكثير؛ نظرا لقوة المواجهات التي تخوضها
الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال، وما تنشره كتائب القسام من صور وفيديوهات تبين
الضربات الموجعة التي توجهها لقوات الاحتلال المتوغلة في محاور القتال.