اتهم
حقوقي غربي "الحكام المستبدين العرب" باتباع كتاب جديد حول الدين.
وقال جون هوفمان،
مدير مؤسسة "الديمقراطية في العالم العربي الآن" (دون) إن "بيت العائلة
الإبراهيمية" الذي افتتح في 1 آذار/ مارس في جزيرة السعديات بأبوظبي، تم تقديمه
على أنه منارة
التسامح والحداثة في الشرق الأوسط، وتم تقديم المجمع كجزء من جهود الحكومة
الإماراتية التي يتم تسويقها كجزء من تعزيز الانسجام بين الأديان بمنطقة عادة ما تصور
على أنها تفتقد المساواة.
وأضاف هوفمان
في مقال في مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية إن مبادرات موجهة من الحكومة يتم
تسويقها كآلية لدعم السلام والتسامح والاعتدال، أصبحت أمرا عاديا في عموم الشرق الأوسط
خلال العقد الماضي، حيث قامت دول مثل مصر والأردن والمغرب والسعودية والإمارات وغيرها بالإعلان عن سلسلة من المبادرات الدولية تركز
على حوار الأديان ومواجهة التطرف والتفسيرات الدينية ونشر ما يطلق عليه "الإسلام
المعتدل"، ورغم النظرة المنفتحة التي تقدم صورة عن التسامح والاعتدال إلا أن نفس
الحكومات، عدد كبير منها تستخدم الدين لشرعنة القمع والحد من حرية المواطنين وتبرير
السياسات القاسية.
فالإمارات
ليست قمعية في الداخل، ولكنها تبنت سياسة تدخل أدت إلى إطالة أمد الحروب وتسببت بكوارث
إنسانية، وحاربت التوجهات الديمقراطية، وأثارت نفس المظالم التي قادت للاضطرابات بالمنطقة.
وتقوم الكثير
من الدول العربية باستخدام الدين كأداة للقوة الناعمة إلى جانب وسائل مثل التبييض الرياضي
والبيئي، وغير ذلك من حملات العلاقات العامة التي تحللها من المسؤولية عن انتهاكات
حقوق الإنسان والسياسات التي تزعزع استقرار الشرق الأوسط والحفاظ على دعم الغرب لها.
وبحسب
هوفمان فإن الكثير من الدراسات الأكاديمية ركزت اهتمامها على الطريقة التي يدفع فيها
الدين النتائج السياسية بالشرق الأوسط، مع أن انتباها أقل ركز على السياسة التي تحاول
الدفع بنتائج دينية، والإسلام المعتدل هو واحد من الأمثلة عن الطريقة التي تدفع فيها
السياسة نتائج دينية. وهناك عنصران في مفهوم الإسلام المعتدل الذي تسوق له الحكومات.
الأول، هو
الترويج لنظرة سلمية وهادئة للدين والتي تؤكد على الطاعة المطلقة للحاكم، حيث تصور
الحكومات طاعة الحاكم باعتبارها واجبا دينيا، فهي تروج لتفسير ديني خانع للدولة وغير
قادر على تحدي شرعية النظام أو سياساته. وفي الوقت نفسه نزع الشرعية عن الأشكال الأخرى
للمرجعية. وتلجأ الحكومات لتصوير أي شكل من الأشكال الإسلامية أو الإسلام السياسي على
أنه تطرف وراديكالية.
وساعد على
هذا التوجه قوانين مكافحة الإرهاب التي انتشرت في الشرق الأوسط على موجتين، الأولى
بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 والثانية بعد الربيع العربي. وتمت صياغة هذه التشريعات
بطريقة غامضة لمنح الدولة السلطة كي تستهدف أي محاولة تريد التصدي للوضع الراهن. وتم
استخدام هذه التشريعات في دول مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وأماكن أخرى.
فعبر تصوير
أي تحد للوضع الراهن باعتباره تطرفا ونوعا من الراديكالية الدينية، فإن هذه الحكومات
قامت بحرف النظر عن سياساتها
الديكتاتورية والتي عادة ما تكون حافزا لعدم الاستقرار
بالمنطقة، وقمع أي شخص تراه تهديدا لحكمها بذريعة مكافحة هذا السلوك المتطرف. وتأطير
كهذا يسمح لهذه الحكومة باحتكار النقاش الديني والمتعلق بإصلاح الإسلام والسياسة في
الشرق الأوسط.
الأمر الثاني،
ففي محاولة هذه الحكومات تقديم نفسها عبر مفهوم الاعتدال، تبنت استراتيجية استخدام
الحوار الديني المتسامح. وثبت أن تواصل الحكومات هذه مع منظمات وشخصيات مسيحية ويهودية
فعالة. فعبر تأطير هذه الأنظمة نظرتها عبر نظرة الحوار الديني المستخدم في الغرب لتعزيز
التعايش بين المجتمعات والأديان، فقد حصلت على ثناء الساسة والقادة الدينيين في الولايات
المتحدة. وسمح لها بتقديم صورة متسامحة والحصول على علاقات مع فاعلين مؤثرين في الدول
المهمة. ولم تحصل على هذا فقط، أي كونها معتدلة ومتسامحة، بل وقدمت نفسها باعتبارها
الممثل الحقيقي للإسلام العالمي.
وعبر بناء
هذه الصورة فقد حاول اللاعبون تقديم أنفسهم كقوى استقرار في الشرق الأوسط رغم السياسات
القمعية ضد المواطنين في الداخل إلى جانب السياسة الخارجية القاسية التي أسهمت في عدم
استقرار المنطقة.
وجاء مشروع
الإسلام المعتدل الذي شكلته الحكومة نتاجا لمرحلة ما بعد 9/11 حيث لجأ الغرب إلى تشكيل
مصطلحات عشوائية أطلق عليها الباحث محمود ممداني المسلم "الطيب" والمسلم
"الشرير". وبهذا المعنى فإسلام الأنظمة المستبدة قدم على أنه الإسلام
"الطيب" و"المعتدل"، وكان الهدف من وراء ذلك تقديم الحكومات المستبدة
على أنها أفضل شريك متوفر لمكافحة المسلمين "الأشرار" أو "المتطرفين".
ومع تدفق الأموال
من الولايات المتحدة لهذه الأنظمة باسم مكافحة الإرهاب، فقد استخدمت الأموال من أجل
قمع أي صوت تحدى الوضع الراهن، وتعززت هذه الأشكال في مرحلة ما بعد الربيع العربي عام
2011، حيث تسابقت الدول هذه لتقديم نفسها على أنها حارسة الاستقرار مما ساعدها على
حرف الانتباه عن سياساتها التي أسهمت بالاضطرابات والثورات بالمقام الأول.
ويعتقد هوفمان
أن مشروع الإسلام المعتدل كان موجها للغرب وتحديدا للولايات المتحدة التي ظلت الضامن
الأهم لهذه الأنظمة، وقامت بتسويق الصورة هذه ضمن مبادرات القوة الناعمة والحصول على
شرعية لسياساتها الداخلية والخارجية.
ومن الدول
التي استخدمت مشروع الإسلام المعتدل بنجاح كانت السعودية، حيث قدم ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان نفسه كمصلح يريد تحديث البلاد، وقام بإجراءات مثل السماح للمرأة بقيادة
السيارات والعيش وحيدة والسفر بدون محرم، وسمح بأماكن الترفيه، وحد من سلطة الشرطة
الدينية، وقام بسجن دعاة اعتبرهم متطرفين مقابل رجال الدين التقليديين الذين وصفوه
بالمجدد، مع أنه أبعد تاريخ السعودية عن تاريخ الحركة الوهابية.
وعلى الصعيد
الدولي، استخدم ولي العهد مشروع الإسلام المعتدل وتقديمه للغرب عبر مؤسسات مثل رابطة
العالم الإسلامي وأمينها محمد العيسى الذي أقام علاقات مع المنظمات اليهودية والمسيحية
الإنجيلية.
واستقبلت السعودية
في 2018 وفدا من قادة المسيحية الإنجيلية وزار وفد آخر المملكة في 2019. وفي كانون
الثاني/يناير 2020 قاد العيسى وفدا من العلماء المسلمين لزيارة موقع أوشفيتز في بولندا
وبرفقة ممثلين عن اللجنة اليهودية الأمريكية. وبعد عام استقبل البابا فرانسيس العيسى
في الفاتيكان.
وبنفس المقام
قدمت الإمارات نفسها في ظل قيادة الشيخ محمد بن زايد نفسها على أنها منارة للتسامح
والاعتدال والحداثة في الشرق الأوسط. وأكدت سفارة الإمارات في واشنطن أن الشمول والحرية
الدينية مغروسة في الحمض النووي للإمارات وقبل إنشائها عام 1971. وأشارت إلى أن الإمارات
لديها إطار متقدم للشرق الأوسط وطريق لنشر الإسلام المعتدل وحرية المرأة وتدريس الشمولية
وتشجيع الإبداع وترحب بالتواصل العالمي.
وبعد الربيع
العربي أنشأت الإمارات سلسلة من المؤسسات لتعزيز هذه النظرة مثل مجلس الحكماء المسلمين،
ومنبر نشر السلام في المجتمعات الإسلامية، والمجلس الإماراتي للإفتاء، وأعلنت في
2016 عن وزارة للتسامح والتي يترأسها حاليا الشيخ نهيان مبارك النهيان. وأعلنت عام
2019 عام التسامح، بشكل عزز صورتها كواحة للاستقرار والازدهار في المنطقة.
وفي الخارج
دعمت الإمارات عددا من المؤسسات الداعية للتسامح والاعتدال مثل تحالف المثل، ويضم رموزا
مسلمة ويهودية ومسيحية حول العالم. وكذا مجلس يهود الإمارات الذي يمثل اليهود داخل
البلد. وتم تعيين الحاخام يهودا سارنا كأول حاخام في البلد. وأكثر من هذا وقعت الإمارات
على "اتفاقيات أبراهام" عام 2020 التي قدمت على أنها من أجل السلام وحل النزاع
الإسرائيلي- الفلسطيني. ووصفتها أبوظبي بأنها "حافز على التغيير الواسع في الشرق
الأوسط" وآلية لنشر "الأمن والازدهار والسلام الإقليمي لسنوات قادمة".
ورغم كل هذا
فلم يتغير شيء على سلوك الإمارات الديكتاتوري ولا على سلوك السعودية. فهما في طليعة
دول ديكتاتورية ناشئة بالمنطقة ودعمتا حملات لإسكات المعارضين في الداخل وحروبا في
الخارج.
ورغم الكثير
من مبادرات حوار الأديان التي تم الترويج لها وتسويقها تحت شعار نشر التسامح والسلام،
إلا أنها عبدت الطريق للتعاون مع إسرائيل في القضايا الإستراتيجية وتنسيق جهود اللوبي
في واشنطن لتحقيق الأهداف المشتركة في الشرق الأوسط والحفاظ على الوضع غير الليبرالي
فيه.
ولم تعمل "اتفاقيات
أبراهام" تحديدا على تعزيز السلام، بل وصممت لتعزيز النظام من أعلى لأسفل المصمم
للحفاظ على مصالح النخبة السياسية.
ومبادرات الحوار
بين الأديان ليست إشكالية بحد ذاتها والمشكلة في مشروع الإسلام المعتدل الذي يقصد منه
تببيض صفحة الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. وتم تصميم هذه المبادرات من أجل خدمة
مصالح داخلية وجيوسياسية بدلا من مواجهة تفسير أو ممارسات دينية معينة.