نشرت صحيفة "
فزغلياد" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن الاجتماع الذي احتضنته
مدينة جدة السعودية حول التسوية السلمية للنزاع في أوكرانيا، والذي انتهى دون تحقيق النتائج المأمولة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في خضم الاجتماع عرضت الدول الحاضرة رؤيتها لحل الوضع، والتي اختلفت اختلافا جوهريا عن المقترحات التي قدمتها الدول الغربية وعن
خطة زيلينسكي.
وأضافت الصحيفة أن الاجتماع حضره وفود من حوالي 30 دولة، دون دعوة موسكو التي وعدت الرياض بإخبارها بالنتائج، وخلال الاجتماع قدمت السعودية خطتها الخاصة لحلحلة الأزمة الأوكرانية، والتي ساعدتها العديد من الدول الأخرى في صياغتها.
وتتضمن الخطة الحفاظ على وحدة أوكرانيا ووقف إطلاق النار وبدء مفاوضات
السلام تحت رعاية الأمم المتحدة وتبادل الأسرى.
وبحسب صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية توصل المشاركون في الاجتماع في جدة عقب اليوم الأول من المشاورات، إلى اتفاق حول العديد من القضايا وسيقومون بتشكيل مجموعات عمل بشأن القضية الرئيسية وهي "صيغة السلام" التي طرحها فولوديمير زيلينسكي.
من جانبها، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" مشاركة بكين في الاجتماع أبرز علامات نجاح المفاوضات. وعلى قناته على موقع التليغرام؛ كتب رئيس مكتب رئيس أوكرانيا أندري يرماك أنه خلال المشاورات، أجرى الوفد الأوكراني محادثات ثنائية مع مبعوثين من أكثر من ثلاثين دولة، ناهيك عن عقد اجتماعات على مستوى مستشارين للأمن القومي والسياسة الخارجية.
وفي الوقت نفسه، أفادت الأنباء في اليوم السابق أن ممثلي أوكرانيا قد ابتعدوا عن "صيغة السلام" التي طرحها زيلينسكي. وقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن أحد المسؤولين، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن أوكرانيا أصرت في وقت سابق على تبني "خطة سلام" تتضمن الانسحاب الكامل للقوات الروسية، غير أنها لم تصدر تصريحات مماثلة هذه المرة.
عدم استعداد
وذكرت "فزغلياد" أن روسيا قيّمت الاجتماع من زاوية مختلفة، فبحسب سياسيين وخبراء؛ فإن المحادثات في السعودية عكست عدم استعداد دول العالم الثالث للعب وفقًا للقواعد التي يمليها الغرب، ويتجلى ذلك بشكل أساسي في رفض "صيغة السلام" التي وضعها زيلينسكي.
وعلى قناته على موقع "تليغرام" أشار السيناتور الروسي، أليكسي بوشكوف، إلى تأييد المشاركين في المفاوضات "المبادئ العامة التي يعلنونها في الأمم المتحدة في تصريحاتهم الرسمية"، ملمحًا إلى عدم اتباع الدول الغربية هذه المبادئ وهو ما أظهرته التجارب في كل من صربيا والعراق وليبيا.
ويشير بوشكوف إلى أن الاجتماع لم يصبح "منصة جديدة للوحدة" بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها بعد أن اختلفت مناهج حل النزاع بين حلفاء أوكرانيا والدول الرائدة في جنوب الكرة الأرضية؛ أما السيناتور في مجلس الاتحاد، كونستانتين دولغوف فقال: "لا يمكن أن تكون هناك تسوية سلمية للوضع في أوكرانيا دون مشاركة روسيا، وقد قلنا في العديد من المناسبات أن الجانب الرئيسي لحل المشكلة هو ضمان أمن روسيا".
ويضيف دولغوف: "مبادرة الاجتماع في جدة تعود إلى الولايات المتحدة، التي أرادت توسيع التحالف المناهض لروسيا، وقد تمت دعوة الدول التي اتخذت موقفًا محايدًا في الغالب من العملية العسكرية الروسية".
وتابع دولغوف بالقول: "بات فشل المحاولة الأمريكية واضحًا؛ حيث تدرك دول العالم الثالث أن مصالحها طويلة المدى أهم بكثير من آراء وخطط واشنطن. لكن، الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تخطط للعبة طويلة المدى وستواصل العمل من أجل تحقيق أهدافها".
وتنقل الصحيفة أيضًا عن دولغوف ما يلي: "تحتاج روسيا في الوقت الراهن إلى شرح وجهة نظرها لتلك البلدان المستعدة لاتباع نهج موضوعي لتقييم النزاع الأوكراني؛ بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى تشكيل واقع جديد في ساحة المعركة يكون وضع نهاية لهذه المواجهة في مقدمته".
وتعليقًا على المحادثات التي عقدت في جدة، قال رئيس لجنة حماية سيادة الدولة في مجلس الفيدرالية الروسي، أندريه كليموف: "أنا لا أثق في وسائل الإعلام الأمريكية وفي البيروقراطيين من الاتحاد الأوروبي، لكنني أعلم أنه إذا كان لديهم شيء يتباهون به، لكانوا قد فعلوا ذلك بنسبة 300 بالمئة على الأقل. لم يتبع ممثلو الدول المحايدة تعليمات الدول الغربية ولم ينضموا إلى التحالف المناهض لروسيا".
وتشير الصحيفة إلى اتخاذ الباحث الألماني من أصول روسية ألكسندر رار موقفًا مختلفًا بعد أن قال: "يمكن أن يكون الاجتماع في جدة حدثًا تاريخيًا مهمًا، ربما أهميته مماثلة لمؤتمر يالطا الذي انعقد في عام 1945؛ ولأول مرة في عالم السياسة الكبرى؛ تحملت الدول النامية التي أصبحت قوى مستقلة في عالم متعدد الأقطاب المسؤولية عن إقامة علاقات دولية دون الرجوع إلى الولايات المتحدة".
تغيير ميزان القوى
وبحسب رار فإن إجراء مثل هذه المفاوضات بمشاركة دول جنوب الكرة الأرضية (تمثل جل دول العالم الثالث) يغير ميزان القوى في الجغرافيا السياسية، مضيفًا: "نحن نلاحظ التخلي التدريجي عن نظام أحادي القطب بقيادة الغرب لصالح التنوع الدولي الحقيقي. ستستمر المفاوضات بنفس التركيبة، ولكن تحت قيادة الهند".
وأضاف رار: "خلال المفاوضات؛ لم يلتفت المشاركون إلى"صيغة السلام" التي قدمها فولوديمير زيلينسكي، لا سيما أن مبادرته في مجملها لا تعني غير استسلام روسيا ولا يمكن التعامل بجدية مع مثل هذه المقترحات المقدمة من أوكرانيا على المستوى الدولي".
وأضاف رار: "بناء على هذا، من المستبعد طرح مقترحات زيلينسكي في المشاورات القادمة. لكن في الوقت الراهن سينتظر المشاركون في القمة التي احتضنتها جدة رد فعل روسيا على نتائج الاجتماع. ومن الواضح أن دول الجنوب العالمي تريد رؤية مقترحات مضادة من جانب موسكو".
وتنقل الصحيفة أيضا عن تيموفي بورداتشيف، وهو مدير برنامج نادي فالداي الدولي التالي: "الاجتماع في جدة يعكس رغبة السعودية في تعزيز نفوذها على الساحة الدولية، وهي ظاهرة بارزة تُظهر زيادة كبيرة في تأثير دول الجنوب العالمي على العمليات الجيوسياسية في العالم وفقدان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي احتكارهما لحل الأزمات الدولية الكبرى".
ويضيف بورداتشيف: "من المستبعد توافق مقاربات الدول النامية والغربية في حل النزاعات بشكل كامل وهو ما أظهره الاجتماع في جدة، وقد أعربت عدة وفود عن وجهة نظر مفادها أنه لا ينبغي لروسيا سحب قواتها من أراضي المناطق الأربع الجديدة".
وأردف بورداتشيف: "هذا يتناقض تمامًا مع صيغة زيلينسكي المزعومة للسلام، حيث أن مقترحاته لا تتعدى حدود كونها مجرد دعاية ولا تتوافق مع الواقع بأي شكل من الأشكال، إن بلدان الجنوب العالمي تقيم الوضع الحالي بحكمة وتقدم في الغرض أفكارًا مناسبة وفعالة".
وفي ختام التقرير ذكر بورداتشيف أن الدول النامية ليست ملزمة باتباع المسار الغربي، مما يعني أن مقترحاتها لن تتوافق مع رغبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الاتجاه الذي له تداعيات سلبية على مصالح واشنطن.