دمشق "النابضة بالحياة" بعيون مؤثرين وسياسيين أتراك.. هل عودة اللاجئين آمنة؟

يعيش اللاجئون السوريون في تركيا حالة من الخوف والقلق على وجودهم واستقرارهم، حيث تستمر الحملات المعادية لهم بالسعي إلى تقليب الرأي العام والترويج لانتهاء الحرب في سوريا.

وتزامنا مع تلك المساعي، شنت السلطات التركية خلال الأسابيع الأخيرة حملات أمنية مشددة لترحيل "اللاجئين غير الشرعيين"، في المدن الكبرى وعلى رأسها إسطنبول. نتج عنها ضبط 36 ألف لاجئ "غير شرعي" خلال الشهرين الماضيين، رحل 16 ألفا منهم، بحسب تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

على وقع الحملات المتتالية ضد اللاجئين من قبل الحكومة وأحزاب معارضة، يرزح اللاجئ السوري المقيم بشكل قانوني أو "شبه قانوني" في تركيا، تحت وطأة شعور مستمر بعدم الاستقرار، حيث لا تكفي اللغة التركية الركيكة التي يتحدثها بعض اللاجئين لتوضيح وضعه القانوني أو الدفاع عن حقوقه في حال تم ضبطه في طريقه إلى العمل أو عودته منه.

ويأتي ذلك كله، مع امتداد جهود المناهضين للوجود السوري في تركيا إلى خارج الحدود لتصل إلى قلب العاصمة السورية دمشق، حيث يسعون لإظهار مناطق سيطرة نظام الأسد "آمنة وصالحة لعودة اللاجئين إليها بعد انتهاء الحرب". إضافة إلى تقليب الرأي العام التركي، ما من شأنه أن يدفع السلطات إلى تكثيف حملاتها الأمنية ضد اللاجئين تجنبا لتفاقم ملف اللاجئين في البلاد وانعكاسه سلبا على المواطنين، في ظل أزمة اقتصادية خانقة إثر تراجع سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار وارتفاع نسب التضخم. 

ويرى المحامي غزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، أن جهود الحكومة في التضييق على اللاجئين السوريين تتضافر مع مساعي المعارضة التي تروج لمناطق النظام السوري على أنها "بلد الأمن والرفاه والخدمات"، حيث يوجّه الطرفان رسالة واحدة "تهدف لدفع الأتراك إلى ممارسة ضغط أكبر على اللاجئين لإجبارهم على العودة"، بحسب تعبيره.

ويتابع: سياسات التضييق التي تنتهجها الحكومة التركية منذ عام 2019 مستمرة بوتيرة متصاعدة، للوصول إلى مرحلة طي ملف اللاجئين السوريين والانتهاء منه. 

ويزعم المحامي في حديثه لـ"عربي21"، أن مرحلة طي ملف اللاجئين السوريين ستحصل خلال بضع سنوات قادمة.



"أتينا لفضح أكاذيب اللاجئين السوريين"
بين الداعين إلى عودة اللاجئين إلى بلادهم، تبرز المعارضة التركية المعادية للاجئين السوريين إيلاي أكسوي، حيث ظهرت في مقاطع مصورة من قلب دمشق، مطلع تموز/ يوليو الماضي، وهي تروج لعودة الحياة الآمنة في مناطق سيطرة النظام، مدعية وبيدها ربطة خبز أن "المعيشة فيها غير مكلفة"، بينما قالت: أتينا إلى دمشق عاصمة سوريا لفضح أكاذيب السوريين في تركيا الواحدة تلو الأخرى.


وتجولت أكسوي بالسيارة في غوطة دمشق الشرقية، والمباني المدمرة تملأ جانبي الطريق، موضحة أنها "في المكان الذي يُزعم فيه أن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد مواطنيه" على حد قولها.

وتسعى أكسوي في زيارتها دمشق للتأكيد على أن النظام "يعتني بشعبه جيدا"، وأن الشعب السوري "يعيش في رفاه رغم الأزمة الاقتصادية"، بحسب لقاء أجرت معها صحيفة "سوزجو" المقربة من حزب الشعب الجمهوري المعارض. وبناء عليه، يستطيع اللاجئون العودة إلى منازلهم دون خوف.

وركّزت أكسوي خلال جولتها التي استمرت ثلاثة أيام، على مجانية الطبابة والتعليم ورخص أسعار الخبز والمواد الاستهلاكية الأساسية في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري، مقارنة بأسعارها في الأسواق التركية. في محاولة منها لتجييش الشارع التركي الذي تمر بلاده بأزمة اقتصادية، ضد اللاجئين السوريين.

وفي وقت لاحق من تموز/ يوليو، كشف حزب النصر التركي القومي المتطرف أن وفدا رفيعا منه بدأ زيارة للمناطق التابعة لسيطرة النظام بهدف التأكيد على أن ظروف العيش أصبحت مواتية لعودة آمنة للاجئين السوريين المتواجدين في تركيا، وأن الحياة عادت إلى مسارها الطبيعي تحت "سيطرة الحكومة الشرعية".

وقال زعيم الحزب المعادي للاجئين، أوميت أوزداغ، في تصريح مقتضب له لقناة "الشعب" آنذاك، إنه لن يتوجه إلى دمشق، رغم إعلانه عزمه ترأس الوفد خلال زيارته العاصمة السورية، وذلك بعد كشف الصحفي موسى أوزوغورلو عبر تغريدة في حسابه على تويتر أن النظام السوري "ألغى إذن دخول أوزداغ إلى الأراضي السورية".

ويصر أوزداغ في تصريحات عديدة له على وصف اللاجئين بـ "المحتلين"، واتهامهم بالتحرش بالفتيات التركيات في الطرقات والشواطئ دون تقديم أدلة.



دمشق "النابضة بالحياة" بعيون مؤثرين أتراك
وينشر لاعب كرة السلة التركي  كمال جان بولات، مقاطع فيديو من دمشق ومدن سورية أخرى، على حساب في إنستغرام خاص به يحمل اسم "تركي في سوريا". تروج للأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتُظهر الحياة في دمشق على أنها آمنة وهادئة، لاسيما في المقاهي والطرقات بعد منتصف الليل. ويتوجّه جان بولات بمحتواه إلى الذين يدعون " كذبا أنهم لا يستطيعون العودة" بحسب تعبيره.

تأتي حملة الفيديوهات والزيارات التركية المروّجة للنظام، مع تواصل مساعي دينيز بستاني الذي يقدّم نفسه على أنه محلل سياسي مهتم بقضايا الشرق الأوسط، للتحريض على اللاجئين السوريين في تركيا وادعاء أنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي التركي، وأنهم سيسعون للمطالبة بـ "حق السيادة" مع الوقت.

ويدعو بستاني، في إحدى تغريداته على حسابه في تويتر الذي يكرّسه للتحريض ضد اللاجئين، إلى سحب الجنسية التركية من اللاجئين السوريين الذي حصلوا عليها، محذرا من "قوى ظلامية" تسعى إلى ترسيخ سيادة دائمة للاجئين في تركيا، وإشراكهم في العمل السياسي.


والجدير بالذكر، أن بستاني هو أحد مرافقي السياسية المعادية للاجئين السوريين إيلاي أكسوي في جولتها الأخيرة في دمشق وغوطتها، حيث كان هو الشخص الذي يقود السيارة أثناء نفيها استخدام النظام الأسلحة الكيمياوية في الغوطة الشرقية على المدنيين العزل.

فيما يصوّرهما اليوتيوبر التركي فاتح كوبّران، الذي ينشر عبر قناته على يوتيوب تفاصيل الحياة اليومية بمناطق سيطرة النظام، حيث يروّج بدوره لرغد العيش والأمن فيها، من خلال لقاءات يجريها مع سوريين يتحدثون اللغة التركية بركاكة.

هل مناطق النظام آمنة كما يقولون؟
وذكرت الصحفية التركية المعارضة نيفشين منغو، تعليقا على الحملات المروجة للأمن في مناطق النظام السوري، أن "تصوير مقهى ليلي في دمشق لا يعني أن الحرب قد انتهت"، موضحة أن في كل الحروب هناك من يجني الأرباح ويكمل حياته الطبيعية كما لو أن شيئا لم يكن.

وأضافت منغو خلال برنامجها اليومي على قناتها في يوتيوب: في سوريا (النظام السوري) يقومون بدعوة المؤثرين للتصوير، لكنهم لا يمنحون تأشيرة دخول للصحفيين الحقيقيين ليذهبوا إلى هناك ويكتبوا خبرا باستقلال وحرية.

وكان تقرير بعنوان "تطبيع الرعب" أصدرته الرابطة السورية لكرامة المواطن، ذكر أن اللاجئين السوريين الذين أُجبروا على العودة إلى مناطق سيطرة النظام لا يشعرون بالأمان، حيث لا تزال عمليات الاعتقال والإخفاء القسري مستمرة في جميع المناطق، وقد طالت كذلك الذين شملهم عفو النظام.

ومن جهتها، وثّقت منظمة العفو الدولية، عام 2021، انتهاكات بحق عدد من اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية، حيث تعرضوا للاعتقال والتعذيب والاغتصاب على أيدي قوات النظام السوري، ما يثبت أنه لا يزال من غير الآمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.



وكان الاتحاد الأوروبي قال في بيان له عام 2022، إن شروط العودة "الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين لم تتحقق بعد". 

وكشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها  صدر في كانون الثاني/يناير عام 2023، أنَّ ما لا يقل عن 2221 حالة اعتقال تعسفي بينهم 148 طفلاً و457 سيدة، قد تم توثيقها في عام 2022، مشيرةً إلى أنَّ سوريا ليست آمنة لعودة اللاجئين، حيث اعتقل النظام السوري في عام 2022 ما لا يقل عن 228 ممن عادوا إلى مناطق سيطرته.

يأتي ذلك في ظل تدهور اقتصادي مستمر تشهده مناطق سيطرة النظام، حيث وصل معدل البطالة، العام الماضي، إلى 31.4 في المئة، بحسب وسائل إعلام محلية.

وتجدر الإشارة إلى أنه مع انخفاض قيمة الليرة، انخفضت قيمة معدلات الأجور لتصل إلى 8 دولارات شهريا، من متوسط 14 دولارا سابقا، فيما ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير، تزامنا مع ارتفاع سعر الدولار.

وفي هذا السياق، حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون خلال إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، في تموز / يوليو الماضي، من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، موضحا أن 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر، لافتا إلى أن "راتب بعض العاملين الآن أقل من 8 دولارات شهريا، وهو ما يعني أن الأسرة لا تستطيع تحمّل سوى تكلفة وجبة واحدة في اليوم".


أرقام رسمية عن اللاجئين السوريين في تركيا
ويقيم في عموم تركيا نحو 3 ملايين و646 ألف لاجئ سوري تحت بند "الحماية المؤقتة"، وذلك وفقا لبيانات وزارة الداخلية التركية. يعيش معظمهم في اسطنبول وغازي عنتاب وهاتاي، ومدن أخرى رئيسية.

وبحسب بيان لوزارة الداخلية، نشرته بتاريخ 2 ديسمبر/ كانون الأول عام 2022، فقد حصل نحو 223 ألفا و 881 لاجئا سوريّا على الجنسية التركية، بينهم نحو 98 ألف طفل لا يحق لهم المشاركة في أي استحقاق انتخابي لعدم بلوغهم السن القانوني.
 
وزعمت أحزاب المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية الفائتة، أن أعداد اللاجئين السوريين في تركيا فاقت الـ10 مليون لاجئ، وأن الحاصلين منهم على الجنسية التركية قد تجاوزوا حاجز المليون شخص، وبذلك يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.

ويُذكر أن ملف اللاجئين في تركيا برز بقوة خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، لاسيما بعد أن خسرت المعارضة الأغلبية في البرلمان لصالح تحالف الجمهور في الجولة الانتخابية الأولى، ما دفعها إلى تبني خطاب معادٍ للاجئين بهدف كسب أصوات فئات من القوميين والفوز بكرسي الرئاسة في الجولة الثانية، التي اختُتمت بفوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات.