في داخل مقطورة قطار، تقول أمينة: "توفي يوم أمس ثمانية أفراد من عائلتي"، في منطقة أولوز، المتواجدة نواحي مدينة تارودانت
المغربية.. تتكلم والخوف باد على ملامحها، والرجفة في صوتها من أثر
الزلزال.
وأضافت في حديثها لـ"عربي21": "أنا وابنتي كنا في مدينة الرباط، وفي لحظة حدوث الهزات الأرضية، شعرنا بدوار مخيف، والأرض ذهبت بنا، وزجاج خزانة قديمة سقط أرضا، فسرعان ما هرعنا خارج المنازل، بحثا عن ساحات واسعة للاحتماء، خاصة أننا في لحظة شعرنا أن الموت زارنا ورحل".
وفي القطار المؤدي إلى مدينة
مراكش، مساء السبت، بعد ليلة بيضاء عاشها جل المواطنين المغاربة، لا حديث يسيطر على أفواه المتكلمين باستثناء مدى شعورهم بقوة الهزة الأرضية، وعن مشاعرهم، وتفاصيل خوفهم، وشدّة الدوار الذي لازمهم لساعات بعد حدوث الزلزال.
هؤلاء الأشخاص المسافرون من الرباط نحو مراكش، جلهم كان في زيارة لعائلته، أو في موعد طبي، أو لاجتياز امتحانات للقبول الجامعي، عادوا خوفا إلى أماكن سكناهم، نواحي "بؤرة" الزلزال، وقد يجدون أهلهم على قيد الحياة، وقد لا يجدونهم.
هنا "آسني"
على طول طريق قرية آسني، المتواجدة بإقليم الحوز، وتبعد نحو 50 كلم عن مدينة مراكش؛ أناس مشردون، يفترشون العراء والخوف باد على ملامحهم، حتى إن نظراتهم لا يزال الهلع والخوف مسيطرا عليها.
هنا في مركز دوار "آسني" المتواجد نواحي مدينة مراكش، الذي تبلغ ساكنته نحو 55 ألف نسمة، وفق آخر رقم رسمي، ملامح الدمار تعم الأجواء.
يقول حسين: "كنت جالسا مع زوجتي وأبنائي، فجأة نشعر بأن الأرض تهتز من تحتنا، وصراخ في الخارج إثر سقوط عدد من المباني؛ خفت على أبنائي الصغار فهربنا خارجا، قبل أن ينقض جزء مهم من منزلنا".
ويضيف لـ"عربي21": "لا بأس أننا نجونا بأنفسنا، ولم نكن ضحايا تحت الركام، فما أصعب الأمر" مردفا بأنه "توفي 23 شخصا من جيراننا، هناك جنازة داخل كل بيت، وشهقة بكاء تكتم أنفاسنا".
بدوره، أعرب مواطن آخر من المنطقة نفسها، عن قلقه من ليلة أمس، مشيرا إلى أنهم سيفترشون العراء لليلة الثانية على التوالي، خوفا من سقوط ما تبقى على أجسامهم؛ غير أنه يقول بابتسامة أمل: "لم أخف من الموت، فكلنا سوف نموت يوما ما، لكنني خفت من الموت تحت الركام".
"دوار العرب"
وغير بعيد عن قرية "آسني" توجهت "عربي21" إلى قرية تسمى "دوار العرب" لرصد مخلفات "الزلزال" العنيف الذي زار المنطقة، فحول نصفها إلى ركام؛ وعلى الطريق كانت ملامح الخسارة بادية أكثر.
ورصدت "عربي21" سقوط جزء مهم من "دار الطالب" بالتزامن مع انهدام تام لـ"دار الطالبة" وهي مؤسسات تتبع لمؤسسة الرعاية الاجتماعية، يقطن فيها التلاميذ والتلميذات من أجل إتمام دراستهم، حيث إن مقر سكناهم بعيد جدا، ولا يسمح لهم بإتمام مراحلهم المتقدمة من الدراسة، في مراحل الإعدادية والثانوية.
وغير بعيد عن أماكن وجود دور الطلبة، تابعت "عربي21" مراحل بناء خيم لإيواء ضحايا "دوار العرب" المقدرين بالمئات، في غياب أرقام دقيقة عن عددهم؛ حيث يفترشون الأرض، متخذين من بعضهم البعض ملجأ أمان ودفء.
في المقابل، تجند عدد من المتطوعين برفقة عناصر الوقاية المدنية والدرك الملكي، لبناء الخيم التي ستؤوي ضحايا ما يقولون إنها "فاجعة إنسانية ألمّت بهم".
تقول فاطمة: "كنت نائمة لحظة اهتزاز الأرض، لكن سرعان ما استجمعت قواي وقمت بتهريب بناتي وزوجي المريض خارج المنزل"، و"شعرت أنني قوية آنذاك، لكن سرعان ما خارت قواي، حين شاهدت القرية وقد باتت خرابا، وأخبار الموت تتضاعف بين الحين والآخر".
تضيف السيدة الأربعينية، في حديثها لـ"عربي21": "في قريتنا توفي سبعة أفراد، وفي القرية المجاورة توفي خمسة، ولا يزال البحث جاريا عن عدد من الضحايا تحت الركام".
و"في الوقت الذي يتم فيه بناء خيام للمأوى، فإنه يتم بناء مستشفى ميداني إضافي، لتوفير مكان آمن لعلاج الضحايا".
ويوجد في المنطقة العديد من المصابين؛ فبينهم من كسرت عظامه لحظة الهرب من الفاجعة، وبينهم من أصابه الإغماء، ناهيك عن المصابين بأمراض مزمنة مثل ضيق التنفس والقلب.
يشار إلى أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أعلنت أنه ستقام بجميع مساجد المملكة صلاة الغائب، وذلك بعد صلاة الظهر يوم الأحد، ترحما على أرواح كافة ضحايا الزلزال.
ولحدود منتصف ليلة السبت/الأحد، أكدت مصادر مطلعة لـ"عربي21"، أنه “لا تزال عدد من التجمعات القروية تعاني من دون القدرة على الوصول إليها، من بينها: دوار أنبدي، ودوار تزيرت، ودوار تيركليت، وجماعة تزي نتاست قيادة تافنكولت دائرة أولاد برحيل، المتواجدون في إقليم تارودانت”.
وبحسب آخر حصيلة رسمية، فإنه بلغ عدد الوفيات 2012, فيما وصل عدد الحالات الخطيرة إلى 1404 حالة. ولا يزال البحث جاريا تحت ركام عدد من المناطق القريبة من بؤرة الزلزال، فيما هلعت ساكنة جل المدن المغربية إلى مراكز التبرع بالدم. وتتوالى عمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى الأماكن المتضررة.